بلومبرغ
يتأهب منتجو النفط في كندا لضخ حوالي نصف مليون برميل يومياً من الإنتاج الجديد في الأسواق العالمية خلال العام المقبل أو نحو ذلك. ويعادل هذا أكثر من إجمالي إنتاج بعض أعضاء "أوبك".
في الوقت الذي سيكون فيه هذا الفيض من النفط الخام الجديد بمثابة ميزة تخدم صناعة تكافح من أجل النمو في الآونة الأخيرة، فإنه يهدد بتوسيع فائض المعروض العالمي، ويجدد أزمة النقص في خطوط الأنابيب التي أرّقت شركات الحفر الكندية لسنوات، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى ركود شديد في أسعار صادرات البلاد من النفط مجدداً.
في ظل التوسع بخط أنابيب النفط الخام "ترانس ماونتن" المقرر أن يبدأ في الأشهر المقبلة، من المتوقع أن يرتفع المعروض من النفط الكندي الغربي المتاح للتصدير بنحو 500 ألف برميل يومياً بحلول العام المقبل، وفقاً لتقديرات "إس آند بي غلوبال". سوف ترفع الكميات الإضافية-والتي ستشمل زيادة الإنتاج الكندي وبعض المكثفات المستوردة- تقريباً جميع السعة الجديدة البالغة 590 ألف برميل يومياً في خط "ترانس ماونتن".
يتدفق الكثير من هذا الإنتاج الجديد بالفعل من مناجم وآبار الرمال النفطية في ألبرتا مع بدء تشغيل المشاريع التي استغرقت فترات طويلة حتى تبدأ الإنتاج، لكن المساحة الجديدة في "ترانس ماونتن" تأخرت بسبب تحديات الحفر على طول مسار الخط. يؤدي التوقيت غير المتطابق إلى إجهاد أنظمة خطوط الأنابيب الممتلئة بالفعل، ويؤثر على أسعار النفط الخام الكندي.
طاقة فائضة
قال كيفن بيرن، كبير محللي أسواق النفط الكندية في "إس آند بي غلوبال كوموديتي إنسايتس" (S&P Global Commodity Insights) لأسواق النفط الكندية، إن خط "ترانس ماونتن"، "أصبح يعمل بنظام التسليم في الميعاد.. لو تم تشغيله في الوقت المحدد الذي كان من المفترض أن يحدث فيه، لكان لدى كندا بعض الطاقة الفائضة".
استغرق توسيع "ترانس ماونتن" بالفعل عقداً من الزمن، فالمشروع-الذي يربط خطاً يبلغ طوله 715 ميلاً (1150 كيلومتراً) يمتد من "إدمونتون" إلى مدينة "فانكوفر" على ساحل المحيط الهادئ-كان قد أُلغي تقريباً بسبب معارضة مجموعات السكان الأصليين والمدافعين عن البيئة في كولومبيا البريطانية.
اشترت حكومة رئيس الوزراء جاستن ترودو خط الأنابيب لإنقاذه، وتزويد منتجي البلاد بطريقة تمكّنهم من بيع خامهم إلى الأسواق في آسيا. على الرغم من تقدم أعمال إنشاءات الخط في عهد هذه الحكومة، تأخرت سنوات وتجاوزت تكلفته الميزانية بالمليارات.
لكن الشركة المدعومة من الحكومة تمسكت مؤخراً بتوقعاتها بأن العمليات ستبدأ في الربع الثاني.
زادت شركات الحفر إنتاجها بناءً على ذلك، مما رفع إنتاج النفط في ألبرتا إلى مستويات قياسية في كل من نوفمبر وديسمبر، متجاوزاً قدرة خط أنابيب التصدير البالغة حوالي 4.2 مليون برميل يومياً.
تقنين خطوط النفط الثقيل
أجبر هذا الوضع شركة تشغيل خط الأنابيب "إنبريدج" (Enbridge Inc) على تقنين مساحة خطوط النفط الثقيل على نظام الخط الرئيسي الخاص بها بأكبر قدر خلال أكثر من عامين في فبراير. وارتفع حجم النفط الخام الذي تم شحنه من ألبرتا عبر عربات السكك الحديدية في نوفمبر إلى أعلى مستوى منذ يونيو 2022.
كانت "إنبريدج" تخشى أن يتسبب خط "ترانس ماونتن"، المعروف باسم "تي إم إكس" (TMX)، في سحب النفط بعيداً عن الخط الرئيسي، لكن الشركة قد تُضطر إلى مواصلة تقنين مساحة خطوط الأنابيب حتى بعد بدء تشغيل "ترانس ماونتن"، حسبما قال كولن غرودينغ، رئيس خطوط أنابيب السوائل، في مكالمة حديثة بشأن الأرباح.
وأضاف: "الفكرة القائلة إن الخط الرئيسي سيفقد قدراً كبيراً من الحجم عندما يعمل الخط هي فكرة قديمة إلى حد ما. ربما كانت صالحة قبل بضع سنوات".
تسبب الافتقار إلى خطوط الأنابيب في بيع الخام الكندي الثقيل بخصم يبلغ 20 دولاراً للبرميل مقارنة بالخام الأميركي معظم هذا العام، وهو أعلى من المتوسط البالغ حوالي 15.5 دولار على مدى السنوات الخمس الماضية.
بالنسبة إلى الأسواق العالمية، يضاف الإنتاج الكندي الجديد إلى الفائض الحديث من الولايات المتحدة وغيانا والبرازيل، مما يعقّد جهود "أوبك" لتحقيق التوازن في الأسواق من خلال تخفيضات الإمدادات الخاصة بها. كان النمو القوي غير المتوقع من خارج منظمة "أوبك" عاملاً رئيسياً في انخفاض أسعار النفط بنسبة 11% العام الماضي، وأسهمت التوقعات باستمراره في إبقاء النفط الخام في نطاق ضيق هذا العام على الرغم من التوترات المتزايدة في الشرق الأوسط.
كما أن الإنتاج الجديد في كندا يضع المنتجين في وضع محفوف بالمخاطر، فإذا تعطل أحد خطوط الأنابيب، يمكن أن ينتعش النفط الخام فجأة، مما يجبرهم على خفض الإنتاج أو شحن النفط عبر السكك الحديدية الأكثر تكلفة.
سيناريو أزمة 2018
حدث ذلك بالفعل في عام 2018، عندما أدى موسم صيانة المصافي الأميركية المكثف، وانقطاع خطوط الأنابيب المتفرقة إلى ارتفاع الخصم على الخام الكندي إلى 50 دولاراً للبرميل. لم تهدأ الأزمة إلا بعد أن أمرت حكومة ألبرتا المنتجين بخفض الإنتاج بمقدار 325 ألف برميل يومياً لاستعادة التوازن.
تخطط شركات الحفر في ألبرتا لمواصلة زيادة الإنتاج خلال العامين المقبلين. كما تخطط شركة "إمبريال أويل" (.Imperial Oil Ltd) لإضافة المزيد من الإنتاج في عام 2025، في حين تتطلع شركة "سينوفوس إنيرجي" (.Cenovus Energy Inc) إلى زيادة الإنتاج من موقع الرمال النفطية في بحيرة "كريستينا" بدءاً من العام المقبل، وفي "فوستر كريك" خلال العام التالي.
قال "بيرن" من شركة "إس آند بي": "سيكون كل شيء ممتلئاً فعلياً"، لكن قد نتجنب العودة إلى أيام النقص الكبير في خطوط الأنابيب إذا "تباطأ نمو الإنتاج حقاً"، بحسب توقعات "إس آند بي".
اختمم "بيرن": "إن لم نكن مخطئين، فقد لا يكون لدى غرب كندا ما يكفي من خطوط الأنابيب".