روسيا تسابق الزمن لاستبدال التكنولوجيا الغربية وزيادة صادرات الغاز

شركة "نوفاتك" الروسية تحصل على براءة اختراع لتقنية خاصة بتسييل الغاز بعد خروج شركات عالمية

time reading iconدقائق القراءة - 18
صورة لعجلات التحكم في الصمامات بمحطة غاز طبيعي مسال  - المصدر: بلومبرغ
صورة لعجلات التحكم في الصمامات بمحطة غاز طبيعي مسال - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

تبذل روسيا جهوداً حثيثةً لزيادة قدرتها على تصدير الغاز الطبيعي عن طريق البحر، في محاولة منها لإيجاد أسواق جديدة للكميات الهائلة التي كانت ترسلها إلى أوروبا عبر خطوط الأنابيب.

المسألة المهمة هنا هي أنها تحتاج إلى تطوير تقنيات خاصة بها للقيام بذلك، وبسرعة.

تريد روسيا زيادة صادراتها من الغاز الطبيعي المسال ثلاثة أمثال بحلول نهاية العقد، وهو هدف طموح سيجعلها مورِّداً رئيسياً، والأهم من ذلك، أنه سيسمح لصاحبة أكبر احتياطيات غاز طبيعي في العالم، بالاستفادة من الأسواق الاستهلاكية الجديدة التي تشتد الحاجة إليها. ولتحقيق هذه الغاية، تعمل موسكو على تسريع تقنيات التسييل الخاصة بها لتكون على قدم المساواة مع أفضل صانعي معدات الغاز الطبيعي المسال، من فرنسا إلى الولايات المتحدة، والذين غادروا جميعهم روسيا بعد غزو أوكرانيا في فبراير 2022.

في أبريل المنصرم، حصلت شركة "نوفاتك" (Novatek) الروسية الخاصة لتصدير الغاز، على براءة اختراع لتحديثها تقنية تسييل الغاز المعروفة باسم "أركتيك كاسكيد موديفايد" (Arctic Cascade Modified)، أو "إيه سي إم" (ACM). تعتمد هذه التقنية على تصميم يُستخدم بالفعل في المحطة الرابعة بمنشأة يامال، وهي أول مشروع للشركة لإنتاج وقود شديد البرودة، وحتى الآن أكبر محطة للغاز الطبيعي المسال في روسيا.

مشروع يامال للغاز الطبيعي المسال الذي تقوده شركة "نوفاتك"، يعمل دائماً بما يفوق طاقته المستهدفة. إلا أن المحطات الثلاث الأولى، بُنيت بمعدات أجنبية. وفي حين قالت "نوفاتك" في تقريرها السنوي لعام 2022 إن المحطة الرابعة "أثبتت موثوقيتها وكفاءتها العالية في استخدام الطاقة"، واجهت الشركة مشكلات بعد تشغيل الخط في 2021.

قالت "نوفاتك"، في رد عبر البريد الإلكتروني على أسئلة، إن العمل مع الشركات المصنعة الروسية "بدأ في إفراز نتائج جيدة. نحن نعرف كيفية حل المشكلات الفنية".

أهمية متزايدة للغاز رغم إيراداته الأقل

لا يجلب الغاز إلى خزينة الحكومة (أو لتمويل حرب الكرملين) إيرادات مماثلة لتك التي يوفرها النفط، لكن الرئيس فلاديمير بوتين لا يستطيع أن يتركه مكانه، وهو لا يملك في جعبته سوى حلول قليلة. فلم تعد موسكو قادرة على الاعتماد على أوروبا في استيراد الجزء الأكبر من صادراتها، وقد تستغرق جهود إرسال المزيد من الغاز إلى الصين عبر خط أنابيب سنوات عديدة حتى تتحقق على أرض الواقع. وهذا يشير إلى أهمية الغاز الطبيعي المسال، إذ يمكن بناء محطات الإسالة بالقرب من حقول الغاز، ثم شحنه بحراً إلى أي مكان في العالم تكون فيه الأسعار عند أعلى مستوياتها أو يظهر فيه الطلب.

قالت مورينا سكالاميرا، المحاضرة في الدراسات الروسية والدولية بجامعة لايدن في هولندا: "أصبحت تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال في القطب الشمالي أولوية مطلقة بالنسبة إلى إدارة بوتين. قطعاً لم تقترب بعد بأي حال من أن تكون بديلاً عن التكنولوجيا الغربية يمكن استخدامه والتعويل عليه، لكن (روسيا) لديها حافز لمواصلة التحسين والتطوير في اقتصاد زمن الحرب".

لماذا تأخرت روسيا في مجال تسييل الغاز؟

ثمة اختبار آخر يلوح في الأفق، وهو مشروع "سخالين 2" للغاز الطبيعي المسال في الشرق الأقصى الروسي، والذي سيُجري للمرة الأولى عملية الصيانة السنوية للتوربينات من دون أي متعاقدين أجانب. سيبدأ العمل من يوليو، ويستمر لمدة 40 يوماً تقريباً، ويهدد توقف الضخ لهذه الفترة الطويلة، بشح الإمدادات العالمية وزيادة الأسعار في السوق الفورية.

تكمن المشكلة في جانب منها، في أن روسيا ركزت لعقود على شبكات خطوط الأنابيب الضخمة من ألمانيا إلى تركيا، الأمر الذي جعلها تتخلف عن بقية العالم في ما يتعلق بتكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال.

في 2021، قبل الحرب، شكل الغاز الطبيعي المسال حوالي 15% من إجمالي صادرات الغاز، وهذا يعني أن واحدة من أكبر الدول المصدرة للمحروقات في العالم، هي في الواقع جديدة نسبياً على لعبة الغاز الطبيعي المسال، إذ انطلق مشروع "سخالين-2"، المدعوم أساساً من شركات أجنبية، في 2009، فيما لم تبدأ محطة "يامال" التي تشغلها "نوفاتك" الإنتاج سوى في 2017.

مواعيد غير أكيدة لتشغيل المحطات

تجسد تكنولوجيا الغاز الطبيعي المسال أزمة البحث والابتكار الأوسع التي نجمت عن عزلة موسكو. فإسالة الغاز أمر معقد للغاية، كما إن منشآته تعد روائع هندسية ضخمة يمكن أن تمتد على مساحة المئات من ملاعب كرة القدم، وتتكلف مليارات الدولارات. ويستغرق بناء مصنع نموذجي من ثلاث إلى أربع سنوات، ويتكون من متاهة من الأنابيب التي تنقل الغاز وتعالجه ثم تبرّده إلى 160 درجة مئوية تحت الصفر (-260 درجة فهرنهايت) قبل تحميله على سفن مصممة خصيصاً لذلك الغرض.

مشروع "نوفاتك" الجديد ، المعروف باسم "أركتيك إل إن جي 2"، يستند إلى مفهوم بناء يستخدم الهياكل القائمة على الجاذبية، وأنشأ مركزاً جديداً لتصنيع معدات الغاز الطبيعي المسال في بيلوكامينكا، بالقرب من ميناء مورمانسك في القطب الشمالي.

بات موعد تشغيل المركز في مهب الريح بعد أن غادرت شركات أجنبية متعاقدة من الباطن، بينها "تكنيب إنرجيز" (Technip Energies) الفرنسية، و"لينده"(Linde) الألمانية، و"بيكر هيوز" (Baker Hughes) الأميركية، في 2022. تسلمت العمل شركتان متعاقدتان جديدتان، هما "نوفا إنرجيز" (Nova Energies)، التي تسيطر عليها شركة "إن آي بي آي جاز" (NIPIGAS) الهندسية الروسية، و"غرين إنرجي سوليوشنز" (Green Energy Solutions)، المسجلة في الإمارات وغير المعروفة في السوق، حسبما ذكرت صحيفة "كوميرسانت" العام الماضي، نقلاً عن أشخاص لم تكشف عنهم.

شكوك في القدرة على النجاح من دون الأجانب

من المقرر أن تبدأ أول محطة إسالة، عمليات الإنتاج بحلول نهاية 2023. وقد تنجح روسيا في تحقيق هذا الهدف، نظراً لأن معظم العمل كان قد اكتمل في أول محطة عندما غادرت الشركات الأجنبية المتعاقدة. لكن يُرجح أن تواجه المحطتان الأخريان مصاعب أكبر.

قالت "نوفاتك" إن الجدول الزمني يسير وفق المخطط له، مع تدشين أول محطة العام الجاري، والثانية في 2024، والثالثة في 2026. غير أن صناعة الغاز الطبيعي المسال الأوسع، لا تزال متشككة.

قال كلوديو شتيور، مدير "سينرجي كونسلتينغ" (SyEnergy Consulting)، وهي شركة استشارية في مجال الطاقة مقرها المملكة المتحدة ولديها خبرة تقارب 30 عاماً في العمل على مشروعات الغاز الطبيعي المسال العالمية: "لن نعرف الإمكانات الحقيقية لتقنية (أركتيك كاسكيد) الخاصة بـ(نوفاتك) إلا بعد أن تعمل محطات الإسالة لفترة من الزمن.. وفي صناعة الغاز الطبيعي المسال، لا سبيل للاعتراف بتكنولوجيا جديدة أو بمورّد جديد، قبل إثبات القدرة على العمل على نحو يمكن التعويل عليه".

تصنيفات

قصص قد تهمك