بلومبرغ
يتجه جزء كبير من أسطول الناقلات الهائل الذي تستخدمه روسيا في نقل نفطها الخام تدريجياً إلى التوقف النهائي تحت وطأة العقوبات الأميركية، في إشارة إلى أن العقوبات الأشد صرامة التي فرضتها الدول الغربية، ربما بدأت تؤثر بشكل ملموس على موسكو.
لم يتمكن نصف سفن أسطول الناقلات، البالغ عددها 50 ناقلة، التي بدأت وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات عليها في 10 أكتوبر، من تحميل شحنات منذ إدراجها على قائمة العقوبات، وفق بيانات "بلومبرغ" لتتبع كل سفينة على حدة.
كانت ناقلة "إن إس ليدر" (NS Leader) التابعة لشركة "سوفكومفلوت" (Sovcomflot) أحدث السفن التي تستهدفها العقوبات، وغيرت مسارها مباشرة قبالة سواحل البرتغال يوم الخميس الماضي، عندما أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات على الشركة المالكة. وكانت الناقلة متجهة إلى ميناء روسي مطل على بحر البلطيق حينها.
أميركا تشدد العقوبات
في ديسمبر 2022، فرضت مجموعة الدول السبع سقف سعر على الخام قدره 60 دولاراً للبرميل، وكان الهدف يتمثل في منع تدفقات النفط الروسي، وحرمان روسيا من الإيرادات النفطية. وبعدها بشهرين فُرض سقف على أسعار منتجات التكرير.
تعرضت الآلية إلى انتقادات شديدة في العام الماضي؛ إذ وجدت موسكو سبلاً للالتفاف على العقوبات، وواصلت بعض الشركات الغربية نقل النفط الروسي، وهو أمر كان يفترض على تلك الشركات الامتناع عنه فور تداول النفط بسعر أعلى من السقف المحدد.
اقرأ أيضاً: النفط الروسي يدخل أميركا عبر ثغرة المزج في جزر البهاما
لكن الولايات المتحدة ردت بتشديد العقوبات، والتحقيق في الانتهاكات المحتملة لسقف السعر، وهو إجراء دفع عدداً من الشركات اليونانية المالكة للناقلات إلى وقف تداول النفط الروسي.
أدى ذلك إلى ارتفاع كبير في أسعار الشحن، وزيادة كمية النفط الروسي المتداول بخصم أكبر من الأسعار المرجعية الدولية، وفق منظمات، من بينها وكالة الطاقة الدولية. وقال وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك إن أسعار النفط الروسي تنخفض.
وضع الناقلات المعاقَبة
لم تكتمل الصورة بعد، حيث فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوباتها على مراحل متفرقة، ما يعني أن بعض السفن ربما لم تصل إلى نقطة تحميل الشحنات بعد بأي حال.
من بين الناقلات الخمسين التي فُرضت عليها عقوبات منذ مطلع أكتوبر، حمّلت 18 ناقلة شحنات، 9 منها كانت سفناً مكوكية، وبدا أن التسع الأخريات تحمّل الشحنات على النحو المعتاد منذ إدراجها على قوائم العقوبات، فيما لا تزال ناقلة أخرى تحمل الشحنة التي حمّلتها قبل فرض العقوبات عليها.
تبقت 31 ناقلة، منها 7 متوقفة عن العمل من قبل العقوبات، و3 ناقلات يُرجح تحميلها قريباً، ما يعني أن هناك 21 ناقلة متبقية لم تحمّل شحنات إلى الآن.
السفن الخاضعة للعقوبات
أُدرجت 8 ناقلات منفردة على قائمة العقوبات في الفترة بين 10 أكتوبر و12 ديسمبر، وأضيفت 24 ناقلة أخرى في 20 ديسمبر، عندما فرضت وزارة الخزانة عقوبات على "إس يو إن شيب مانجمنت دي" (SUN Shipment Management D)، المملوكة لشركة الشحن الروسية "سوفكومفلوت" التي تسيطر عليها الحكومة.
كما أُدرجت "هينيسي هولدينغز" (Hennesea Holdings)، وهي شركة مقرها في الإمارات تملك 18 ناقلة، على قائمة العقوبات في 18 يناير، وأضيفت إليها "إن إس ليدر" يوم الخميس الماضي، لتصبح الناقلة رقم 50 على القائمة.
توقفت جميع السفن الثمان التي فُرضت عليها العقوبات في الموجة الأولى عن العمل، وإن كان معظمها قد توقف بعد فترة وجيزة من إعلان وزارة الخزانة العقوبات عليها.
تشغل "إس يو إن" 24 سفينة، من بينها 9 ناقلات مكوكية لا تزال تمارس عملها، كما توجد ناقلة أخرى تحمل شحنة من خام سوكول لم تتمكن من تسليمه إلى الهند، فيما تواصل السفن الأربع عشرة المتبقية عملها.
اقرأ أيضاً: مصافي الهند الحكومية تفاوض روسنفت بشأن صفقات طويلة الأجل
توقفت جميع ناقلات "هينيسي"، وعددها ثماني عشرة ناقلة، من بينها سفينة فُرضت عليها العقوبات في مطلع ديسمبر، عن العمل في الفترة الحالية عدا سفينة واحدة. كما رست 7 ناقلات أو توقفت عن العمل قبل فرض عقوبات عليها بفترة طويلة. فيما تُستخدم ناقلة "نيليس" لتخزين خام سوكول، ورست أخرى قبالة ميناء فلاديفوستوك المطل على المحيط الهادئ.
يبدو أن الناقلة العاملة الأخرى التابعة لـ"هينيسي" تنتظر في البحر الأحمر. وغيرت سفينة "لا برايد"، التي تنقل شحنة من خام الأورال الروسي، مسارها عند اقترابها من المياه التي تشهد اضطرابات قبالة سواحل اليمن في 7 فبراير، وتوقفت في البحر على مسافة 563 كيلومتراً تقريباً (نحو 350 ميلاً) شمالاً، ولا تزال ترسل إشارات إلى أنها متجهة إلى تشينغداو في الصين.
أما السفن الأربع الأخرى ضمن أسطول "هينيسي" التي كانت تنقل شحنات روسية عند فرض عقوبات عليها، فلا تزال متوقفة عن العمل منذ تسليم الشحنات.
تفاؤل وزارة الخزانة
يُباع خام الأورال الروسي في نقطة التصدير بمتوسط سعر يتضمن خصماً متزايداً باستمرار مقارنة بسعر عقود خام برنت التي تحدد لها موعد التسليم، والتي تُعد مؤشراً مرجعياً عالمياً.
قال إريك فان نوستراند، القائم بأعمال الأمين المساعد للسياسات الاقتصادية بوزارة الخزانة الأميركية: "الجهات المستقلة، ومحللو الأسواق، والروس بأنفسهم يشيرون إلى حقيقة أن سقف السعر يحقق كلا هدفينا؛ وهما حرمان روسيا من إيرادات الطاقة -التي تحتاجها لشن حربها غير المشروعة- والمساعدة على استقرار أسواق الطاقة في نفس الوقت".
اقرأ أيضاً: "G7" تدرس استخدام الأصول الروسية كضمان لتمويل إعمار أوكرانيا
رغم ذلك، فالطابع السري الذي تتسم به تجارة النفط الروسي يعني صعوبة تحديد حجم الضرر الواقع على موسكو.
فعند وصول النفط إلى الهند، يتراجع نفس الخصم على سعر خام أورال مقارنة بسعر عقود خام برنت المحددة بموعد التسليم، وتوجد أيضاً فجوة كبيرة بين سعري التصدير والاستيراد، ولم يتضح من المستفيد مما يطلق عليه فرق سعر التسليم.
هناك طبقة أخرى من الغموض، حيث توقفت تسليمات خام سوكول الروسي إلى العملاء في الهند بالفعل، في ظل توارد أنباء عن وجود مشكلات في تسوية مدفوعات هذه الشحنات.
تأثر سفن الشحن
الأمر المؤكد هو تضرر الناقلات المرتبطة بتجارة النفط الروسي. فخلال الشهرين الماضيين، كان هناك إجمالي 14 سفينة تنقل خام سوكول الروسي إلى الهند، وكانت إما تبحر من دون وجهة محددة أو توقفت في البحر شرق سنغافورة. وغير نصفها تقريباً مساره قبل بلوغ وجهته. وكان من بينها 3 ناقلات تحمل خام سوكول فُرضت عليها عقوبات.
سقف السعر والعقوبات التي فرضتها الدول الغربية على بعض شركات الشحن الروسية أديا إلى مشكلات في التسليم بالموانئ الهندية، وفق تصريحات وزير النفط الهندي هارديب سينغ في وقت سابق من الشهر الجاري.
أسطول الظل
أُدرجت كل السفن على قائمة العقوبات بسبب انتهاك سقف السعر. مع ذلك، فهناك شك أكبر إزاء السفن التي توقفت عن استخدام خدمات الشركات الغربية تماماً، وهو أسطول لم تستهدفه المنظمات الغربية بعقوبات صارمة إلى الآن.
قال مسؤول بريطاني، في الأسبوع الماضي، إن هناك دولاً موقعة على آلية سقف السعر ترغب في بذل مزيد من الجهود من أجل حرمان ما يطلق عليه أسطول الظل من كميات أكبر من النفط، وتوجيهها إلى مقدمي الخدمات الغربيين.
اقرأ أيضاً: مؤشرات على نقص معروض الديزل في أوروبا بضغط التوترات الجيوسياسية
نشرت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في الأسابيع الماضية توجيهاً يحدد جزءاً من النهج الأكثر صرامة، وتضمن مشورة لكيفية التعامل مع أسطول الظل، والإشارات التحذيرية المرتبطة بانتهاك سقف السعر.
يُعد نمو أسطول الظل أمراً غير مرغوب إلى حد ما، وفق ما قالته أولغا ديميترسكو، مديرة الاتصال المعنية بسقف سعر النفط بمكتب تنفيذ العقوبات المالية البريطاني، في بث صوتي (بودكاست) مع شركة "نورث ستاندرد" (NorthStandard) للتأمين.
ستُطبق نسخة منقحة من آلية سقف السعر في الشهر الجاري، ستفرض على شركات الشحن والتأمين طلب الحصول على مزيد من التفاصيل حول المبلغ الفعلي الذي يسدده المتعاملون مقابل الشحنة وتكاليف الشحن ذات الصلة. وقد نشرت شركات التأمين تعميمات خلال الأسابيع الماضية، تفيد بأن التأمين لن يسري إلا عند استلامها شهادات بالامتثال لسقف السعر تتضمن التكاليف الإضافية بالتفصيل.