أليست الولايات المتحدة مستقلة في مجال الطاقة؟ حسناً.. هذا ما يريدك بعض السياسيين أن تصدقه، ولكنه ليس صحيحاً بالمعنى الحقيقي لكلمة "مستقل".
بمعناه الأوسع، يمكن اعتبار استقلال الطاقة بأنه يعني أن الدولة تنتج طاقة أكثر مما تستهلك. هذا هو الأساس الذي يستند إليه السياسيون في مطالباتهم، ولكنهم يخفون مجموعة كاملة من التبعيات المتبادلة مع الدول الأجنبية التي لا يمكن تجاهلها. أود أن أزعم أن الوضع يجب توصيفه بدقة أكبر على أنه اكتفاء ذاتي وليس استقلالاً حقيقياً.
في عام 2019، أنتجت الولايات المتحدة المزيد من الطاقة الأولية، وتحديداً النفط والغاز الطبيعي والفحم والوقود الحيوي وبعض الكهرباء، أكثر من استهلاكها. تلك كانت المرة الأولى التي قامت فيها الدولة بذلك منذ الخمسينات من القرن الماضي، وبناءً على هذه الحقيقة، تعتبر مزاعم استقلال الطاقة معلّقة.
تصريحات سياسية
كان التأرجح ضخماً. ففي عام 2019، تجاوز إنتاج الطاقة الاستهلاك بما يعادل 412 ألف برميل نفط يومياً، وفقاً لأرقام إدارة معلومات الطاقة الأمريكية EIA. وقبل عقد من الزمان، فاق الاستهلاك الإنتاج بما يعادل 10 ملايين برميل يومياً، وفي عام 2005، كانت الفجوة أكثر من 14.5 مليون برميل.
ويسمح الحديث عن "الطاقة" على نطاق واسع للسياسيين بالإدلاء ببعض التصريحات المثيرة، لكنه لا يساعد حقاً في فهمنا لما يعنيه هذا، وربما الأهم من ذلك، ما لا يعنيه.
وليست كل الطاقات متشابهة، فبالتأكيد هناك العديد من الأشياء التي يمكنك القيام بها بأي شكل من أشكال الطاقة الأولية. ويمكن استخدام الفحم والنفط والغاز الطبيعي والطاقة النووية والمياه والرياح وضوء الشمس لتوليد الكهرباء بدرجات متفاوتة من الكفاءة. ولكن الجزء الأكبر من هذه الاستخدامات يتعلق بقيادة سيارتك أو شاحنتك أو السفر على متن الطائرة باستخدام وقود مشتق من النفط. وقد حاول الرحالة البريطاني روبرت بايرون عبور بلاد فارس وأفغانستان في الثلاثينات من القرن الماضي باستخدام اثنتين من سيارات رولز رويس التي تعمل بالفحم، ولكنه لم ينجح في ذلك. هذه الاختلافات مهمة.
وقبل أن تضرب جائحة كورونا العالم، كانت الولايات المتحدة لا تزال مستورداً صافياً للنفط، بما في ذلك المنتجات الخام والمكررة، وحقق ازدهار النفط الصخري بالفعل اختراقات عميقة في حاجة البلاد إلى النفط الأجنبي، فيما أدى التراجع في الطلب الذي أعقب انتشار الفيروس إلى قلب الموازين. وفي العام الماضي، ولأول مرة منذ عام 1952، صدرت الولايات المتحدة نفطًا أكثر من حجم استيرادها.
الاستقلال الحقيقي أبعد من ذلك
ورغم تغير التوازن، إلا أن هذا لا يعني بالضرورة أن البلاد أصبحت مكتفية ذاتياً، فقد استوردت الولايات المتحدة ما يقرب من 6 ملايين برميل يومياً من الخام العام الماضي، أي أكثر من نصف مما ضخته في أراضيها الداخلية.
وبينما تبلغ الشحنات الصادرة من المنتجات المكررة حوالي 5 ملايين برميل يومياً، تستورد البلاد حوالي 2 مليون برميل يومياً من الخارج، ولديها بعض الشركاء التجاريين المدهشين. تعد روسيا ثاني أكبر مورد أجنبي للمنتجات المكررة للولايات المتحدة، بعد كندا مباشرة، وشكلت ما يقرب من ربع الواردات في أول 11 شهراً من العام الماضي.
ورغم أن إحصاءات الطاقة من إدارة معلومات الطاقة الأمريكية قد تشير إلى أن صادرات النفط الأمريكية قد تجاوزت الواردات بشكل متكرر منذ بداية العام الماضي، إلا أنها في الحقيقة ليست مكتفية ذاتياً بعد. فالاستقلال الحقيقي أبعد من ذلك.
قد لا تكون أحداث الشرق الأوسط حاسمة بالنسبة لأمن الطاقة في الولايات المتحدة كما كانت من قبل، لكنها تظل بعيدة كل البعد عن كونها غير ذات صلة. وعلاوة على ذلك، يمكن للولايات المتحدة أن تلعب دوراً في التوترات. فمع اتخاذ الرئيس جو بايدن موقفاً أكثر صرامة من سلفه تجاه المملكة العربية السعودية، حليفة الخليج العربي، يشعر بعض الناس بالقلق من أنه قد يعرض استقلال الولايات المتحدة في مجال الطاقة للخطر.
لقد تضاءلت التدفقات المادية للخام من الخليج العربي إلى شواطئ الولايات المتحدة إلى حد كبير، ما يشير إلى أن التوقف الكامل لن يكون له تأثير كبير ويمكن تعويضه عن طريق زيادة عمليات الشراء في مكان آخر أو سحب المخزونات الاستراتيجية ببطء. إلا أن أحداث المنطقة، التي لا تزال تضخ ما يقرب من ثلث النفط الخام في العالم، يمكن أن تزعج الأسواق، وتولد تقلبات هائلة في أسعار النفط التي تؤثر على كل شيء بدءاً من التكسير الصخري إلى سائقي السيارات. وإلى أن تتمكن الولايات المتحدة من عزل نفسها عن تلك الأنواع من التأثيرات، فلن تكون أبداً مستقلة عن الطاقة.