بلومبرغ
تمكنت أوروبا من سد الفجوة التي خلفها نقص التدفقات الغاز الروسية بفضل الإمدادات الأميركية، لكن هذه الشحنات لن تكون قادرة على مواكبة توسع النقص.
ذكرت "بلومبرغ إن إي إف"، إنه في حين أن الوقود الأميركي يشكّل الآن 40% من واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال، إلا أنه سيُعوّض في الصيف المقبل فقط جزءاً بسيطاً من العجز الذي خلفته روسيا. وهذا يعني أنه سيكون من الصعب إعادة ملء المخزونات في العام المقبل عندما تواجه القارة فترة أطول بدون الغاز الروسي.
انتعاش واردات أوروبا بفضل الهدوء الآسيوي
كان تأمين الشحنات التي لا تحتاجها آسيا –أكبر قارة من ناحية الشراء- أمراً حاسماً بالنسبة لأوروبا التي تستبدل الإمدادات المنقولة عبر الأنابيب بالوقود شديد البرودة. لتلبية الطلب في المستقبل، يجب أن تظل أوروبا سوقاً جذابة للبائعين وتسحب نحو 70% من الإمدادات الفورية العالمية -بشكل أساسي من الولايات المتحدة- التي سيظل نمو إنتاج الغاز الطبيعي المسال فيها محدوداً في السنوات القليلة المقبلة.
نظراً لأن خفض الإمدادات من روسيا -التي كانت ذات يوم أكبر مورد للغاز في أوروبا- لم تأت حتى وقت متأخر من حملة التخزين الصيفية، فإن نقص التدفقات سيكون أكثر وضوحاً في العام المقبل. ذكرت "بلومبرغ إن إي إف" الخميس في تقرير إن هذا سيتطلب المزيد من الغاز الطبيعي المسال، ولكن أيضاً "تدمير مستمر الطلب".
كتب آرون تورا المحلل في "بلومبرغ إن إي إف": "العرض الأميركي حساس بشكل خاص للسعر وسيتدفق إلى السوق الممتازة التي ستبقى هي أوروبا ما لم يرتفع الطلب الآسيوي.. ومع ذلك، فإن الزيادة السنوية ليست كافية لتعويض الانخفاض الكلي في إمدادات الأنابيب الروسية مع تلبية زيادات الغاز الطبيعي المسال لأقل من نصف هذه الأحجام".
وفقاً لـ"بلومبرغ إن إي إف"، من المحتمل أن ترتفع واردات الغاز الطبيعي المسال إلى شمال غرب أوروبا وإيطاليا بين أبريل وسبتمبر بمقدار 9 مليارات متر مكعب عن العام السابق، لكن مع توقف إمدادات خط أنابيب "نورد ستريم" الرئيسية، والمخاطر المستمرة المتمثلة في انقطاع الإمدادات بالكامل عبر أوكرانيا، فقد يصل النقص من روسيا إلى 20 مليار متر مكعب.
وبحسب "بلومبرغ إنتليجنس"، تتمثل إحدى المشكلات في وجود حدود للإمدادات الأميركية. إذ يعني الانقطاع في مشروع "فريبورت" في تكساس أن صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية سترتفع بنسبة أقل من المتوقع تبلغ 12% هذا العام، وستزيد بمعدل مماثل في عام 2023.
تكمن مشكلة أخرى في عدم اليقين بشأن إلى أين سيذهب هذا الغاز الطبيعي المسال. إذ ضمنت شركات الطاقة الكبرى والتجار معظم صادرات الولايات المتحدة، وأيضاً تعاقدوا إلى حد كبير لشراء إمدادات أميركية مستقبلية، وبإمكانهم أن يرسلوها إلى المناطق التي تكون فيها الأسعار هي الأعلى. وهذا يعني أن المزيد قد يتجه إلى الصين إذا أدى تخفيف قيود كوفيد إلى زيادة الطلب هناك، بدلاً من أوروبا.
سوق الولايات المتحدة
تساعد مشتريات أوروبا الولايات المتحدة في الحفاظ على صادرات الغاز بالقرب من المستويات القصوى، وتقلل من اتساع العجز التجاري. لكن الطلب العالمي القوي يتسبب أيضاً في ارتفاع الأسعار إلى مستويات تاريخية في أميركا، مما يزيد من فواتير الطاقة المنزلية، ويزيد من التضخم.
بدورها قالت "لجنة تنظيم الطاقة الفيدرالية" في نيو إنغلاند، إن هناك خطر حدوث نقص في الغاز هذا الشتاء بسبب ارتفاع الصادرات الأميركية.
تقول شي نان، المحللة في شركة الاستشارات النرويجية "ريستاد إنرجي" (Rystad Energy)، إن أميركا ترسل الآن نحو 60% من إمداداتها إلى أوروبا، أي ضعف ما كنت ترسله في العام الماضي. بدروه قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن الولايات المتحدة تعمل على زيادة تعزيز تلك التجارة بعد أن أصبحت أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة هذا العام.
سيكون مدى امتلاء مواقع التخزين في أوروبا في الصيف المقبل بمثابة نتيجة مباشرة لكمية الغاز الطبيعي المسال التي يمكن أن تسحبها أوروبا من الأسواق العالمية. تظهر قاعدة بيانات "بلومبرغ إن إي إف" أنه وفقاً للعقود، يمكن أن يذهب أكثر من 43% من الوقود إلى أي مكان.
إذا استوردت القارة 60% من الغاز الطبيعي المسال الفوري، فقد تتراجع معدلات حقن التخزين وتصل إلى أقل بقليل من 70% بحلول نهاية الصيف، حسبما ذكرت بيانات "بلومبرغ إن إي إف" في توقعاتها الشهرية. في هذا العام، وصل معدل الامتلاء إلى 94%.
نمت صادرات الغاز الطبيعي المسال في الولايات المتحدة -جميعها مرنة الوجهة إلى حد كبير- بشكل مطرد منذ أن بدأت في عام 2016 وسط طفرة الغاز الصخري، وذهبت بشكل أساسي إلى أميركا الجنوبية وآسيا. تغير ذلك في أواخر العام الماضي عندما دفع ارتفاع الأسعار في أوروبا التجار إلى تحويل مسار الشحنات -وأحياناً في منتصف رحلتها– في ظل فطم القارة نفسها عن الغاز الروسي الذي كانت مرتبطة به لعقود.
ذكرت "بلومبرغ إن إي إف"، أنه مع ذلك، فإن كمية الغاز الطبيعي المسال الإضافية التي يمكن أن تعوّض التدفقات الروسية المفقودة إلى أوروبا قد تنخفض إلى 35% في الصيف المقبل من 42% هذا الشتاء ومع ذلك، يجب أن تنتعش الإمدادات -معظمها من الولايات المتحدة- مع الموجة التالية من المشاريع التي ستنطلق في أواخر عام 2024. يتعين على أوروبا أيضاً توسيع قدرتها على استيراد الغاز الطبيعي المسال وتخفيف اختناقات البنية التحتية.
ذكرت "ريستاد إنيرجي" في دراسة: "ستحتاج الولايات المتحدة إلى توسيع قدرتها التصديرية للغاز الطبيعي المسال وسيحتاج الاتحاد الأوروبي إلى توسيع قدرته على الاستيراد على مدار السنوات القادمة".