بلومبرغ
يقاوم عمالقة تكساس الذين بشّروا بثورة النفط الصخري في الولايات المتحدة إغراء ضخ مزيد من النفط مع انتعاش السوق، ما يشير إلى ارتفاع أسعار البنزين للمستهلكين الذين تضرروا فعلياً من أسوأ تضخم منذ جيل.
عادةً ما تؤدي أسعار النفط الخام التي تتجه نحو 100 دولار للبرميل إلى موجة تنقيب جديدة من مستكشفين مستقلّين في حقول النفط الصخري الممتدة من الصحراء الجنوب غربية إلى السهول الكبرى العليا، لكن لن يحدث ذلك هذا العام. تعهد اللاعبون المؤثرون، مثل "بايونير ناتشورال ريسورسز" (Pioneer Natural Resources) و"ديفون إنيرجي" (Devon Energy) و"كونتيننتال ريسورسز" (Continental Resources) التابعة لهارولد هام، بالحدّ من زيادات إنتاج 2022 إلى ما لا يزيد على 5%، وهو جزء بسيط من معدلات النمو السنوية البالغة 20% أو أعلى في ما قبل الوباء.
"أوبك+" قد يسعى لضم إيران إلى اتفاق إمدادات النفط
لا يمكن أن يكون التوقيت أسوأ بالنسبة إلى المستهلكين. خارج نطاق "أوبك" التي رفضت مناشدات الرئيس الأمريكي جو بايدن لتسريع زيادات الإنتاج، تُعَدّ حقول النفط الصخري المحلية المصدر الآخر الوحيد للخام الذي يمكنه الاستجابة سريعاً لنقص الإمدادات. قد يؤدي تحفّظ شركات الحفر الأمريكية إلى جانب الاستهلاك العالمي المتصاعد بسرعة إلى ارتفاع أسعار النفط لبعض الوقت في المستقبل.
قال سكوت شيفيلد، الرئيس التنفيذي لـ"بايونير"، في مقابلة مع "بلومبرغ": "سواء كان سعر النفط 100 أو 150 أو 200 دولار فلن نغير خطط النمو لدينا... إذا كان الرئيس يريدنا أن ننمو فأنا لا أعتقد أن الصناعة يمكن أن تنمو على أي حال".
لا يكفي لتبريد الأسعار
من المؤكد أن إنتاج النفط في الولايات المتحدة سيرتفع بشكل كبير هذا العام، ومن المتوقع أن يعود إلى مستويات ما قبل الوباء بحلول 2023، لكن قد لا يكون ذلك كافياً لإبعاد أسعار النفط عن مسارها الصاعد في أي وقت قريب.
يمثّل المستكشفون المستقلّون المدرَجين في البورصة من أمثال "بايونير" و"ديفون" أكثر من نصف ما يقرب من 10.5 مليون برميل، التي تنتجها الولايات المتحدة يومياً من حقولها في 48 ولاية متصلة جغرافياً، حسب "آي إتش إس ماركيت" (IHS Markit). تأتي الكمية الباقية من الشركات الخاصة المغلقة والعمالقة العالميين، وجميعهم يعزّز الإنتاج بقوة.
من الانهيار الكبير إلى جنون الأسعار.. هكذا فعلت "كورونا" بأسواق النفط في عامين
تستهدف شركتا "إكسون موبيل" و"شيفرون"، على سبيل المثال، نمواً بنسبة 25% و10% على التوالي في النفط الصخري هذا العام، فيما تسيطر الكيانات الخاصة المغلقة والمموّلة من قِبل شركات اللمكية الخاصة والصناديق العائلية حالياً على غالبية منصات الحفر النشطة في البلاد.
يتخوّف المستثمرون مع دخول موسم الأرباح الفصلية هذا الأسبوع من ثبات ضعف انضباط المستقلّين، خصوصاً مع ارتفاع سعر النفط القياسي لأمريكا الشمالية 22% هذا العام إلى نحو 96 دولاراً للبرميل، وهو أكثر من ضعف السعر المطلوب لتحقيق ربح جيد في أماكن مثل حوض "بيرميان" في غرب تكساس ونيو مكسيكو. ارتفع سعر البنزين في محطات تعبئة الوقود الأمريكية في غضون ذلك إلى أعلى مستوياته منذ 2014، وهي علامة تنذر بالسوء في سوق تتابع عن كثب تقلبات أسواق النفط الخام.
تفادي أخطاء الماضي
لكن رسالة مناطق النفط الصخري واضحة: لن يكرر المستقلّون أخطاء الماضي بإغراق العالم بالنفط الرخيص. يقول الرؤساء التنفيذيون إنّ التدفقات النقدية القياسية ستعود مباشرة إلى المستثمرين عبر توزيعات الأرباح وعمليات إعادة الشراء. هذا يعني أن شركات التنقيب الأمريكية تترك كثيراً من النفط الخام داخل الأرض، وإذا اختارت مسار ضخ أرباح غير متوقعة في عمليات حفر جديدة، يمكنها بسهولة تضخيم الإنتاج المحلي بمقدار مليوني برميل يومياً، حسب "آي إتش إس ماركيت". تشير التوقعات الحالية إلى أن إضافة الولايات المتحدة للإنتاج العالمي لن تعدو نصف هذه الكمية هذا العام.
مدير وكالة الطاقة يطالب "أوبك+" بتقليص الفجوة بين المستهدف والإنتاج الفعلي
قال ريك مونكريف، رئيس "ديفون إنيرجي" التنفيذي، في مقابلة هاتفية: "لدينا ما يكفي من المؤشرات المزيفة لدرجة أننا سندرس الأمور بعناية بالغة عند زيادة أنشطتنا... لنواجه الأمر: كلنا يتعافى بطريقة أو بأخرى من هذا الوباء، لكننا نصبح أصحاء ببطء مع مرور الوقت، ولن نبلغ ذلك بين عشية وضحاها".
مثل هذه التعليقات بعيد كل البعد عن ذروة مبدأ المضيّ قُدماً بالحفر، الذي عملت به الشركات في وقت سابق من هذا القرن، حين قلب النفط الصخري أسواق النفط العالمية رأساً على عقب عبر إنتاج يناطح مستوياته القياسية عاماً تلو عام. شهد الرؤساء التنفيذيون المتمرسون من أمثال مونكريف وشيفيلد وهام دورات كساد كثيرة، لذا فهم لا ينجرفون مجدداً.
فشل تجربة النمو
كشف انهيار أسعار النفط غير المسبوق في 2020 الصناعة التي أنفقت أكثر من 200 مليار دولار في العقد الماضي، لجعل أمريكا أكبر منتج للنفط الخام في العالم، تاركة الفتات للمساهمين، حتى بعد ارتفاع مخزونات النفط العام الماضي، لم تبلغ حصة شركات الطاقة الأمريكية من مؤشر "إس أند بي 500" سوى 3.6%، بتراجع عن أكثر من 12% قبل عقد.
قال جيف ويل، كبير المحللين لدى شركة إدارة الصناديق، "نيوبيرغر بيرمان" (Neuberger Berman) ، التي تدير نحو 400 مليار دولار من الأصول: "فشلت تجربة النمو. نحن في نموذج جديد."
شركات النفط الصخري تخطب ودّ المستثمرين بتوزيعات ضخمة تحيي القطاع
ستضيف الولايات المتحدة ما بين 750 ألفاً إلى مليون برميل من الإنتاج اليومي هذا العام، وفقاً للتقديرات الأخيرة لإدارة معلومات الطاقة و"رايستاد إنيرجي" (Rystad Energy)، و"إي إس إيه آي إنيرجي" (ESAI Energy)، و"ليوم" (Lium)، لكن هذا يقل عن ثلث توقعات الوكالة الدولية للطاقة بشأن نمو الطلب العالمي، ما يعني أنه لن يكون كافياً لترويض ارتفاع أسعار النفط.
وكالة الطاقة الدولية: نقص إمدادات "أوبك+" سيواصل دفع أسعار النفط
يعود الأمر إلى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، وهما دولتا "أوبك" الوحيدتان اللتان تتمتعان بطاقة فائضة كبيرة لسدّ أي فجوات في العرض، حسب شيفيلد من "بايونير". لا يزال المنقّبون الأمريكيون المستقلّون حذرين للغاية حيال الاستحواذ على جزء كبير من الحصة السوقية التي تسيطر عليها "أوبك" وحلفاؤها، الذين خاضوا حربي أسعار مع النفط الصخري في أقل من 10 سنوات.
قال ديفين ماكديرموت، المحلل لدى "مورغان ستانلي": "لقد خسر النفط الصخري مرتين فعلياً في معركة المواجهة مع (أوبك)". أضاف موضحاً أن المنتجين المستقلّين "يركزون على تنظيف الميزانيات العمومية وخفض أسعار تعادل النفقات مع الأرباح وإعادة الأموال إلى المستثمرين، ولا يسعون للنمو".