بلومبرغ
عندما يقيّم وزراء "أوبك+" الوضع في أسواق النفط العالمية الأسبوع المقبل، سيلاحظون الكثير من الأدلة على نجاح تخفيضات الإنتاج.
بعد بداية هزيلة لهذا العام، تظهر أسعار النفط الخام علامات متزايدة على الانتعاش، حيث تجتمع تخفيضات العرض من قبل السعودية وحلفائها مع الطلب المرن بشكل مدهش.
لا تزال معنويات السوق تفتقر إلى الوفرة التي شهدتها أوائل عام 2023، عندما أعلن المتداولون على نطاق واسع عن عودة سعر النفط إلى 100 دولار، لكن بنوك "وول ستريت" مثل "مورغان ستانلي" وعمالقة التجارة مثل "ترافيغورا غروب"، تتوقع المزيد من زيادات الأسعار.
ارتفعت العقود الآجلة لخام برنت بنحو 11% العام الجاري، مما عزز الحد الأدنى فوق 85 دولاراً للبرميل في الأسابيع الأخيرة. على الرغم من أن ذلك ربما يؤدي إلى زيادة الضغوط على البنوك المركزية والمستهلكين من خلال تقويض محاولة النجاح الأخيرة في مكافحة التضخم، فإن هذا الارتفاع يدعم الإيرادات ذات الأهمية الحيوية بالنسبة إلى الرياض وشركائها.
لا يرى المسؤولون من منظمة البلدان المصدرة للبترول "أوبك" أي ضرورة للنظر في إجراء أي تغييرات على سياسة الإنتاج في 3 أبريل، حيث من المقرر أن يُعقد اجتماع عبر الإنترنت لمرجعة أحدث تخفيضات للإنتاج.
قال مايكل هسوه، الخبير الاستراتيجي في "دويتشه بنك": "كانت تخفيضات أوبك فعالة. السوق العالمية إما تعاني بالفعل من عجز، أو أنها على وشك التحول إلى عجز".
اقرأ أيضاً: استقرار أسعار النفط وسط ترقب لتخفيضات إنتاج "أوبك+"
توقعات زيادات الأسعار
قال مندوبو تحالف "أوبك+" إن الأسابيع القليلة الماضية أظهرت الكثير من الأدلة على أن التخفيضات تحقق التأثير المنشود. قلبت وكالة الطاقة الدولية، التي تقدم المشورة للاقتصادات الكبرى، توقعاتها للأسواق العالمية في عام 2024 من فائض في العرض إلى حالة العجز، بعد قرار التحالف تمديد تخفيضاته حتى نهاية يونيو.
ذكرت وكالة الطاقة الدولية أن الاستهلاك العالمي للوقود يتجاوز التوقعات، وأن تخفيضات "أوبك+"، التي تصل إلى حوالي مليوني برميل يومياً، تعوّض تدفق النفط الجديد من جميع أنحاء الأميركتين.
سادت معنويات متفائلة بين المسؤولين الذين حضروا اللقاء السنوي لصناعة النفط في هيوستن في وقت سابق من هذا الشهر ضمن "أسبوع"سيرا" (CERAWeek)، والذي تنظمه مؤسسة "إس آند بي" العالمية،
توقعت شركة "غونفر غروب" (Gunvor Group Ltd)، وهي أكبر شركة تداول، ارتفاع الأسعار إلى 90 دولاراً للبرميل، قالت "ترافيغورا" إن التركيز على الأسعار تحوّل إلى "المخاطر الصعودية". ترى الشركتان أن الاستهلاك العالمي يرتفع بنحو 1.5 مليون برميل يومياً هذا العام، وهو ما يتجاوز الاتجاهات التاريخية، حيث يعوض الاستهلاك الأميركي القوي تباطؤ النمو في الصين.
في "وول ستريت"، رفع بنك "مورغان ستانلي" توقعاته لأسعار النفط الخام، وحذر بنك "جيه بي مورغان" من أن سعر خام برنت قد يصل إلى 100 دولار للبرميل، على افتراض أن روسيا ستفي بتعهدها الجديد بتحويل تركيز تخفيضاتها من الصادرات إلى الإنتاج. تم استنزاف مخزونات النفط العالمية بمعدل سريع بلغ 1.7 مليون برميل يومياً في الشهر الماضي، وفقاً لتقديرات بنك "ستاندرد تشارترد".
اقرأ أيضاً: أسعار النفط تتمسك بالمكاسب مع استمرار تخفيضات "أوبك+" والتوترات
الأثر الاقتصادي
ربما يتسبب ارتفاع الأسعار في ألم للمستهلكين. إذ من المرجح أن ترتفع أسعار البنزين في الولايات المتحدة إلى 4 دولارات للغالون، وهو أعلى مستوى منذ صيف عام 2022، وفقاً لاتحاد السيارات الأميركي (AAA).
قد يؤدي ذلك إلى تعقيد عمل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، في الوقت الذي يسعى فيه إلى التحول إلى سياسة نقدية أكثر مرونة. قد يسبب ذلك أيضاً مشكلة للرئيس جو بايدن عندما يبدأ حملته لإعادة انتخابه أمام دونالد ترمب، في الوقت الذي لا يزال فيه التضخم المرتفع يهيمن على أذهان المستهلكين.
قالت هيليما كروفت، رئيسة استراتيجية السلع العالمية في شركة "آر بي سي كابيتال ماركتس" (RBC Capital Markets LLC): "يواجه الرئيس بايدن احتمال صيف قاسٍ"، وسط تهديد الصراعات في أوكرانيا والشرق الأوسط لإمدادات الطاقة.
لكن بالنسبة إلى الدول الأعضاء في "أوبك+" البالغ عددهم 22 عضواً، يساعد ارتفاع الأسعار على تعبئة الخزائن الحكومية. تحتاج السعودية لأن تتجاوز أسعار النفط 90 دولاراً للبرميل، وفقاً لوكالة التصنيف الائتماني "فيتش"، حيث ينفق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان على كل شيء بدءاً من إنشاء المدن المستقبلية وحتى شراء اللاعبين الرياضيين المتميزين. ومن ناحية أخرى، تحتاج روسيا تحت قيادة الرئيس فلاديمير بوتن إلى الأموال لمواصلة شن الحرب على أوكرانيا. في ظل عدم الحاجة إلى تعديل السياسة، فإن اجتماع لجنة المراقبة الوزارية المشتركة لـ"أوبك+" الأسبوع المقبل، سيركز بدلاً من ذلك على التزام الأعضاء بالتخفيضات التي تعهدوا بها.
قال غريغ برو، المحلل في مجموعة "أوراسيا" بنيويورك: "أوبك مقتنعة على نطاق واسع بحالة السوق وتأثير التخفيضات. لكن أوبك لا تزال تواجه مشكلة التلاعب". فقد انتهك العراق وكازاخستان، وهما بلدان لديهما سجل غير مكتمل في ما يتعلق بالامتثال، أهدافهما في الشهرين الأولين من الاتفاق الجديد، لكنهما وعدا بإجراء تخفيضات إضافية كتعويض عن ذلك.
اقرأ أيضاً: العراق سيخفض صادراته النفطية تماشياً مع تعهدات "أوبك+"
حالة روسيا أكثر تعقيداً
أما روسيا فهي حالة أكثر تعقيداً. فقد أوفت مؤخراً فقط بتعهدها الذي قطعته قبل عام بخفض إنتاج النفط الخام بنحو 500 ألف برميل يومياً. ووعدت موسكو بإجراء خفض مماثل في الإنتاج بحلول يونيو، مع تعزيز الصادرات. في الوقت نفسه، تعرضت صناعة التكرير في البلاد لهجوم من قبل طائرات مسيّرة أوكرانية، مما أثار المزيد من التساؤلات حول مسار إنتاجها وصادراتها من النفط الخام.
بينما تبدو جلسة المراجعة المقرر أن تعقدها "أوبك+" يوم الأربعاء واضحة، يواجه التحالف اختباراً أكثر أهمية في اجتماعه الوزاري المقبل، المقرر عقده في الأول من يونيو بمقر التحالف في فيينا.
يعتقد "جيه بي مورغان" و"ستاندرد تشارترد" أن "أوبك+" سيكون قادراً على تخفيف القيود واستعادة الإنتاج في النصف الثاني من العام مع ارتفاع الطلب على النفط. ومع ذلك، تشير بيانات وكالة الطاقة الدولية إلى أن هذا من شأنه أن يعيد الأسواق إلى حالة الفائض.
قال بوب ماكنالي، مؤسس "رابيدان إنرجي غروب" (Rapidan Energy Group) الاستشارية والمستشار السابق للبيت الأبيض: "يلوح في الأفق اجتماع وزاري حيوي في يونيو".
كان وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد حث زملاءه الأعضاء في "أوبك" مراراً على توخي الحذر في إنعاش الإمدادات المتوقفة. لكن الإمارات المجاورة تبدو حريصة على نشر الطاقة الإنتاجية المثبتة حديثاً، وكان لدى البلدين وجهات نظر متباينة بشأن استخدامها.
لكن في الوقت الحالي، قال بول هورسنيل، رئيس أبحاث السلع الأولية في بنك "ستاندرد تشارترد"، إن "وزراء أوبك+ في وضع جيد إلى حد معقول. تبدو أرصدة سوق النفط بنّاءة إلى حد ما، مع سحب المخزون في النصف الأول، وهو من شأنه أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الربع الثالث".