بلومبرغ
يتعرض المستشار الألماني أولاف شولتس لانتقادات حادة من قادة الاتحاد الأوروبي بسبب إحجامه عن السماح للكتلة بمحاولة كبح ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي الذي يهدد بدفع القارة نحو الركود.
في حين اجتمع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل الخميس لحضور قمة تستمر يومين، أعربت دول مثل فرنسا وإيطاليا وبولندا عن رغبتها في الحد من تكلفة الغاز، والتي تثير حالة من الاضطراب في الاقتصادات وتعزز التضخم، مع اقتراب فصل الشتاء وانخفاض شحنات الغاز القادمة إلى المنطقة من روسيا بشكل كبير بعد غزو أوكرانيا.
لكنَّ ألمانيا، التي اعتمدت بشكل كبير على الغاز الروسي الرخيص، تعارض تحديد سقف للأسعار، مسلطة الضوء على مخاوف تفيد أنَّ هذه الخطوة قد تعرّض الإمدادات للخطر، في وقت تحتاج فيه البلاد إلى مزيد من الغاز لتجنّب انقطاع التيار الكهربائي وتقنينه.
أزمة الطاقة تهدد بانكماش الاقتصاد الألماني في 2023
قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في تصريحات للصحفيين في بروكسل: "ليس من الجيد، سواء بالنسبة إلى ألمانيا أو أوروبا، أن تعزل نفسها، بل من المهم إيجاد مقترحات تحظى بموافقة عدد كبير بما يكفي".
لا شك في أنَّ الفشل في الاتفاق على استجابة مشتركة للأزمة، من شأنه أن يهدد بتجزئة سوق الاتحاد الأوروبي. إذا استجابت الدول بمجموعة متنوعة من الخطط الكاملة لمعالجة تداعيات الأزمة؛ فإنَّ ذلك قد يعمّق الاختلافات الاقتصادية بين الدول الأعضاء.
تعرّضت خطة ألمانيا البالغة 200 مليار يورو (196 مليار دولار)، والمقدمة لحماية شركاتها الوطنية وأسرها من ارتفاع أسعار الطاقة، لانتقادات من الدول الأعضاء التي تخشى أن تتسبب في أضرار لا يمكن إصلاحها في تكافؤ الفرص الذي يلتزم الاتحاد الأوروبي بإيجاده في السوق الموحدة.
خطة ألمانيا لاقتراض 200 مليار يورو تثير قلق أوروبا
اذهب بمفردك
عندما التقى قادة الاتحاد الأوروبي قبل أسبوعين في براغ، كان العديد منهم صريحين في انتقاداتهم. قال رئيس الوزراء البولندي، ماتيوز موراوسكي، للصحفيين آنذاك: "نحن بالتأكيد ضد أي محاولات لإلحاق الضرر بالسوق الداخلية الأوروبية، لكنَّ الضرر سيحدث إذا كانت الحكومة الألمانية قادرة على دعم شركاتها بشكل حصري بمفردها".
ما الخطأ الذي قد يحدث في اجتماع 44 قائداً أوروبياً في براغ؟
دافع شولتس الخميس عن الخطة الوطنية لألمانيا، باعتبارها مناسبة ومتناسبة، وليست أكبر بكثير من مخططات الدول الأعضاء الأخرى. وقال في كلمة ألقاها أمام البرلمان في برلين: "لقد أنشأنا عمداً درعنا الواقي لمدة عامين ونصف العام استعداداً لفصل الشتاء المقبل".
أضاف شولتس: "عند احتساب هذه الفترة؛ فإنَّ 200 مليار يورو تعادل نحو 2% من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا هو حجم الحزم المحددة والتي سيتم تجميعها في أماكن أخرى في أوروبا، مثل فرنسا أو إيطاليا أو إسبانيا، هذا العام".
إيطاليا تتخلص من قبضة الغاز الروسي بتأمين إمدادات كافية من مصر والجزائر
قال دبلوماسيون إنَّ رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل، الذي يرأس المحادثات في القمة، مصمم على تأمين اتفاق بشأن المبادئ التوجيهية السياسية لمعالجة الأزمة. وقال للصحفيين: "اليوم ليست الفرصة الأخيرة، لكنَّها مهمة للغاية، فهي لحظة الحقيقة".
تعهد العديد من القادة بالبقاء في غرفة المفاوضات طالما كانت هناك حاجة للتوصل إلى حل مشترك في القمة، برغم عدم تقديم خطة مكتوبة محددة حتى الآن. يكمن التحدي الآن في أنَّ التصريحات السياسية لقادة الاتحاد الأوروبي تحتاج إلى موافقة بالإجماع من الدول الـ27 الأعضاء كلهم.
الاتحاد الأوروبي يعلن خطوات مؤقتة في سوق الغاز من دون "سقف الأسعار"
قال رئيس وزراء لاتفيا، كريسيانيس كارينس، في بروكسل: "علينا استخدام كل الأدوات المتاحة لدينا في الاتحاد الأوروبي، وفعل ذلك على نطاق واسع قدر الإمكان، حتى ينخفض السعر الإجمالي". وأضاف: "الشيء المهم الأول لفعل ذلك، هو حماية الأسر والشركات من ارتفاع الأسعار، والثاني؛ هو اتخاذ كل الإجراءات الممكنة لخفض هذه الأسعار المرتفعة، ولن يحدث ذلك سوى باستخدام أدوات المفوضية الأوروبية".
يدعم غالبية قادة الاتحاد الأوروبي، بمن فيهم ماكرون، والإيطالي المنتهية ولايته ماريو دراغي، والإسباني بيدرو سانشيز، وموراوسكي، البنود الواردة فيما يسمى باستنتاجات القمة التي من شأنها دفع المفوضية الأوروبية إلى اقتراح تحديد سقف لأسعار الغاز بالجملة، ووضع سقف لتكلفة الغاز المستخدم في إنتاج الطاقة. تقول مسودة البيان الأخيرة التي اطلعت عليها "بلومبرغ نيوز"، إنَّ على السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي "المضي قدماً في العمل بشكل عاجل" في هذه الإجراءات.
اقرأ أيضاً: الطاقة المتجددة توفر للاتحاد الأوروبي 11 مليار دولار كان سينفقها لاستيراد الغاز
موقف برلين
مع ذلك، تعارض ألمانيا محاولات خفض الأسعار من خلال التدخل في سوق الطاقة، لكنَّها تفضل الحلول الأخرى التي حددتها المفوضية الأوروبية في حزمة التدابير المتعلقة بالغاز في بداية هذا الأسبوع، مثل المشتريات المشتركة، فضلاً عن إنشاء مؤشر جديد للغاز الطبيعي المسال.
قال شولتس للبرلمان إنَّ "سقف الأسعار المحدد على النطاق السياسي، ينطوي دائماً على خطر بيع المنتجين غازهم في مكان آخر، ونحن في أوروبا سينتهي بنا الأمر بالحصول على غاز أقل بدلاً من المزيد".
أزمة الطاقة تلقن شولتس درساً قاسياً بشأن إدارة ألمانيا
عشية القمة، لم تكن ألمانيا وحدها في معارضتها لتحديد سقف لأسعار الغاز، حيث رفضت الدنمارك ولاتفيا والمجر أيضاً الفكرة، بينما أرادت إستونيا وهولندا وبلغاريا وضع بعض الشروط الإضافية، وفقاً لدبلوماسيين.
اقترحت المفوضية الأوروبية تدابير لتجنّب ارتفاع أسعار مشتقات الطاقة بحدة، فضلاً عن أنَّها تسعى إلى الحصول على سلطة لوضع حد مؤقت للسعر على المعاملات في منصة "مرفق نقل الملكية" الهولندية، التي يعد مؤشرها الرئيسي، هو المعيار لكل أنواع الغاز المتداولة في القارة.
الغاز الطبيعي المسال المنقول
تشعر ألمانيا بالقلق من أن يؤدي تحديد سقف للأسعار إلى انخفاض الإمدادات بشحنات الغاز الطبيعي المسال المحولة إلى آسيا. يستأجر أكبر اقتصاد في أوروبا خمس محطات عائمة للغاز الطبيعي المسال، من بينها اثنتان على الأقل ستكونان جاهزتين في الوقت المناسب لفصل الشتاء.
من جانبها، قالت الجهة التنظيمية الرئيسية في البلاد، إنَّ ألمانيا بحاجة إلى زيادة واردات الغاز من أجل تجنّب أي حالات طوارئ متعلقة بالغاز في الشتاء.
تتضمن حزمة المفوضية التي سيناقشها قادة الاتحاد الأوروبي في القمة لائحة قانونية، حيث تسعى إلى الحصول على السلطة من الدول الأعضاء لاقتراح سقف لسعر الغاز بالجملة كملاذ أخير، في ظل ظروف معينة ولفترة زمنية مؤقتة. ويشار إلى أنَّ أنصار فكرة فرض سقف للأسعار، بمن فيهم إيطاليا وبولندا وبلجيكا واليونان، يريدون اتباع مثل هذا الإجراء.
الاتحاد الأوروبي يقترح تخصيص 40 مليار يورو لدعم الطاقة
في الوقت ذاته، قالت رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، هذا الأسبوع، إنَّ إجراء وضع سقف لسعر الغاز المستخدم لإنتاج الطاقة، وهو حل قدّمته إسبانيا والبرتغال بالفعل، يستحق الدراسة على مستوى الاتحاد الأوروبي. جدير بالذكر أيضاً أنَّ فرنسا أيدت مثل هذا النوع من التدخل في سوق الطاقة.
قالت فون دير لاين أمام البرلمان الأوروبي يوم الأربعاء: "ما زالت هناك أسئلة يجب الإجابة عنها، لكنَّني أريد أن أبذل قصارى جهدي".
حتى لو لم يتخذ قادة الاتحاد الأوروبي أي قرارات تنظيمية في القمة؛ فإنَّ توجيهاتهم السياسية ستحدد الاتجاه الذي ستتحرك فيه الكتلة للسيطرة على الأزمة. في الخطوة التالية، سيناقش وزراء الطاقة حزمة الطورائ التابعة للمفوضية والتغييرات المحتملة على المقترحات في الاجتماع المنعقد في لوكسمبورغ في يوم 25 أكتوبر.