بلومبرغ
تعاني الشركات التي تتسابق إلى بناء مزارع لطاقة الرياح بعدة مليارات من الدولارات في مياه الولايات المتحدة من ارتفاع تكاليف الاقتراض، وأزمات سلسلة التوريد، وتراجع المشروعات.
والآن أصبح لديها مصدر آخر من مصادر القلق، هو دونالد ترمب.
لم يخف الرئيس السابق للولايات المتحدة والمرشح الجمهوري المفترض للرئاسة عداءه نحو طاقة الرياح، سواء أُنشئت مزارعها داخل البحر أو على البر. وقد اشتهر عنه أنه خاض معركة ضد إقامة مشروع على مرمى البصر من ملعب الغولف الخاص به في أبردين بأسكتلندا، وسخر باحتقار من مزارع طاقة الرياح ووصفها بأنها مسوخ وحشية تقتل الطيور.
غير أنه لجأ للتصعيد في خطابه مؤخراً، وقال للحضور في مناسبة لجمع التمويل في فلوريدا الشهر الماضي إنه يمقت مزارع طاقة الرياح، وفقاً لأشخاص مطلعين على الموضوع.
كما تعرضت شركات إنتاج الطاقة المتجددة لمزيد من الهجوم خلال حشد انتخابي لحملة ترمب في نيو جيرسي، وهي الولاية التي تقف في مقدمة المعارك الدائرة حول مستقبل إنشاء مزارع الرياح في المياه.
يقول محللون إن ترمب قد يستهدف هذا القطاع إذا عاد إلى البيت الأبيض في العام القادم حتى إن المشاريع التي تعمل بكامل طاقتها في الوقت الحالي ستصبح معرضة للخطر.
ترمب خطر على القطاع
قال تيموثي فوكس، العضو المنتدب في شركة الأبحاث "كليرفيو إنيرجي بارتنرز"، ومقرها في واشنطن العاصمة: "إن إدارة يرأسها ترمب ستمثل عاملاً سلبياً بالنسبة لقطاع طاقة الرياح البحرية، ولا جدال في ذلك إلا من حيث الدرجة. نحن نسمع خطباً لترمب ربما تشير إلى استجابة أشد انتقامية".
قد تتخذ تلك الاستجابة شكل توقف حكومة الولايات المتحدة عن منح تراخيص المشروعات الجديدة أو الذهاب إلى المحكمة لإعادة النظر في الموافقات التي حصلت عليها مزارع لطاقة الرياح سبق ترخيصها.
كذلك قد يؤدي انتخاب ترمب إلى تعظيم سلطة وتأثير مسؤولين آخرين يقفون موقف المعارضة من مزارع الرياح البحرية– ومن بينهم مسؤولون في البنتاغون ووزارة التجارة.
بل إن ترمب يستطيع استغلال قواعد اللعبة التي وضعها منافسه. فقد أصدر جو بايدن عشرات القرارات لتشجيع ودفع مشروعات توليد الكهرباء من الطاقة المتجددة، غير أن ترمب يستطيع أن يستخدم نفس الصلاحيات لإفشالها.
يقول وايني دانغلو، محامي شؤون البيئة في شركة "كيلي دراين آند وارن" (Kelley Drye and Warren): "كل تلك الأدوات يمكن أن تستخدمها إدارة ترمب بنفس سهولة استخدام إدارة بايدن لها. فهي لا تعمل في اتجاه واحد فقط".
لننظر إلى قرار بايدن في يناير الماضي بوقف إصدار التراخيص الجديدة مؤقتاً لتصدير الغاز الطبيعي أثناء قيام الحكومة بالتدقيق في تأثيرات ذلك على البيئة. يستطيع ترمب أن يقرر حظراً مماثلاً على تراخيص مزارع طاقة الرياح لإجراء دراسات إضافية على تأثيرها على الحياة البرية وصيد الأسماك. وكما تفرض إدارة بايدن على شركات النفط والغاز تجنيب مزيد من الأموال بهدف تغطية تكاليف تنقية البيئة في النهاية، تستطيع إدارة ترمب المقبلة فرض التزامات مالية ضخمة على مزارع طاقة الرياح البحرية.
إبطاء الجدول الزمني للمشاريع
قد تؤدي الجداول الزمنية البطيئة إلى زيادة التكاليف وتجميد النمو والتطور في مورد تراهن عليه ولايات الشمال الشرقي لتوفير الكهرباء الخالية من الانبعاثات، مع الآثار المحتملة لذلك على شركات مثل "أفانغريد" (Avangrid) و"أورستد" (Orsted) و"شل" و"إنفينيرجي" (Invenergy).
يقول خبراء سياسة الطاقة أنه حتى في أفضل السيناريوهات بالنسبة لمطوري الطاقة المتجددة، فإن ولاية ثانية لترمب ستعني مراجعات أطول من وزارة الداخلية للمشاريع المقترحة ومزادات أقل -إن وجدت- على عقود امتياز جديدة لطاقة الرياح البحرية، حيث تحول الإدارة الموارد والاهتمام نحو النفط والغاز.
إن مجرد احتمال فوز ترمب يزيد من الضغط على قطاع طاقة الرياح في الولايات المتحدة، الذي تضرر من ارتفاع تكاليف المعدات الرئيسية، بما في ذلك الأبراج والتوربينات والأساسات. كما لجأ خصوم طاقة الرياح -بما في ذلك المدافعون عن نشاط صيد الأسماك والجيران الساخطون- إلى المحاكم لمواجهة الموافقات الفيدرالية وموافقات الولايات. وتمثل قوانين حماية الحيوانات في الولايات المتحدة خطراً طويل الأمد لأن التوربينات تُزرع في المياه التي تتقاطع مع طرق هجرة حوت شمال الأطلسي الصائب وغيره من الأنواع المهددة بالانقراض.
إدارة ترمب ليست عقبة
ومع ذلك، يقول مسؤولون سابقون في الإدارة الأميركية إن آراء ترمب الشخصية حول مزارع الرياح لا تعني بالضرورة أن نتشاءم بشأنها.
قال أندرو ويلر، المدير السابق لوكالة حماية البيئة في عهد ترمب وهو الآن شريك في شركة الأبحاث "هولاند أند هارت" (Holland and Hart)، إن ترمب عندما كان في البيت الأبيض، "لم يفعل أي شيء لوقف مزارع الرياح البحرية. ولا أرى إن تلك الصناعة ستعاني من أزمة في عهده".
واصلت إدارة ترمب مراجعة مزارع طاقة الرياح البحرية المقترحة وبيع عقود الامتياز لبنائها، حتى إنها احتفلت بالمزاد الذي سجل رقماً قياسياً في عام 2018 باعتباره مزاداً كبيراً من شأنه أن يساهم في هيمنة قطاع الطاقة الأميركي. وعلى الرغم من أن وزارة الداخلية في إدارة ترمب أجلت اتخاذ قرار نهائي بشأن مشروع "فينيارد ويند" قبالة ماساتشوستس لإجراء المزيد من المراجعة البيئية، ساعد هذا التدقيق الإضافي في دعم المشروع ضد الطعون القانونية اللاحقة.
رفض المتحدثون باسم حملة ترمب التعليق. وخلال حملته الانتخابية، روّج ترمب لدعمه لقطاع النفط والغاز الأميركي، واعداً بـتشجيع أعمال التنقيب والحفر.
يستعد المدافعون عن طاقة الرياح البحرية لإقناع ترمب بأن هذه المشاريع تعني زيادة عدد الوظائف ونشاط التصنيع في الولايات المتحدة- بما في ذلك الفوائد الكبيرة لصناعة الصلب الأميركية التي كان الرئيس السابق يدعمها. كما أنهم مستعدون لمناشدة خبرته كمطور عقاري، ربما يكره أن يرى الروتين الحكومي عقبة في مواجهة المشاريع الخاصة.
مجالات واسعة للاستثمار
فتحت صناعة طاقة الرياح مجالاً لإنفاق 27 مليار دولار، بما في ذلك 18 مليار دولار مرتبطة ببناء السفن وإعادة تطوير الموانئ وبناء المصانع وغيرها من الاستثمارات في سلسلة التوريد المحلية، وفقاً لجماعة الضغط "أوشنتيك نتورك". كما يُنتظر إنفاق مئات الملايين من الدولارات في مصانع جديدة للصلب لصناعة الأبراج والأجزاء الخاصة بمزارع طاقة الرياح البحرية.
قال المتحدث باسم "جمعية طاقة الكهرباء النظيفة" الأميركية جيسون رايان إن الدعوة في هذا المجال يجب أن تشمل تثقيف الناس "حول الدور الهام لطاقة الرياح البحرية في تعزيز قدرة شبكة الكهرباء وضمان هيمنة صناعة الطاقة الأميركية".
وأضاف رايان أن: "الطاقة النظيفة جزء مهم ومتنامٍ ودائم من الاقتصاد الأميركي. وإن تطوير طاقة الرياح البحرية، على وجه الخصوص، يدعم سلسلة التوريد المحلية، بما في ذلك بناء السفن، ويقود النمو الاقتصادي في المجتمعات الساحلية".
أنصار طاقة الرياح مستعدون أيضاً للاستفادة من الحلفاء الجمهوريين في الكونغرس والحكم المحلي الذين يرون بالفعل فوائدها مباشرة. ومن بين هؤلاء النائب ستيف سكاليس، زعيم الأغلبية الجمهورية عن ولاية لويزيانا، الذي أشاد بفوائد الصناعة لبناء السفن المحلية وكذلك بالنسبة لهيمنة قطاع الطاقة الأميركي. قال سكاليس العام الماضي أثناء زيارته لسفينة خدمات متخصصة قيد الإنشاء: "الرياح هي أحدث أشكال الطاقة التي سنهيمن عليها"، والولايات المتحدة تحتاج إلى المزيد منها.
في نيوجيرسي، قبل أيام فقط من حشد ترمب، قال سيناتور الولاية أندرو زويكر إنه يعلم أن هذه الصناعة تواجه تحديات، سواء مع ترمب أو بدونه. وأضاف السيناتور الديمقراطي أن: "القوة الدافعة تتحرك في الاتجاه الخطأ".
ومع ذلك، هناك فرصة كبيرة تلوح في الأفق إذا تمكنت هذه الصناعة من الصمود في وجه العاصفة الاقتصادية والسياسية، بحسب زويكر الذي أوضح أن نيوجيرسي يمكن أن تصبح عاصمة "الطاقة الأميركية الجديدة- أميركية الصنع والبناء، هنا في هذا المكان".