السعودية لديها المال.. لكن هل يمكنها جذب الاستثمار الأجنبي؟

المملكة أمام فرصة لتصبح لاعباً رئيسياً في تحول الطاقة.. لكن المستثمرين بطيئون باغتنام الفرصة

time reading iconدقائق القراءة - 14
عامل تابع لشركة \"معادن\" يحمل حفنة من الألومينا المعالجة داخل مصنع للألمنيوم في مدينة رأس الخير الصناعية تديره شركة التعدين العربية السعودية \"معادن\"، في رأس الخير، المملكة العربية السعودية - المصدر: بلومبرغ
عامل تابع لشركة "معادن" يحمل حفنة من الألومينا المعالجة داخل مصنع للألمنيوم في مدينة رأس الخير الصناعية تديره شركة التعدين العربية السعودية "معادن"، في رأس الخير، المملكة العربية السعودية - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في الوقت الذي تندفع فيه الدول والشركات للحصول على المواد الخام شديدة الأهمية لتعزيز سلاسل التوريد، ومواكبة التحول الصعب في مجال الطاقة، تتطلع المملكة العربية السعودية لاقتناص حصتها السوقية، وأمامها فرصة حقيقية لتحقيق هذا الهدف، خاصةً مع تزايد عدم الارتياح بشأن الاعتماد على الصين كمصدر لهذه المواد. لكن، هل المستثمرون على استعداد لتلبية هذا الطموح في الوقت الراهن؟

يستثمر الصندوق السيادي السعودي وشركة التعدين الحكومية (معادن) ما يناهز 3.2 مليار دولار لإنشاء صندوق سيستثمر بكافة أنحاء العالم في موارد طبيعية كالنحاس، والنيكل، والليثيوم، كشريكٍ موصٍ ذي حصة أقلية. وأُعلن عن الشراكة في منتدى "مستقبل المعادن" السنوي في السعودية، حيث اجتمع عمالقة مثل "بي إتش بي غروب" (BHP Group)، ومجموعة "ريو تينتو" (Rio Tinto)، "إيفانو ماينز" (Ivanhoe Mines)، ومسؤولون من الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة الأسبوع الماضي.

التعدين ركيزة أساسية للتنويع الاقتصادي

هذه الشراكة تتسق مع تسريع السعودية خطواتها لتصبح مركزاً عالمياً للتعدين، ولترسخ القطاع باعتباره ركيزة أساسية لتنويع اقتصادها. وسيستثمر الكيان الجديد ما يصل إلى 15 مليار دولار في الشركات والأصول على مستوى العالم لتأمين الإمدادات للصناعات المحلية. كذلك تعزز السعودية نمو النشاطات غير النفطية مثل التصنيع، وأصبح اقتصادها الآن بين أسرع الاقتصادات نمواً في "مجموعة العشرين" في ظل توسع هذه الصناعات.

يأتي تركيز الحكومة لضمان حصولها على المواد الخام في الوقت المناسب وبشكل مستهدِف، لاسيما مع مرور سلاسل التوريد بحالةٍ من الفوضى، وتزايد الضغوط التنظيمية المتعلقة بالانبعاثات، ما أجبر دور الشركات على البحث عن بدائل لدور الصين الحيوي -والهش كذلك- في الاقتصاد العالمي.. لكن أين يُمكن إيجاد هذه البدائل؟

في جميع أنحاء العالم، يلوح في الأفق نقص في المعادن شديدة الأهمية، وكان الاستثمار في التقنيات التي من شأنها تعزيز أو تسريع الإنتاج بطيئاً.

في الوقت ذاته، تتطلب المشاريع الصناعية الكبيرة التي تُعتبر أساسية لتحول الطاقة -مثل محطات الطاقة الشمسية، ومنشآت إنتاج الهيدروجين بالتحليل الكهربائي، وبطاريات المركبات الكهربائية، واحتجاز الكربون وتخزينه- كميات كبيرة من المعادن. ورغم السياسات، مثل "قانون خفض التضخم" الأميركي، التي تحاول إعادة تشكيل قطاع التصنيع الأميركي والتي أدّت بالفعل لطفرة في بناء المصانع، لم يجتذب تأمين الموارد المعدنية تمويلاً حقيقياً وملموساً حتى الآن.

الاستثمار الأجنبي المباشر التحدّي الأكبر

فيما يسعى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لتوفير ما يمثل أكبر ضرورة -وفرصة- للعالم لعقود قادمة، لن يكون التنفيذ بالأمر السهل. ولا يعود ذلك إلى التشكيك في الخطة الطموحة، بل يتعلق الأمر أكثر بمديري الشركات المنهكين ومدى استعدادهم للمخاطرة.

هنا تكمن المشكلة: بغضّ النظر عن مدى ثراء المملكة أو وفرة مواردها، فإنها تحتاج إلى مستثمرين أجانب ورأس مال للمساعدة في عمليات نقل التكنولوجيا، واستراتيجية الأعمال، والإنتاجية. ورغم أن هؤلاء المستثمرين يراقبون، لا بل ويدخلون في مفاوضات، فلم يُقدِم أحدٌ على البدء في مشروع كبير حتى الآن.

قد يكون جلب الاستثمار الأجنبي المباشر بمثابة التحدي الأكبر للسعودية. ويأمل المخطط الاقتصادي لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، المعروف بـ"رؤية 2030"، في زيادة مساهمة الاستثمار الأجنبي المباشر في الناتج المحلي الإجمالي من 0.7% حالياً إلى 5.7%. وارتفع حجم الأموال المتدفقة إلى السعودية بشكلٍ حاد في 2021، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى صفقة خطوط أنابيب بلغت 12.4 مليار دولار لصالح شركة "أرامكو السعودية".

غير أن المشروعات الكبيرة التي تستغرق سنوات لتُترجم إلى عوائد لم يعلن عنها بعد، إذ يسيطر التردد على الشركات متعددة الجنسيات التي تكتفي بتوقيع مذكرات تفاهم وزيارة المواقع، لكن لا تتدفق الأموال لبدء التنفيذ.

يتعين على صانعي السياسات والشركات التفكير في مخاطر الاندفاع إلى منطقة مليئة بالثروات، لكنها معرّضة لتحديات جيوسياسية واقتصادية. وعادةً يصاحب الاستثمار الأجنبي المباشر، كثيف رأس المال، في الأسواق الناشئة سنوات من الالتزامات النقدية التعاقدية والقروض، ما يضيف إلى التكاليف والتعقيدات.

فهل يمكن أن تعوّض عوائد الاستثمار في السعودية المخاطر التي تتعرض لها الشركات؟ تتطلب مشاريع التعدين مليارات الدولارات، ومن المعروف أن المساهمين لا يرغبون عادةً بالانتظار طويلاً لجني عوائد، وهم أقل حماساً في الآونة الأخيرة بشأن الإنفاق الضخم.

شرط مسبق لاستقطاب الأموال

قبل أكثر من عقد، بلغ إجمالي الإنفاق العالمي في قطاع المعادن ذروته عند ما يقرب من 150 مليار دولار، لكن من المتوقع أن ينخفض بمقدار 11 مليار دولار العام الجاري على مستوى العالم.

يُعدّ جذب الاستثمار الأجنبي المباشر في المحصّلة دورة "ذاتية التغذية"، فبمجرد اجتذاب بلد ما استثماراتٍ بأحجام معينة، يصبح من السهل جلب المزيد. وتساعد السياسات التفضيلية، مثل الحوافز الضريبية ومناطق التجارة الحرة، الشركات الأجنبية على مباشرة نشاطها في السوق، بعدها تبدأ اقتصاديات الحجم بلعب دورها وتزداد كفاءة رأس المال، لكن الوصول إلى ذلك المستوى من الاستثمار هو شرط مسبق أساسي.

حتى مع تدفق كبار المسؤولين في كبرى شركات التعدين الدولية إلى الرياض، فإن قلّةً منهم أعلنت عن وضع حجر الأساس للمشاريع الضخمة التي يتطلبها القطاع.

مقارنة مع الصين

خلال منتدى "مستقبل المعادن"، أعلنت شركة "باريك غولد" (Barrick Gold) وشركة "التعدين العربية السعودية" أنهما بصدد إنشاء مشروعين مشتركين متخصصين بالاستكشاف، ستساهم فيهما "معادن" مبدئياً بـ7.6 مليون دولار. كما أعلنت الأخيرة أيضاً عن صفقة بقيمة 126 مليون دولار مع شركة "إيفانو إليكتريك".

إلى ذلك، لم تذهب المملكة المتحدة إلى أبعد من الالتزام الفضفاض، مع إشارة غرانت شابس، وزير الأعمال والطاقة والاستراتيجية الصناعية البريطاني، إلى أنه لا يمكن لبلاده إطلاقاً الاعتماد بشكل كبير على أي دولة كمصدر وحيد للمعادن، معلناً في الوقت عينه حاجة بريطانيا لشركاء مثل السعودية.

تُظهر تجربة الصين في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر أن الاستثمارات الموجهة محلياً يقودها إلى حدٍّ كبير حجم الاقتصاد ونموه. بينما تُعتبر المكوّنات المهمة الأخرى مثل تكاليف العمالة والبنية التحتية أيضاً عوامل حاسمة. ولا تزال البلاد إحدى أكثر الوجهات استقبالاً للاستثمار الأجنبي المباشر، رغم الشكوك حول هياكل الحوكمة والأطر القانونية، حيث نجحت بتقديم نفسها للعالم كموطن مناسب للتصنيع بمهارة عالية.

بالنسبة للسعودية، وفيما تُوجه الدعوات للشركات الأجنبية للقدوم والاستثمار، يتعيّن استكشاف ما إذا بإمكانها منح المستثمرين فرصاً كبيرة ومجزية بما يكفي لاستقطابهم.. هذا الأمر يستحق أخذه في الحسبان.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

الرياض

9 دقائق

20°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى 20°/20°
10.9 كم/س
22%
الآراء الأكثر قراءة