بلومبرغ
أعربت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن عن رغبتها في تشديد الخناق على مبيعات النفط الإيرانية لتقييد دعمها للمسلحين في الشرق الأوسط. لكن الضغط الزائد يهدد بفرض أسعار أعلى على الاقتصاد العالمي البطيء، كما يهدد الانتخابات الرئاسية المقبلة بين بايدن ودونالد ترمب.
يهدف البيت الأبيض إلى تعزيز تطبيق العقوبات الحالية (على إيران) مع تفاقم الأزمة الإقليمية، بالرغم من إدراكه أن العثرات قد تعطل أسواق النفط العالمية، وفقاً لأشخاص مطلعين.
أصبح حل هذه المعضلة أمراً ذا أولوية نظراً لدعم إيران لحركة حماس في غزة، التي شنت حرباً مع إسرائيل، وللحوثيين في اليمن، الذين يعطلون التجارة العالمية، فضلاً عن الجماعات الأخرى التي تضايق القوات الأميركية في المنطقة. وتصاعد الوضع أواخر الشهر الماضي بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم مرتبط بإيران، مما دفع بايدن إلى استهداف أهداف ذات صلة في العراق وسوريا وتعهد باتخاذ مزيد من التدابير.
ويرى علي فايز، مدير مشروع إيران في مجموعة الأزمات الدولية (International Crisis Group)، أن "الإدارة ترغب في تشديد تطبيق العقوبات على إيران، لكنها لا تملك بالضرورة الوسائل اللازمة بسبب القيود السياسية والجيوسياسية".
هذه التحديات تشمل إقناع منتجين رئيسيين آخرين، وخاصة المملكة العربية السعودية، بالتصدي لارتفاع أسعار النفط. لكن السعودية رفضت مناشدات بايدن بزيادة إنتاج النفط خلال 2022 وقادت مؤخراً تخفيضات إنتاج "أوبك". كما أن الصين، المشتري الرئيسي للنفط الإيراني، لديها حافز ضئيل لمساعدة واشنطن نظراً لأنها تعتبر أكبر مستورد للنفط في العالم ومنافساً استراتيجياً كبيراً.
إجراءات صارمة ضد مشتري النفط الإيراني
حثت مجموعة من المشرعين من الحزبين الجمهوري والديمقراطي في الولايات المتحدة بايدن على اتخاذ إجراءات صارمة من خلال استخدام العقوبات الحالية على السفن والموانئ ومصافي التكرير التي تتعامل مع النفط الإيراني. ويهدد مثل هذا الإجراء الصارم برفع الأسعار والإضرار بالمستهلكين، وهي مشكلة سياسية بالنسبة لبايدن قبل انتخابات نوفمبر.
حتى الآن هذا العام، واجهت أسعار النفط اضطرابات في نطاق ضيق قدره 10 دولارات، حيث يرى المتداولون أن السوق متوازنة حتى وسط المخاطر في الشرق الأوسط، والطقس شديد البرودة الذي أثر على الإنتاج الأميركي، والتوقعات المتفائلة نسبياً للنمو الاقتصادي العالمي هذا العام بالرغم من أداء اقتصاد الصين الضعيف.
تشمل الخيارات التي يدرسها البيت الأبيض استهداف السفن الناقلة للخام الإيراني أو حتى معاقبة بعض الدول التي تشتريه أو تسهل شحناته، وفقاً لأحد الأشخاص طلب عدم الكشف عن هويته نظراً لوصفه لمشاورات داخلية.
وقالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض، في بيان، إن "الولايات المتحدة تواصل تحميل إيران مسؤولية أفعالها التصعيدية من خلال فرض عقوباتنا وإجراء عمليات اعتراض بحرية. سنواصل اتخاذ الإجراءات اللازمة لتعطيل قدرة إيران على تمويل العناصر الإرهابية في المنطقة". ورفضت وزارة الخزانة التعليق على الأمر.
الحد من إيرادات الطاقة الروسية
ارتفعت صادرات إيران بشكل مطرد مع تحول تركيز واشنطن إلى خنق إيرادات روسيا من الطاقة، وهي محاولة أميركية أجريت بالتعاون مع مجموعة السبع بهدف إخراج قوات الرئيس فلاديمير بوتين من أوكرانيا. وكانت أداتهم الرئيسية في هذه الحالة تتمثل في تحديد "سقف" لأسعار مبيعات النفط الروسي، وهو نهج جديد، وإن كان غير كامل، يهدف إلى خفض عائدات النفط إلى موسكو مع الحفاظ على إمدادات الأسواق العالمية.
وبلغ متوسط صادرات إيران من النفط الخام والمكثفات، وهو درجة خفيفة من درجات النفط المنتج بجانب الغاز الطبيعي، نحو 1.4 مليون برميل يومياً في العام الماضي، وفقاً لبيانات "تانكر تراكرز دوت كوم" (TankerTrackers.com Inc).
وقال مسؤول كبير في الإدارة إن صادرات إيران ستتجاوز 2.5 مليون برميل يومياً دون تطبيق العقوبات الأميركية الحالية، وإن الولايات المتحدة بإمكانها تشديد العقوبات وتخفيفها حسب الحاجة.
رأى العديد من المتداولين والمحللين مؤشرات على تخفيف العقوبات خلال العام الماضي، حيث ارتفعت صادرات إيران وسط دبلوماسية سرية بين واشنطن وطهران بشأن تبادل السجناء والأصول المجمدة. كما ارتفعت مبيعات النفط الإيراني إلى الصين، التي رفضت الامتثال للعقوبات الأميركية والتي تشير التقديرات إلى أنها تشتري غالبية صادرات إيران، إلى أعلى مستوياتها خلال عقد في أغسطس الماضي.
تغيرات ما بعد 7 أكتوبر
لكن كل شيء تغير في 7 أكتوبر، عندما هاجمت حركة حماس المدعومة من إيران إسرائيل، مما أدى إلى اندلاع حرب في غزة التي حشدت بدورها مجموعات أخرى عبر المنطقة وأدت لتشكيل جزء مما يسمى بمحور المقاومة المدعوم من طهران.
منذ ذلك الحين، قال مسؤولون أميركيون، بمن فيهم وزيرة الخزانة جانيت يلين ووزير الخارجية أنتوني بلينكن، إن بلادهم قادرة على معاقبة إيران.
لكن المراقبين متشككون في ذلك، حيث أشاروا إلى أن تصريحات البيت الأبيض السابقة حول تشديد تطبيق العقوبات لم تتبعها إجراءات فعالة.
وقال سكوت موديل، الرئيس التنفيذي لـ"رابيدان إنرجي غروب" (Rapidan Energy Group): "لا توجد أي مؤشرات على أن إدارة بايدن على وشك تغيير سياستها المتسقة المتمثلة في تفضيل استمرار تدفقات النفط الإيراني على تشديد العقوبات النفطية على إيران".
ولو حاولت واشنطن تشديد العقوبات، فإنها ستواجه صعوبات في تعطيل شبكة موسعة من المدفوعات والوسطاء وشركات الشحن التي ظهرت في الأعوام الأخيرة. وساعدت قضايا مماثلة، بما فيها أسطول الظل المكون من ناقلات النفط القديمة، روسيا في الحد من تأثير جهود تحديد سقف للأسعار التي قادتها الولايات المتحدة.
قالت كلير جونغمان، رئيسة الأركان في منظمة "متحدون ضد إيران النووية" (United Against Nuclear Iran)، إن إحدى طرق إبطاء الصادرات هي البدء في استهداف السفن الفردية الحاملة للنفط. و"هناك أكثر من 360 سفينة تبحر حالياً في المياه لنقل النفط الإيراني، و90% منها غير خاضعة للعقوبات.. البدء بفرض عقوبات على السفن سيكون له تأثير كبير".
ويرى فايز من مجموعة الأزمات الدولية، أن أفضل ما يمكن أن تأمل الولايات المتحدة في تحقيقه عند هذه المرحلة هو خفض يتراوح بين 300 ألف و400 ألف برميل يومياً، من خلال اتخاذ إجراءات صارمة ضد محطات نقل النفط الإيراني.
وقال كيم دونوفان، المسؤول السابق في وزارة الخزانة ومدير مبادرة فن الحكم الاقتصادي في المجلس الأطلسي، إنه خارج أسواق النفط، ويمكن للمسؤولين استخدام العقوبات الثانوية على بنوك الإمارات وتركيا التي تساعد إيران في تمويل الميليشيات.
أضاف دونوفان في مقابلة: "لدينا مجموعة من الأدوات التي لم نطبقها كثيراً خلال العامين الماضيين.. والآن مع بدء تصاعد الأمور في المنطقة مرة أخرى، أعتقد أننا بحاجة إلى توجيه مزيد من الاهتمام إلى إيران".