بلومبرغ
تبنى توربيورن تورنكفيست سريعاً عقلية إدارة الأزمة إثر ضمّ شبه جزيرة القرم إلى روسيا، فقد سارع المؤسس الشريك والرئيس التنفيذي لمجموعة تجارة النفط "غانفور" (Gunvor) لشراء حصة شريكه غينادي تيمشينكو، وأتمّ الصفقة قبل يوم واحد فقط من فرض الولايات المتحدة عقوبات على الملياردير الروسي في 2014. اضطر السويدي تورنكفيست لاستخدام ما يفوق مليار دولار من أرباح الشركة غير المدرجة لإكمال الصفقة.
بدأ تورنكفيست اليوم يستعيد ماله مع ارتفاع أسعار الطاقة عقب غزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأوكرانيا. تضاعفت ثروة تورنكفيست تقريباً منذ بداية 2021، لتبلغ 3.7 مليار دولار بالعودة لما كانت عليه قبل الاستحواذ، بحسب مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات. يُعزى جزء كبير من ذلك لنمو أرباح "غونفور"، التي يعني اسمها "التأهب في الحرب" في اللغة الاسكندنافية القديمة، في حين تهرع الدول الأوروبية لتأمين بدائل عن الوقود الروسي.
مكاسب قياسية
علّق أولي هانسن، رئيس استراتيجية السلع في بنك "ساكسو" في الدانمارك قائلاً إنَّ "تهدُّم سلاسل الإمداد الاعتيادية عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وما تبعه من اضطرابات في السوق؛ أعطى دفعاً إضافياً لتجار النفط مثل غانفور"، مضيفاً أنَّ "السوق ما تزال بعيدة تماماً عن الهدوء".
كانت كبرى شركات تداول السلع قد سجلت مكاسب قياسية في 2021، وهي في طريقها لتحقيق أداء أفضل هذا العام بعدما عطلت العقوبات على روسيا سلاسل الإمداد وخلقت فرصاً للمضاربة. حملت هذه الزيادة في تقلبات الأسواق وحاجة أوروبا للغاز مكاسب غير متوقَّعة لـ"غانفور"، لكنَّها خلقت أيضاً بعض الصعوبات التي أتت على شاكلة طلبات تغطية هامش حين تقلبت الأسعار.
برغم التراجع الأخير في أسعار السلع، فقد أغدق هذا العام المكاسب على أباطرة القطاع. إذ ارتفعت ثروة الرئيس التنفيذي السابق لشركة "غلينكور" إيفان غلاسينبرغ لأعلى مستوياتها في أبريل، وتبلغ اليوم 7.5 مليار دولار، فيما أصبح عملاق قطاع الفحم الهندي غوتام أداني، الذي توسع نحو طيف واسع من الاستثمارات من الإعلام إلى الطاقة الخضراء، ثاني أغنى رجل في العالم الأسبوع الماضي. في المقابل، خسر معظم أثرى 500 شخص في العالم أموالاً هذا العام في ظلّ التضخم وتراجع أسهم التقنية.
تنصل من روسيا
كان تورنكفيست من أكثر الأثرياء في العالم خارج روسيا وأوكرانيا انكشافاً على تبعات النزاع بين البلدين. بدأ الملياردير الذي بلغ عمره 68 عاماً مسيرته المهنية في "بريتش بتروليوم"، ثمّ عُيّن رئيساً لقسم تداول النفط في شركة "سكاندينافيان ترايدينغ". أسس في عام 2000 مع تيمشينكو شركة "غانفور" التي استفادت من علاقات تيمشينكو في روسيا وخبرة تورنكفيست في التداول. كانت الشركة تدير ما يصل إلى ثلث صادرات النفط الروسية المستخرجة من البحر حتى حلول منتصف العقد الأول من الألفية، برغم أنَّ هذه النسبة تراجعت لاحقاً مع صعود منافسين جدد.
تحول تركيز تيمشينكو على روسيا ليصبح موضع خلاف بين الرجلين، وكانا قد باشرا ببحث الانفصال حتى قبل إلحاق القرم بروسيا، بحسب ما قال تيمشينكو لوسائل الإعلام في 2014. أسهم ضمّ القرم الذي تسبب بفرض عقوبات على الملياردير الروسي على خلفية علاقاته المزعومة مع بوتين بتسريع هذا الانفصال.
إثر شراء حصة تيمشينكو في "غانفور" البالغة 44%، حصل تورنكفيست على غالبية الأسهم التي كانت تقدر قيمتها حينئذ بـ3 مليارات دولار. باعت بعدها الشركة جزءاً كبيراً من أصولها في روسيا، مما مكّنها من تحقيق أرباح سنوية قياسية، واستحصل تورنكفيست على حصة أرباح بحوالي مليار دولار استخدمها لتسديد جزء من دينه لتيمشينكو. كانت "غانفور" التي تتخذ من قبرص مركزاً لها وتجري عمليات تداول ضخمة في جنيف قد نفت مراراً أي علاقات مع القيادة الروسية. تسعى الشركة التي أعلنت في مارس أنَّها غير معنية مادياً بروسيا نحو زيادة تركيزها على الطاقة المتجددة. أنشأت الشركة وحدة جديدة العام الماضي، أطلقت عليها تسمية "نيويرا" (Nyera) وتعني "حقبة جديدة" باللغة السويدية لاستثمار 500 مليون دولار على الأقل في الوقود غير الهيدروكربوني والتقنيات المتصلة به.
عقوبات على تيمشينكو
قال متحدث باسم "غانفور"، رفض التعليق على ثروة تورنكفيست الصافية، إنَّ الشركة ستواصل الاحتفاظ بأغلبية أرباحها من أجل الاستثمار في نموّها العالمي وفي التحول نحو الطاقة المتجددة. كان الاتحاد الأوروبي وبريطانيا قد فرضا عقوبات هذا العام على تيمشينكو، نجل الضابط السوفييتي الذي بلغ عمره 69 عاماً، على خلفية علاقته بالرئيس الروسي الذي بدأت صداقته معه في سان بطرسبرغ في بداية التسعينيات.
انسحب تيمشينكو نحو روسيا منذ بداية 2014، وبرغم تراجع ثروته في الآونة الأخيرة بسبب الحرب في أوكرانيا، لكنَّها كانت قد تضخمت طيلة العقد الماضي بفضل حصته الكبيرة في شركة "نوفاتك"، إحدى أكبر منتجي الغاز الطبيعي في روسيا. تقدر ثروته الصافية بنحو 15 مليار دولار، أي تصل لضعفي ما كانت عليه حين اشترى تورنكفيست حصته في "غانفور"، بحسب مؤشر "بلومبرغ" للملياريرات.
لم يستجب ممثل عن تيمشينكو الذي استقال من منصبه في مجلس إدارة "نوفاتك" في مارس على طلب التعليق، وهو بصدد الطعن في العقوبات الأوروبية عليه.
تورنجفست متمسك بسيطرته
عقب شراء حصة تيمشينكو، قال تورنكفيست إنَّ ملكية "غانفور" مركزة جداً، ثم عاد وخفَّض حصته من خلال نقل حصص إلى الموظفين، الذين باتوا يملكون 40% من أسهم الشركة بحلول 2017. عادت حصة تورنكفيست للارتفاع إلى 88% منذ ذلك الحين بعدما استخدم حصصه من الأرباح لشراء أسهم موظفين مغادرين.
بحث الملياردير طوال سنوات عن مستثمر خارجي ليستحوذ على جزء من الشركة، وفي عام 2019، أجرت "غانفور" محادثات مع شركة إنتاج النفط والغاز الجزائرية التي تملكها الدولة، لكن توقفت هذه المحادثات عقب الاضطرابات السياسية التي عصفت بالدولة الشمال أفريقية. قال تورنكفيست، الذي استثمر في فريق كرة القدم السويدي "أي إي كي" (AIK) وفريق الإبحار "أرتيميس"، إنَّه ما يزال منفتحاً على التخلي عن جزء من "غانفور"، لكنَّه لا يعتزم التخلي عن السيطرة عليها. قال في مؤتمر في مارس: "لا أعتزم بيع الشركة".