ارتفاع التكلفة تدفع مواطني باكستان للتخلي عن شبكة الكهرباء التقليدية

الساسة في باكستان فشلوا في توفير نظام كهرباء نظيف وميسور التكلفة لنحو 240 مليون مواطن

time reading iconدقائق القراءة - 7
تجار يبيعون الفاكهة تحت أضواء بالبطاريات في لاهور، باكستان - الشرق/بلومبرغ
تجار يبيعون الفاكهة تحت أضواء بالبطاريات في لاهور، باكستان - الشرق/بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

عانت باكستان من أزمة كهرباء تلو الأخرى على مدار أعوام. وقبل عقد، تسبب الفشل في التنبؤ بالتراجع الحاد في حقول الغاز المحلية في انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع.

ومنذ 2013، شيدت حكومة رئيس الوزراء السابق نواز شريف أسطولاً من محطات الفحم بتمويل صيني لحل المشكلة. هذه التكاليف، إضافة إلى الفحم والغاز الطبيعي المسال المستوردين لتشغيل تلك التوربينات القائمة على الوقود الأحفوري، تسببت في انهيار الروبية، وأجبرت البلاد على طلب حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

على مدار العام الماضي، رفعت حكومة شهباز شريف- شقيق نواز- أسعار الكهرباء في محاولة لسد العجز الكبير في الميزانية، مما زاد من معاناة السكان المتعثرين. وأصبحت العديد من الأسر الآن تنفق أموالاً أكثر على فواتير الكهرباء مقارنة بالإيجار، وسط ارتفاع التعريفات بنسبة 155% منذ 2021، وفقاً لما أوردته "بلومبرغ نيوز" مؤخراً. واندلعت احتجاجات في الشهر الماضي ضد زيادة الأسعار مما أدى إلى توقف إحدى الطرق الرئيسية المؤدية إلى العاصمة. وأعلنت مريم شريف- ابنة نواز ورئيسة وزراء إقليم البنجاب الذي يضم نصف سكان باكستان- الأحد الماضي عن برنامج دعم بقيمة 45 مليار روبية (162 مليون دولار) لتخفيف صدمة الأسعار.

التحول إلى الطاقة النظيفة في باكستان

فشل كافة الساسة في توفير نظام كهرباء نظيف وميسور التكلفة لنحو 240 مليون مواطن باكستاني، وهو ما يعد ضرورياً إذا كانوا يأملون في سد الفجوة الاقتصادية المتزايدة مع الاقتصادات الناشئة الأخرى. في ظل التكاليف الباهظة لشبكة كهرباء تعمل بالكاد، بدأت الأسر والشركات في التخلي عن شبكات الكهرباء التقليدية ولجأوا بشكل رئيسي إلى الطاقة النظيفة.

توضح دراسة حديثة أجرتها جيني تشيس، المحللة لدى "بلومبرغ إن إي إف" الحجم الهائل لهذا التوجه غير المدرج في السجلات الرسمية. ففي العام الماضي، استوردت باكستان ألواحاً شمسية بقيمة 1.45 مليار دولار من الصين، وهذا يكفي لتوليد حوالي 6 غيغاواط من الطاقة الكهربائية، أو ما يعادل 7% تقريباً من احتياجات باكستان للكهرباء. ثم استوردت الدولة الكمية نفسها من الألواح تقريباً في الأشهر الستة الأولى من هذا العام وحده. ويمكن أن تولد هذه الألواح المستوردة حديثاً قرابة 13 غيغاواط وسط انخفاض أسعار الخلايا الشمسية العام الماضي.

فجوة بين الواقع والأرقام الرسمية

تشير أدلة منفصلة من معالجة صور الأقمار الصناعية باستخدام تقنيات تعلم الآلة إلى أن كميات هائلة من الألواح الشمسية جرى تركيبها دون اكتشافها. ووجدت "بلومبرغ إن إي إف" أن المساحة المرئية لهذه الألواح تعادل قدرة توليد تتراوح بين 1.4 إلى 2.8 غيغاواط على الأقل. ويبدو أن معظمها بُنيت على أسطح المصانع لتزويد الصناعات بالطاقة الكهربائية اللازمة. وترى تشيس أن إجمالي الطاقة الشمسية المركبة في باكستان يقدر بـ12.7 غيغاواط بحلول نهاية العام الماضي، ويُتوقع إضافة 10 إلى 15 غيغاواط أخرى في 2024، مما يجعل الدولة سادس أكبر سوق للطاقة الشمسية في العالم.

تختلف الأرقام الرسمية تماماً عن الواقع، حيث أعلنت هيئة تنظيم الكهرباء في البلاد أن قدرة الطاقة الشمسية في البلاد تبلغ 0.6 غيغاواط فقط، وحددت هدفاً أساسياً طويل الأجل عند 5.5 غيغاواط فقط بحلول 2034. وحتى في السيناريو الأكثر تفاؤلاً للطلب المرتفع، يزداد هذا التقدير إلى 15.6 غيغاواط خلال 10 أعوام، وهو مستوى يُرجح أن باكستان تجاوزته بالفعل بحسب تقديرات "بلومبرغ إن إي إف".

تحديات التحول إلى الطاقة النظيفة

يمكن اعتبار ما يحدث في باكستان قصة نجاح من منظور معين. إذ تواجه الأسر والشركات حكومة فاسدة وغير كفؤة واستبدادية تجبرهم على دفع مبالغ باهظة مقابل كهرباء مولدة من طاقة ملوثة للبيئة وغير مستقرة، لكنهم اختاروا التوجه نحو بديل أنظف. تظهر جنوب أفريقيا كمثال على كيف يمكن أن تسهم الطاقة الشمسية سريعاً في استقرار شبكة كهرباء متدهورة.

مع ذلك، كان من الأفضل كثيراً لو لم يُضطر المواطنون لاتخاذ مثل هذه التدابير. ويعاني نظام الكهرباء في باكستان من نقص التمويل كما هي الحال الآن. فكلما زاد عدد المستهلكين الرئيسيين الذين يختارون توليد الكهرباء بأنفسهم والتخلي عن الشبكة التقليدية، زادت الأعباء المالية الواقعة على عاتق من لا يستطيعون اتخاذ خطوة مماثلة، ومعظمهم من الأسر الفقيرة التي لا تملك مساحات كافية لتركيب ألواح شمسية على أسطح منازلهم. وهذا من شأنه أن يفاقم حلقة مفرغة من ارتفاع الأسعار وتراجع الموثوقية وزيادة الفواتير غير المدفوعة.

لن تتمكن شبكة الكهرباء في باكستان من الاستثمار في شبكات النقل أو توليد الكهرباء النظيفة التي تحتاجها لتعمل بكفاءة نظراً لنقص رأس المال. وهذا سيجعل باكستان أكثر اعتماداً على الوقود الأحفوري المستورد الذي يضعف العملة على المدى القصير، ويعرض سكانها في الأمد الطويل لارتفاع درجات الحرارة والتلوث الخانق. ويعد هذا الوضع إهداراً مأساوياً لبلد يتمتع بموارد وفيرة من الطاقة الكهرومائية والصحاري المشمسة والرياح، كان يجب أن تجعلها مصدراً للطاقة النظيفة.

باكستان منزعجة من مشاكل الطاقة

لا شك أن حكومة باكستان، التي لا تعطي أهمية كبيرة حالياً للطاقة الشمسية وطاقة الرياح ضمن مزيجها الكهربائي، ستكون أفضل حالاً إذا تخلصت من الوقود الأحفوري. كما أن توفير سوق كبيرة لاستيعاب الفائض من الألواح الشمسية الصينية قد يهدئ أيضاً العلاقات مع بكين، الحليف الرئيسي الذي قدم قروضاً بقيمة 15 مليار دولار لبناء أسطول مكلف من محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم في باكستان، التي تزداد الشكوك حول قدرتها على سداد هذه القروض.

في عام 2008، كانت باكستان تحتل المرتبة الثالثة بعد سريلانكا وبوتان كأغنى دولة في جنوب آسيا، لكنها تواجه الآن مخاطر التخلف عن سداد مستحقاتها بعد نيبال إلى مستوى أقل من العديد من دول منطقة أفريقيا جنوب الصحراء. وتغيير هذا الوضع سيتطلب حل مشاكل الطاقة التي أزعجت البلاد لعقود. ويمكن للطاقة النظيفة أن توفر الحل، إذا قبلت حكومة باكستان تبني هذا النهج.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

Islamabad

33°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 33°/33°
7.3 كم/س
28%