الشرق
المصدر: "وول ستريت جورنال"
خلقت أسعار النفط المرتفعة والمخاوف من غزو روسي لأوكرانيا معضلة للسعودية: مساعدة الغرب عبر ضخ المزيد من الخام لترويض السوق، أم الوقوف بجانب التحالف الممتد منذ خمس سنوات، والذي يساعد موسكو على حساب واشنطن.
في الوقت الحالي، تقف أكبر مصدرة للخام في العالم بصف روسيا.
طالب الرئيس بايدن مراراً المنتجين في الخليج العربي بضخِّ المزيد من النفط لخفض أسعار البنزين التي ارتفعت على الأمريكيين بمقدار الضعفين مما كانت عليه في أوائل الوباء. وأصبحت هذه المطالبات أكثر إلحاحاً مع صعود أسعار النفط تجاه 100 دولار للبرميل لأول مرة منذ ثماني سنوات تقريباً، وتهدد بالارتفاع أكثر وسط تزايد أعداد القوات الروسية على طول الحدود مع أوكرانيا.
وبدلاً من ذلك، يقول السعوديون، إنَّهم لن يضخوا أكثر مما اتفقوا عليه العام الماضي كجزء من اتفاقية بين منظمة الدول المصدرة للبترول وروسيا، وهو تحالف يطلق عليه "أوبك+"، وهذا الاتفاق يسمح بزيادات في الإنتاج تبلغ 400 ألف برميل يومياً كل شهر، لكنَّها لم تفعل الكثير للحيلولة دون الارتفاع في أسعار النفط، كما ضخ السعوديون كمية أقل من حصتهم، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية.
ويوم الأربعاء، ارتفع خام برنت، النفط المعياري الدولي، بنسبة 1.1% إلى 94.26 دولاراً للبرميل بعد صعوده بأكثر من 20% العام الجاري.
بالنسبة لروسيا، التي تنتج حوالي 10% من النفط العالمي؛ تدعم الأسعار الأعلى إيراداتها الحكومية، وتساعد في توفير حماية ضد العقوبات الغربية المحتملة في حال الغزو. لكن في الولايات المتحدة، عززت أسعار الطاقة الأعلى التضخم، وأضرت برصيد بايدن في استطلاعات الرأي، وعقدّت قدرة الغرب على فرض عقوبات على موسكو.
وتستطيع السعودية على الأغلب أن تخفض الأسعار لأنَّها لا تضخ بكامل طاقتها البالغة 12 مليون برميل يومياً. تنتج المملكة حالياً ما يناهز 10 مليون برميل يومياً، ويمكن أن تصل إلى طاقتها الكاملة خلال ثلاثة أشهر. كما يمكن لأي إشارة على أنَّها مستعدة لفعل ذلك أن تدفع أسعار النفط للهبوط، بحسب محللي النفط.
السعوديون متمسكون باتفاق "أوبك+"
قال البيت الأبيض، إنَّ بايدن اتصل بالملك سلمان الأسبوع الماضي للحديث عن مجموعة من قضايا الشرق الأوسط، بما في ذلك "ضمان استقرار إمدادات الطاقة العالمية". لكن بعد وقت قصير من المكالمة؛ أكد بيان صادر عن الملك سلمان على "دور اتفاقية (أوبك+) التاريخية"، قائلاً إنَّه من المهم التمسك بالاتفاقية.
وفي مؤتمر للطاقة في الرياض الأربعاء؛ دعا فاتح بيرول، مدير وكالة الطاقة الدولية، التي تضم الولايات المتحدة، مجموعة "أوبك+" لضخ المزيد من النفط. كما وُجد في الرياض أيضاً، بريت ماكغورك، منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي لشؤون الشرق الأوسط، وعاموس هوتشستين، مبعوث الطاقة لوزارة الخارجية.
وفي اجتماع مغلق في المؤتمر، رفض وزير الطاقة السعودي، الأمير عبدالعزيز بن سلمان، الدعوات لضخ المزيد من النفط، وقال، إنَّ إعادة التفاوض على الحصص بين أعضاء "أوبك" تهدد بإثارة التقلبات في سوق البترول بدلاً من بث الاستقرار فيها. وقال عضو من "أوبك": "المملكة لا تتفق مع الولايات المتحدة في الوقت الحالي.. نحن جميعاً نعرف أنَّهم غير مستعدين للتعاون مع الولايات المتحدة لتهدئة الأسواق".
وقال مسؤولون أمريكيون وأوروبيون، إنَّ العقوبات على صناعات النفط والغاز الروسية غير مطروحة حالياً، مما يعد اعترافاً بأنَّ مثل هذه الإجراءات ستؤدي إلى زيادات غير مستدامة في الأسعار. ولكنَّ العقوبات ضد البنوك الروسية وغيرها من القطاعات يمكن أن تؤدي إلى اضطرابات في إمدادات الطاقة، لأنَّ تجار النفط والغاز قد يتجنبون مخاطر العمل مع دولة خاضعة لعقوبات. ويقول الخبراء، إنَّ العقوبات الغربية، التي تجري مناقشتها، قد تشطب نحو 7% من إمدادات النفط العالمية في حال إقرارها.
يرى فرانك فانون، الذي خدم كرئيس مكتب الطاقة في وزارة الخارجية أثناء حكومة ترمب، أنَّ أسعار الخام المرتفعة تساعد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من خلال زيادة الاحتياطيات المالية الأجنبية للدولة، وتقديم دعم لعملتها، الروبل، في حال فرض عقوبات محتملة. ويقول: "بوتين يحتاج (أوبك) أكثر من أي وقت مضى".
ويمثل التهديد بغزو روسي لأوكرانيا أول اختبار جيوسياسي رئيسي لتحالف الطاقة السعودي مع روسيا.
اهتزاز الثقة
كانت موسكو والرياض في السابق عدوتين أثناء الحرب الباردة، لكنَّهما دخلتا في تحالف لإنتاج النفط في عام 2016 عندما أبرمت روسيا وحوالي 12 دولة أخرى اتفاقاً مع "أوبك" لتنظيم الإنتاج. أعطى الاتفاق نفوذاً جديداً في السوق لروسيا، وهي واحدة من أكبر ثلاثة منتجين للنفط الخام في العالم، وألزم السعودية، أكبر مصدر للنفط في العالم، بصفقات وقَّعتها مع موسكو.
جاءت الاتفاقية مع صعود نجم ولي العهد السعودي الشاب محمد بن سلمان، الذي فقد الدعم السياسي من الدول الغربية بعد مقتل الصحفي جمال خاشقجي، وسجن وتعذيب ناشطات في مجال حقوق المرأة، والأزمة الإنسانية في الحرب الأهلية اليمنية، التي تدخّل فيها السعوديون. وأقام الأمير محمد علاقات أوثق مع روسيا والصين، في حين قدّم مجموعة من المطالب للولايات المتحدة والتي لم تلبها واشنطن، بما في ذلك اللقاء المباشر مع بايدن.
في الوقت نفسه، اهتزت ثقة دول الخليج العربي الغنية بالنفط في الضمانات الأمنية الأمريكية. شعر السعوديون، على سبيل المثال، بالانزعاج بعد استهداف أهم منشآتهم النفطية في عام 2019 في هجوم ألقي باللوم فيه على إيران، ولم ترد الولايات المتحدة عسكرياً.
وبخلاف تحالفهم مع روسيا؛ لدى السعوديين أسباب للمضي قدماً بحذر في رفع إمدادات النفط؛ إذ ترى السعودية أنَّه لا يوجد اختلال بين العرض والطلب في سوق النفط بالقدر الذي يتطلب المزيد من الخام، وأنَّ الصعود الحالي في الأسعار ناتج فقط عن التكهنات حول أوكرانيا. وأشار تقرير صادر عن "أوبك" إلى فائض عالمي بمقدار 1.4 مليون برميل يومياً في الربع الأول، مثيراً المخاوف من تخمة المعروض.
أيضاً، لطالما كان السعوديون حذرين في الماضي من التحرك وحدهم عبر استخدام قوتهم السوقية، بما في ذلك في 2008 عندما تركوا الأسعار ترتفع لمستوى قياسي بلغ 147 دولاراً للبرميل، قبل أن تجلب الأزمة المالية العالمية الانهيار للأسواق.
وقال المسؤولون السعوديون، إنَّه إذا صعدت الأسعار لمستويات مشابهة لعام 2008؛ فقد يعيدون النظر في ضخ المزيد من النفط، خاصة إذا شعروا أنَّ الأسعار مرتفعة لدرجة يكون لها تأثير يقمع الطلب على المدى الطويل.
لكن من غير الواضح ما الذي قد يعيد السعوديون النظر فيه؛ فالأسعار المرتفعة تعطي السعوديين وفرة من النقدية من شأنها أن تساعد الأمير محمد على رؤية بعض مشاريعه الأكثر طموحاً تتحقق، بما في ذلك التحول في اقتصاد مصمم لتعزيز الصناعات غير النفطية.