بلومبرغ
ربما يكون الرئيس الأميركي جو بايدن حصل للتو على دفعة انتخابية بوقت مناسب من مصدر غير متوقع.
فمن المحتمل أن يؤدي قرار تحالف "أوبك+" الذي صدر الأحد الماضي بزيادة ضخ النفط في السوق العالمية إلى كبح أسعار البنزين حتى نهاية السنة الجارية، ما قد يساعد في تهدئة غضب الناخبين إزاء التكاليف داخل محطات الوقود.
ورغم أن الرؤساء الأميركيين يملكون سيطرة محدودة على أسواق النفط في المدى القصير، إلا أن حظوظهم غالباً ما كانت مرتبطة بأسعار بيع الوقود للمستهلكين، مع عدم تردد الناخبين في معاقبة المسؤولين السياسيين على أسعار تعبئة الوقود الباهظة. ومع وضع اللافتات بطريقة بارزة في زوايا المحطات، تبقى تكلفة الوقود أحد أكثر مؤشرات التضخم وضوحاً.
انفراجة كبيرة لإدارة بايدن
ذكر بوب ماكنالي، رئيس شركة "رابيدان إنرجي غروب" للخدمات الاستشارية والمسؤول السابق في البيت الأبيض: "واضح أن إدارة بايدن حظيت بانفراجة كبيرة على هذا الصعيد".
هبطت أسعار النفط بحوالي 5% منذ أن اتفقت "أوبك" وحلفاؤها الأحد الماضي على إلغاء بعض تخفيضات الإنتاج تدريجياً بداية من أكتوبر المقبل -وهو توقيت مبكر عما كان متوقعاً- في قرار قال بعض المحللين إنه ربما يؤثر على النفط الخام خلال الشهور المقبلة. ومن الممكن أن يزيد هذا الإجراء أيضاً تدفقات النفط إلى السوق العالمية قبل أسابيع فقط من الانتخابات الأميركية المزمعة نوفمبر المقبل، ما قد يقلص تكلفة البنزين مع توجه الناخبين للإدلاء بأصواتهم في صناديق الاقتراع.
يمثل النفط الخام أكبر عامل مؤثر على تكلفة شراء المستهلكين للبنزين في الولايات المتحدة الأميركية، إذ يشكل أكثر من نصف سعر البيع بالتجزئة.
وفي استطلاع شهري لتعقب رأي الجمهور تجريه "بلومبرغ نيوز" وشركة "مورنينغ كونسلت" (Morning Consult) شمل الولايات السبعة المتأرجحة الرئيسية التي ستحسم نتيجة انتخابات 2024، قال 30% من الناخبين إن أسعار البنزين أهم عامل اقتصادي عندهم. ووثق 49% من الناخبين في تلك الولايات بالرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب للتعامل مع هذه القضية بينما حاز بايدن في المقابل على ثقة 32%.
أسعار البنزين في الولايات المتحدة
أشار مارك زاندي، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "موديز إنلاتيكس" (Moody's Analytics)، إلى أنه إذا تراجع سعر غالون البنزين نحو 3 دولارات مع حلول يوم الانتخابات، فمن المفترض أن يظفر بايدن بإعادة انتخابه. لكن إذا تجاوزت الأسعار 4 دولارات للغالون فسيتفوق ترمب على الأرجح. وبلغ متوسط الأسعار الاثنين الماضي 3.52 دولار تقريباً للغالون.
كتب زاندي في مقال رأي منشور على الإنترنت بتاريخ 20 مايو الماضي: "لن تتوقف نتيجة الانتخابات الرئاسية غالباً على قضايا الإجهاض أو الهجرة أو حتى التغير المناخي. وعوضاً عن ذلك، سيعتمد الأمر على الأرجح على سعر البنزين في فترة ما قبل عملية الاقتراع" مباشرة.
برزت تكاليف الوقود المرتفعة بوصفها عائقاً سياسياً بالنسبة لبايدن بوقت مبكر من صيف 2022، عندما بلغت أسعار البيع للمستهلكين ذروتها متجاوزة 5 دولارات للغالون، ما أعطى الجمهوريين الفرصة لانتقاد سياساته تجاه قضايا الطاقة والمناخ قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي.
رغم ذلك، تعامل بايدن بطريقة فريدة من نوعها مع هذه القضية، قائلاً بوقت لاحق من ذلك العام إن قراره بإطلاق كمية تاريخية من النفط الخام من إمدادات الطوارئ في البلاد قلص الأسعار بمحطات الوقود، ما خفف الأعباء عن قائدي المركبات.
سياسات بايدن
نوه جيم لوسير، المدير العام في "كابيتال ألفا بارتنرز" (Capital Alpha Partners)، وهي شركة أبحاث مقرها في واشنطن، إلى أن قرار "أوبك" "سيعطي البنزين أهمية بدرجة أقل خلال صيف العام الحالي".
استطرد لوسير عبر رسالة بالبريد الإلكتروني: "إنهم يفتحون الباب أمام شركائهم في أوبك لإنتاج المزيد، لكنهم يحاولون الحفاظ على انضباط السوق بصورة كافية لتفادي انهيار الأسعار. ومن المفارقات، أن انهيار الأسعار في الخريف سيكون دليلاً قاطعاً على نجاح سياسات بايدن".
صعدت أسعار بيع البنزين بالتجزئة -وهي قضية رئيسية للناخبين المتأرجحين- بحوالي 13% منذ بداية السنة الجارية، بحسب الجمعية الأميركية للسيارات. بينما هبطت الأسعار منذ منتصف أبريل الماضي -متعقبة بطريقة كبيرة تراجع أسعار النفط الخام- فإنها عادة ما ترتفع خلال فصل الصيف مع زيادة قيادة السيارات التي تزيد الطلب.
ورداً أمس الأول على سؤال حول قرار "أوبك"، بين المتحدث باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، جون كيربي، أن هدف بايدن هو الاستمرار في تخفيف أعباء التكاليف عن كاهل قائدي المركبات.
وصرح كيربي للصحفيين: "سنركز على سعر البيع للمستهلكين، والرئيس واثق من امتلاكه لاستراتيجيات لفعل ذلك".
صفقة أميركا مع السعودية
بالنسبة لبايدن، قد يساعد التحول في سياسة "أوبك" أيضاً في المفاوضات بشأن اتفاقية دفاعية تاريخية مع المملكة العربية السعودية من شأنها إعادة تشكيل الشرق الأوسط وتعزيز مكانة الولايات المتحدة الأميركية بالمنطقة.
قالت حليمة كروفت، رئيسة وحدة استراتيجية السلع العالمية في "أر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets)، إن زيادة الإنتاج المنتظرة ستوفر "ظروفاً مفيدة لمفاوضات الصفقة الكبرى بين الولايات المتحدة الأميركية والسعودية. ومن المرجح أن يرضي قرار تقديم إرشادات مستقبلية لتخفيف الأسعار تدريجياً المسؤولين في واشنطن الذين يؤكدون باستمرار أن سعر النفط المعتدل سيساعد على حشد تأييد الكونغرس الأميركي لإبرام صفقة".
ربما يساعد هذا القرار بايدن أيضاً على إعادة ملء مخزون الاحتياطي البترولي الاستراتيجي بأسعار معقولة أكثر. وذكرت الإدارة الأميركية أنها مستعدة لدفع ما يصل إلى 79.99 دولاراً للبرميل لإعادة تعبئة المخزون. فيما تقل الأسعار الأميركية حالياً أكثر من 6 دولارات للبرميل عن هذا المستوى.
في حين يشكل قرار "أوبك" نبأ ساراً للرئيس الأميركي، يشير محللون إلى وجود فرص لارتفاع الأسعار بوقت لاحق من السنة الجارية. ومن المنتظر أن يزداد نمو الطلب وما زال بإمكان التوترات الجيوسياسية بمنطقة الشرق الأوسط تعطيل إمدادات النفط الخام.
اختتم ماكنالي من "رابيدان": "نحن بعيدون جداً عن تجاوز هذه المرحلة الحرجة".