أمين عام "أوبك": علاقة النفط والمعادن الحرجة بحاجة لتقييم واقعي

time reading iconدقائق القراءة - 7
منجم للمعادن النادرة في بايونيبو، شمال الصين - المصدر: بلومبرغ
منجم للمعادن النادرة في بايونيبو، شمال الصين - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

الشرق

بقلم هيثم الغيص*

تُعد مسارات الطاقة المستدامة أمراً حيوياً للسكان في جميع أنحاء العالم. ومع وضع هذا في الاعتبار، علينا أن نقدر التأثيرات الواقعية المترتبة على السيناريوهات والسياسات الرامية إلى تعزيز مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. هناك العديد من العناصر التي تدخل في هذا الأمر، العنصر المركزي هو الدور الذي تلعبه المعادن الحرجة أو النادرة.

تدعم هذه المعادن، مثل النحاس والكوبالت والسيليكون والنيكل والليثيوم والغرافيت وعناصر الأرض الحرجة، تطوير مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية. تقول وكالة الطاقة الدولية إنه في سيناريو صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050، سيتضاعف الطلب على المعادن الحرجة 4 مرات بحلول عام 2040. إنها وتيرة غير مسبوقة في التاريخ.

لا يهدف تسليط الضوء على هذه المسألة بأي حال من الأحوال إلى التقليل من أهمية الدور الذي توليه منظمة "أوبك" للطاقة المتجددة والكهرباء في مستقبل الطاقة لدينا. تستثمر بلداننا الأعضاء بكثافة في مصادر الطاقة المتجددة، وفي جميع مراحل سلاسل التوريد الخاصة بها، وتشارك في تطوير المركبات الكهربائية.

ارتفاع الطلب على المعادن الحرجة

مع ذلك، نحتاج إلى التفكير ملياً في مثل هذا التوسع بمتطلبات المعادن الحرجة. هل هذا النوع من التوسع ممكن حقاً؟ ما هي الآثار المترتبة عليه؟ إلى أي مدى هو مستدام؟ وما مدى أهمية النفط والغاز في التوسع بإنتاج المعادن الحرجة وكذلك مصادر الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية والشبكات الكهربائية.

في سيناريو وكالة الطاقة الدولية المذكور، بحلول 2040، سيرتفع الطلب على النحاس 50%، ويقترب الطلب على العناصر الأرضية الحرجة من الضعف، كما سيتضاعف الطلب على الكوبالت أكثر من مرة، فيما سيزيد الطلب على النيكل بنحو 3 مرات عن مستوياته الحالية. هذه ليست أكبر الزيادات على الإطلاق. سينمو الطلب على الغرافيت بنحو 4 مرات، وسيشهد الليثيوم توسعاً بمقدار تسع مرات تقريباً بحلول عام 2040، ما يؤكد دوره الحاسم في صناعة البطاريات.

اقرأ أيضاً: الصين تشدد قبضتها على المعادن الحرجة عبر قانون جديد

هذا يتطلب بناء عدد كبير من المناجم الجديدة. وبالعودة إلى عام 2022، قالت وكالة الطاقة الدولية إنه بحلول عام 2030، سيحتاج العالم إلى بناء 50 منجم ليثيوم جديداً، و60 منجماً جديداً للنيكل، و17 منجماً للكوبالت.

تحديات سلاسل التوريد

ينبغي أن يؤخذ في الاعتبار أن مشاريع سلسلة التوريد المهمة لمثل هذه الأنواع من السلع، كان أمامها فترات زمنية طويلة لتتطور، من الاكتشاف إلى الإنتاج الأول. هذا الواقع يطرح التساؤلات التالية: هل هذا النمو واقعي؟ وما التأثير المترتب حال جاء النمو أقل من المتوقع. وعلى نفس القدر من الأهمية، ماذا لو اتبع صناع السياسات أيضاً مسار التوقف عن الاستثمار في مشاريع النفط والغاز الجديدة؟

يتضمن تطوير المعادن الحرجة عمليات استخراج ومعالجة غازية، ما يؤكد على القسوة المادية التي سيحملها عالمٌ يعتمد على الكهرباء. إن المركبات الكهربائية، وتوربينات الرياح، والألواح الشمسية، فضلاً عن الشبكات الجديدة، كلها متعطشة للمعادن الحرجة. يتم تسليط الضوء على هذا بشكل صارخ عند إجراء المقارنات.

اقرأ أيضاً: السعودية تستخدم بيانات "أرامكو" لاستكشاف المعادن النادرة

تحتوي السيارة الكهربائية على ما يقرب من 200 كيلوغرام من المعادن. وللمقارنة، تستخدم السيارة التقليدية نحو 34 كيلوغراماً فقط. ويتطلب توليد ميغاواط واحد من الكهرباء المنتجة بواسطة توربينات الرياح البحرية نحو 15 طناً من المعادن، في حين أن توليد نفس الحجم بواسطة الطاقة الشمسية يتطلب نحو سبعة أطنان، وما يزيد قليلاً عن طن واحد من المعادن لميغاواط الكهرباء المولّدة بالغاز الطبيعي.

استهلاك الطاقة

تُعد عملية تعدين المعادن الحرجة أيضاً نشاطاً كثيف الاستهلاك للطاقة، وهي تعتمد اليوم على الوقود الأحفوري، ولا يمكن أن تتم بخلاف ذلك.

يُعد استخدام الفحم والغاز أمراً حيوياً في تنقية المعادن من خلال عمليات حرارية وكيميائية مختلفة. فعلى سبيل المثال، يتم استخدامهما في عملية المزج، لإزالة المعادن الأخرى، وفي التسخين إلى درجات حرارة عالية لإنتاج خامات أكثر نقاءً. ويتم استخدام المنتجات النفطية أيضاً في مواقع التعدين، من الحفارات والجرافات إلى الشاحنات القلابة، فضلاً عن وسائل مختلفة للنقل لشحن المعادن من مراكز الإنتاج إلى أماكن الطلب.

اقرأ أيضاً: ماليزيا تخطط لحظر تصدير المعادن النادرة

وهنا، من المهم أن نتذكر مقال سابق "كوب 28 في الأفق: التركيز على نهج شامل لنظام الطاقة" سلط الضوء على عدم إمكانية إنتاج توربينات الرياح والألواح الشمسية والمركبات الكهربائية بدون المعدات الحيوية التي تعمل بالبترول. فصناعة النفط والطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية ليست مستقلة عن بعضها البعض، ولا تعمل منفصلة.

عقبات أمام زيادة إنتاج

هناك نقطة رئيسية أخرى متعلقة باستهلاك الطاقة. فنشاط التعدين قد يتضاعف بأكثر من خمس مرات بحلول منتصف القرن. ومن المتوقع أن يكون أحد أكبر مصادر الطلب على المعادن الجديدة، وخاصة النحاس، من الحاجة إلى بنية تحتية جديدة لشبكات الكهرباء، مثل خطوط الكهرباء والمحولات. وفي عالم خالٍ من الانبعاثات الكربونية ستحتاج شبكة الكهرباء إلى الامتداد للشمس على مساحة تبلغ نحو 152 مليون كيلومتر، كما ذكرت "بلومبرغ إن إي إف" (BNEF).

هل من المنطقي أن نتصور أن مصادر الطاقة المتجددة وحدها قادرة على تلبية التوسع المتوقع للكهرباء؟ استثمر العالم أكثر من 9.5 تريليون دولار في "التحول الطاقي" على مدى العقدين الماضيين، رغم ذلك، فطاقة الرياح والشمس لا تزالان توفران ما يقل قليلاً عن 4% من طاقة العالم، كما أن المركبات الكهربائية على مستوى العالم لا تزيد عن 2% إلى 3%. وفي تقريرها الأخير عن توقعات الطاقة الجديدة، ذكرت "بلومبرغ إن إي إف" أن سيناريو الانبعاثات الصفرية سيكلف العالم 250 تريليون دولار بحلول عام 2050.

تنبّه صناع السياسات إلى الحاجة الكثيفة للمعادن في السيناريوهات الأولية للانبعاثات الصفرية، وتُثار أسئلة حول مدى سهولة الاستمرار في زيادة إنتاج المعادن الحرجة. ويتجلى ذلك في حقيقة أن نسبة الزيادة في الاستثمار العالمي في المعادن خلال عام 2023 كانت أقل مما كانت عليه في 2022.

أولئك الذين يتحدثون عن المعادن الحرجة التي ستنقل العالم إلى مستقبل من الطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية، لا يقدمون الصورة كاملة. وكما تواصل منظمة "أوبك" دعوتها، فإن هناك العديد من مسارات الطاقة المستقبلية أمام الدول والشعوب حول العالم، وعلينا جميعاً أن نكون واقعيين بخصوص كيفية تحقيقها.

*مقال للأمين العام لمنظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" نشر على موقع المنظمة

تصنيفات

قصص قد تهمك