بلومبرغ
حفّز انخفاض أسعار الغاز الطبيعي واحتمال حدوث تخمة في السنوات المقبلة مبيعات الشاحنات والسفن التي تعمل بذلك النوع من الوقود، ما يُسرّع التحول على المدى الطويل بعيداً عن النفط في الصين، أكبر مستورديه في العالم.
وكانت واحدة من بين كل ثلاث شاحنات ثقيلة جديدة بيعت في الصين في أبريل تعمل بالوقود فائق التبريد الذي يشيع استخدامه لتوليد الكهرباء. وهو ما يمثّل ارتفاعاً من واحدة فقط من بين كل ثماني شاحنات بيعت في العام السابق.
قطاع الشحن البحري يفضل الغاز
والأمر مشابه في مجال الشحن البحري، حيث يُعد الغاز الطبيعي المسال أحد البدائل الرئيسية لزيت الوقود. وكانت مبيعات الغاز الطبيعي المسال للسفن في المركز البحري، سنغافورة، أعلى عشر مرات في أبريل عن العام السابق.
اعتُبر الغاز الطبيعي المسال بديلاً للنفط في وسائل النقل لمسافات طويلة لبعض الوقت، لكن جاذبيته زادت مع انخفاض الأسعار لفترة مستمرة بعد أن تراجع عن مستواه القياسي المرتفع في 2022. وتشير التوقعات بأن تظل الأسعار منخفضة خلال هذا العقد بفضل موجة هائلة من الاستثمارات في الولايات المتحدة وقطر وأماكن أخرى، حيث تسرّع الاستثمارات تبني هذا النوع من الوقود.
وفي حين تعمل السيارات الكهربائية على إزالة الكربون بشكل مطرد من أسطول النقل الخفيف، فإن الاعتقاد السائد كان يشير إلى أن الشاحنات والشحن البحري سيستغرق وقتاً أطول بكثير.
قال إيرا جوزيف، وهو باحث كبير مشارك في مركز سياسة الطاقة العالمية بجامعة كولومبيا، إن الشاحنات هي "الخيار الأمثل" لازدهار الغاز الطبيعي المسال بأسعار مرتفعة بما يخدم البائعين. وأضاف: "إنها لعبة تبديل خالصة، وتعني تراجع المبيعات في منتج ما بسبب تحول المستهلكين لبدائل أرخص عندما ترتفع الأسعار، لأنه يتنافس مع وقود الديزل الأكثر تكلفة، على عكس قطاع الطاقة حيث يكون الفحم ومصادر الطاقة المتجددة أرخص".
الصين تعزز حصة الغاز في مزيج الطاقة
ستحل المركبات الكهربائية والشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال محل نحو 10 إلى 12% من استهلاك الديزل والبنزين في الصين هذا العام، حسبما توقع معهد أبحاث الاقتصاد والتكنولوجيا التابع لشركة البترول الوطنية الصينية في مارس، قائلاً إن الطلب على النفط هناك دخل في مرحلة نمو منخفض.
تشير الأرقام الصينية الخاصة باعتماد شاحنات الغاز الطبيعي المسال، الصادرة عن مزود المعلومات المحلي "سي في ورلد دوت كوم" (cvworld.com)، وكأنها بداية لاتجاه طويل المدى. سجلت المبيعات زيادات على أساس سنوي لكل شهر منذ بداية 2022، وفق "بلومبرغ إن إي إف"، وشكلت المركبات نحو7% من أسطول الصين لشاحنات العمل الشاق في نهاية العام الماضي.
قال شيتشينغ شيا، المستشار في شركة "وود ماكنزي" (Wood Mackenzie)، إن الغاز الطبيعي جذاب بسبب تمتعه "بكفاءة أفضل في استهلاك الوقود، وانبعاثات أكثر مراعاة للبيئة، وسياسات داعمة أكثر في مقاطعات محددة في الصين مقارنة بالديزل".
ولا تعد تلك المرة الأولى التي تُقبل فيها الشاحنات على استخدام الغاز الطبيعي المسال. فقد بذلت شركتا "شل" و"وودسايد بتروليوم" (Woodside Petroleum) جهوداً لاستخدام ذلك الوقود بشكل أكبر في وسائل النقل في نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.
الغاز بديل أرخص من الديزل
من المنتظر أن يكون للغاز الطبيعي المسال تأثير أكثر استدامة على النقل هذه المرة على ما يبدو، لأسباب على رأسها كونه الآن أرخص من الديزل. ولا يوجد أيضاً اتحاد يركز على دعم أسعار الغاز، على عكس النفط، حيث تدير أوبك+ الإمدادات لدعم السوق.
قال ييونغ هي، مؤسس شركة "إل إن جي إيزي بي تي إي" (LNG Easy Pte)، وهي شركة مقرها سنغافورة، إن الغاز الطبيعي المسال لديه "مراجحة طبيعية مقابل أنواع الوقود السائل الأخرى"، وهو ما يساعد في تفسير التبني السريع للمركبات التي تعمل بالغاز المسال. كما أنه يصبح أكثر تنافسيةً من حيث التكلفة في مجال الشحن، في الوقت الذي تضغط فيه المنظمة البحرية الدولية وحكومات مختلفة على ملاك السفن من أجل إزالة الكربون.
ويمثل الغاز الطبيعي المسال نحو 3% من سوق الوقود البحري العالمي، وفق "وود ماكنزي"، وكانت ناقلات الغاز نفسها أول من تبنته في وقت مبكر، تلتها سفن الحاويات. ويعتبر أحد البدائل الواعدة لزيت الوقود، إلى جانب الميثانول والأمونيا والوقود الحيوي.
قال جايندو كريشنا، المدير في شركة "دروري ماريتايم سيرفسيز" (Drewry Maritime Services) للخدمات البحرية في سنغافورة: "التزود بالغاز الطبيعي المسال يسير في اتجاه تصاعدي، ويمكننا أن نتوقع استمرار هذا الزخم". وأضاف أنه "من المرجح أن يظل الغاز البديل هو المهيمن" استناداً إلى دفاتر طلبيات السفن الحالية.
الغاز وُجد ليبقى
وفي حين أن الاقتصاديات المواتية للتحول إلى الغاز تبدو وكأنها موجودة لتبقى، فإن هناك الكثير من العوامل التي يمكن أن تعرقل هذا الاتجاه، على الأقل مؤقتاً.
فهناك خطر من تزايد موقف بيئي مناهض للغاز الطبيعي المسال. وهذا ما يحدث بالفعل في الولايات المتحدة، حيث أعلن الرئيس جو بايدن وقف الموافقة على المشروعات الجديدة في وقت مبكر من هذا العام، بسبب التأثيرات المحتملة على المناخ.
ورغم أن الغاز أنظف من النفط، لكنه يظل وقوداً أحفورياً، مما يجعله نعمة ونقمة على نحو متزايد فيما يخص الجهود المبذولة لتجنب الآثار السيئة لتغير المناخ. ويعتقد محللون أن ذلك سيبطئ عملية التحول إلى عالم منخفض الكربون بدلاً من تسريعه.
قد يؤدي شتاء أبرد من المتوقع أو انقطاع في الإمدادات إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي المسال، في حين قد يختار أصحاب السفن التوجه مباشرة إلى البدائل النظيفة مثل الأمونيا عند طلب السفن، وتخطي الغاز الطبيعي المسال بالكامل.
قال ميشال ميدان، رئيس برنامج الطاقة الصينية في معهد أكسفورد لدراسات الطاقة: "نظراً للسياسات الحكومية للحد من التلوث وتحول شحن البضائع بعيداً عن الديزل، فمن المرجح أن يظل النقل بالشاحنات التي تعمل بالغاز الطبيعي المسال خياراً مهماً. لكن الأمر سيشهد مداً وجزراً بناءً على الأسعار".