تجري نسمات انتعاش في أرجاء اقتصاد الأرجنتين المُنهار هذه الأيام، ومصدرها صناعة النفط والغاز.
يتزايد إنتاج النفط بمعدل مزدوج، مدعوماً بمكامن ضخمة من النفط الصخري في باتاغونيا، والذي تزدهر معه أعمال الشركات بمشاريع جديدة تعزز الصادرات وإنتاج الغاز الطبيعي، فيما يترقب التنفيذيون في الصناعة الانتخابات الرئاسية المقبلة وسط آمال كبيرة في تحسّن بيئة الأعمال.
ارتفعت بعض الأسهم الأكثر انكشافاً على أعمال الهيدروكربون في الأرجنتين، مثل سهم شركة "واي بي إف" (YPF SA)، الأرجنتينية الرائدة، وشركة "ترانسبورتادورا غاز ديل نورتي" (Transportadora Gas del Norte SA) المشغلة لخطوط الأنابيب، بمعدل يفوق 300% من حيث القيمة بالدولار في الأشهر الـ 12 الماضية.
كما يُتوقع أن يؤدي بدء تشغيل خط أنابيب غاز جديد بطول 573 كيلومتراً (356 ميلاً) إلى توفير واردات طاقة بالمليارات، والتي شكّلت واحدة من أكبر مشكلات السياسات بالنسبة إلى الإدارات الأخيرة.
بفضل الإنتاجية الجيدة لمناطق بالأرجنتين تفوق حتى نظيراتها من النفط الصخري في الولايات المتحدة، يمكن أن يصل إنتاج النفط من رقعة "فاكا مويرتا" (Vaca Muerta) أو (Dead Cow) في مقاطعة نيوكوين إلى مليون برميل يومياً بحلول نهاية العقد الحالي، وفقاً لتقرير صادر عن شركة "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy) الاستشارية. في حال تحقق هذا النمو الهائل - وهو ضخم- ستتمكن الأرجنتين من شق طريقها مرة أخرى نحو الاكتفاء الذاتي من الطاقة، مما يعزز احتياطيات الدولار التي تشتد الحاجة إليها عن طريق تصدير معظم النفط الخام الخفيف المعزز مع السعة الإضافية.
انكماش الاقتصاد الأرجنتيني يفوق التوقعات جراء الجفاف القياسي
فرصة لا تتكرر في الجيل
يقول ألكسندر راموس بيون، رئيس أبحاث النفط الصخري في الشركة: "هذه فرصة لا تتكرر إلا مرة واحدة في الجيل. إما أن يحدث ذلك الآن، أو أنهم سيفوتون الفرصة. في مرحلة ما لن يحتاج العالم إلى هذا النفط".
أما الآن، فهذه هي الأرجنتين، معقل التقلبات السياسية وسوء الإدارة الاقتصادية، حيث يمكن أن تسوء الكثير من الأمور بشكل متفاقم. في الواقع، كانت الصناعة تعمل في ظل ظروف تنظيمية واقتصادية صعبة على مدى العقدين الماضيين؛ حيث كان ينبغي أن تحدث طفرة "فاكا مويرتا" في وقت أقرب من ذلك بكثير.
تؤدي القيود على رأس المال وأسعار الصرف المتعددة إلى تعقيد تطوير سلسلة إمداد قوية وشبكة خدمات نفطية. وارتفاع تكاليف التمويل أو عدم الوصول إلى الأسواق الدولية يقلل تماماً فرص الاستثمار الخاص. فقد اتجهت الحكومة إلى تقليص صادرات النفط الخام وأسعار البنزين المحلية لتمييز السوق المحلي، وحماية المستهلكين من الأسعار العالمية المرتفعة على حساب الحد من الشحنات وإحباط الاستثمارات الجديدة.
لكن على الرغم من كل هذه التحديات، وبمساعدة بعض السياسات المخصصة لمحاولة تجاوزها، ربما تكون الصناعة في أفضل وضع لها منذ سنوات. ونتيجة لذلك، تزداد ثقة المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط في أن من يفوز في انتخابات أكتوبر "لن يحاول القضاء على الأوزة الذهبية"، كما يقول باولو فارينا، المستشار في بوينس آيرس ومسؤول سابق في مجال الطاقة. يقول فارينا: "هناك إجماع سياسي على أن الوتيرة القوية التي يكتسبها القطاع يجب ألا تتوقف".
معدل التضخم في الأرجنتين قد يصل إلى 98% في 2023
حكومة داعمة للأعمال
يرجّح أن تكون الحكومة الأرجنتينية المقبلة أكثر دعماً للشركات، مقارنة بالائتلاف اليساري "البيروني" الحالي. على الرغم من بعض الخلافات الداخلية، يُنظر إلى تحالف المعارضة الذي يتصدر استطلاعات الرأي على أنه داعم للصناعة. زار كلا المرشحين مشروع "فاكا مويرتا" في العام الماضي.
لكن حتى لو حقق المرشح البيروني سيرجيو ماسا فوزاً غير متوقع، فإن سجله الحافل كوزير للاقتصاد يشير إلى أنه مقرب أيضاً من شركات النفط.
من المؤكد أن خفض قيمة البيزو المتوقع خلال السنة الأولى لأي حكومة تتولى السلطة في 10 ديسمبر سيغير الأمور بالنسبة للشركات. يتوقع أنه بعد الصدمة الأولى، سيؤدي اتباع نهج كلي أكثر وضوحاً إلى تحسينات في الاقتصاد وبيئة الأعمال والوصول إلى الائتمان. ويمكن أن يقنع هذا الإجراء أيضاً شركات النفط الكبرى التي لديها عمليات حالياً، بما في ذلك "شل" و"شيفرون"، بالمراهنة بشكل أكبر على الأرجنتين. حتى أنه قد يعطي قوة متجددة لبعض المشاريع الأكثر طموحاً في البلاد، بما في ذلك الاستكشاف البحري وإنتاج الغاز الطبيعي المُسال الذي يستهدف سدّ الفجوة التي خلفها نزوح روسيا من السوق بعد غزوها لأوكرانيا.
تحظى الأرجنتين بسجل ممتد في مجال التنقيب عن النفط والغاز، حيث كانت أول مرة تكتشف النفط الخام في جنوب البلاد منذ أكثر من قرن. كانت تنتج نفطاً أكثر من البرازيل (تنتج البرازيل اليوم حوالي خمسة أضعاف إنتاج جارتها الجنوبية). لكن عدم استقرار الاقتصاد الكلي، وتأميم قطاع الطاقة، وتقلبات السياسة - حيث جرت خصخصة شركة "واي بي إف"، ثم تأميمها مرة أخرى بعد 13 عاماً - كل ذلك قلّص إلى حد كبير من إمكانات الصناعة.
تفسح الجيولوجيا والتكنولوجيا وحتى الجغرافيا السياسية، مجالاً جديداً للأرجنتين قبل ذروة الطلب على الهيدروكربونات. دعونا نأمل ألا يفجر السياسيون البلاد.