بلومبرغ
تشهد صادرات الطاقة الجزائرية تراجعاً، مما يهدد بمزيد من المعاناة المالية للدولة العضو بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتكرار محتمل للمظاهرات الجماهيرية التي أطاحت بالرئيس الجزائري (عبد العزيز بوتفليقة) قبل عامين.
ومن أجل مواكبة شحنات النفط والغاز، شريان الحياة للاقتصاد في البلاد، تواجه الجزائر صعوبات في ظل سنوات من سوء الإدارة ونقص الاستثمار. وجاء الانخفاض حادَّاً للغاية لدرجة أنَّ الجزائر قد تتوقَّف عن كونها دولة مصدِّرة للنفط الخام خلال عقد من الزمن، بحسب شريف بلميهوب، الوزير المسؤول عن التوقُّعات الاقتصادية (وزير الاستشراف).
وصرَّح للإذاعة الحكومية الشهر الماضي أنَّ "الجزائر لم تعد دولة نفطية".
مهمة صعبة للبحث عن الدخل
يسلِّط الركود الضوء؛ كيف أنَّ الانهيار الناجم عن فيروس كورونا في العام الماضي في أسعار الطاقة يهدِّد مستقبل بعض المنتجين، من خلال قطع الأموال التي يحتاجونها فقط للحفاظ على مستويات إنتاجهم، ناهيك عن زيادتها. فعند حوالي 59 دولاراً للبرميل، فإنَّ أسعار النفط تكون أقل من نصف ما تحتاجه الجزائر لتحقيق نقطة التعادل في ميزانيتها هذا العام (سد العجز)، وفقاً لصندوق النقد الدولي. وبحسب الصندوق، فإنَّ سعر التوازن المالي البالغ 135 دولاراً للبرميل، هو أعلى من أيِّ سعر لبلد منتج آخر في العالم العربي.
وقال جليل حرشاوي، الزميل البارز في المبادرة العالمية، ومقرُّها جنيف، وهي منظمة غير حكومية: "القيادة الجزائرية تتعرَّض للضرب بلا هوادة ". تابع: "لأوَّل مرة منذ حوالي عقدين، يتعيَّن على الجزائر أن تتخذ قرارات مؤلمة سياسياً، ومهمة من أجل العثور على الدولارات".
انخفضت صادرات البلاد من النفط الخام والغاز الطبيعي المسال بنحو 30% في عام 2020، وفقاً لبيانات بلومبرغ لتتبُّع حركة سفن الشحن. واستمر الاتجاه هذا العام؛ فقد هبطت مبيعات النفط في الخارج إلى 290 ألف برميل فقط في اليوم الشهر الماضي، أي أقل بنسبة 36% مما كانت عليه في شهر ديسمبر الماضي، وهو أدنى رقم منذ عام 2017 على الأقل.
واتفقت الجزائر وأعضاء آخرون في "أوبك" على خفض الإنتاج العام الماضي مع توقُّف الطيران عن العمل، إثر تفشي فيروس كورونا، وهو ما أدَّى إلى إغلاق مصانع. ومع ذلك، وفي حين تجاوزت غالبية دول "أوبك" حصصها من الإنتاج؛ فقد فشلت الجزائر غالباً في الوصول إلى سقف إنتاجها. كما ارتفع إجمالي إنتاج النفط بشكل طفيف في شهر يناير المنصرم، لكنَّه لا يزال بالقرب من أدنى مستوى له منذ عام 2002.
ولا يختلف الأمر بالنسبة للغاز ، فقد انحدر إنتاجه في عام 2019 إلى أدنى مستوى له خلال عقد من الزمان على الأقل، وفقاً لمنتدى الدول المصدِّرة للغاز. في الوقت نفسه، تستهلك الجزائر المزيد من الوقود في محطات الطاقة المحلية مع ارتفاع عدد سكانها، مما يترك مجالاً أقل للتصدير.
أمر رئيس الوزراء عبد العزيز جراد بخفض الإنفاق لتحقيق الاستقرار المالي للبلاد، لكنَّ حكومته قلقة من خفض الدعم على الطاقة والغذاء.
وقال "بيل فارين برايس" مدير شركة أبحاث الطاقة " إنفيروس" (Enverus)، إنَّ "الجزائر لديها واحدة من أكبر ميزانيات الرفاهية للفرد مقارنة بنظرائها في "أوبك"؛ مضيفاً أنَّ "الحفاظ على الإنفاق الاجتماعي سيكون ضرورياً إذا أردنا تجنُّب الاحتجاجات الجماهيرية".
وقالت شركة الطاقة الحكومية "سوناطراك"، إنَّها تهدف إلى زيادة صادرات الغاز بنحو 25% هذا العام، حتى مع خفض الإنفاق. وأعاقت التغييرات الإدارية المتكررة الجهود السابقة للشركة لزيادة إنتاج الطاقة. وكان لديها أربعة رؤساء تنفيذيين في العامين الماضيين، و12 منذ عام 2010.
وقال "فارين برايس" إنَّ "التغييرات المستمرة في قمة (إدارة) شركة "سوناطراك" لم تجعل من السهل إدارة القطاع، فهناك الكثير من الضغوط".
وامتنع متحدِّث باسم الشركة عن التعليق.
المستثمرون الخارجيون
ألمحت الجزائر إلى السماح بمزيد من الاستثمار الأجنبي في قطاع الطاقة. لكنَّها لا تزال واحدة من أكثر الاقتصادات المنغلقة في أفريقيا، والمسؤولون السياسيون مترددون في السماح للشركات الدولية بممارسة المزيد من التحكُّم في موارد البلاد الطبيعية.
كما أنَّ الحكومة قلقة أيضاً بشأن استغلال صندوق النقد الدولي، أو مستثمري السندات العالميين للحصول على أموال يمكن أن تستثمرها في حقول النفط والغاز.
ويرى جليل حرشاوي، الزميل البارز في المبادرة العالمية، ومقرُّها جنيف أنَّه "في الوضع الراهن، من المرجَّح أن تأتي تلك الأموال من الخارج، وهذا يثير السؤال المؤلم حول السيادة. إنَّ اقتراض الأموال أو التنازل عن حقوق الملكية في العمليات، ينظر إليهما كحل وسط بشأن السيادة".