بلومبرغ
أثارت اتفاقية الغواصات النووية المفاجئة بين أستراليا والولايات المتحدة وبريطانيا، حفيظة جيران أستراليا الآسيويين وغضب الفرنسيين، كما تُلاقي مقاومة لذلك في المدينة التي اختيرت لبناء الغواصات.
ألقت حكومة أستراليا طوق نجاة إلى مدينة أديليد، وهي مركز لبناء السفن في الجنوب قبل خمس سنوات، إثر إبرامها اتفاقية مع فرنسا بقيمة 36 مليار دولار لبناء غواصات تعمل بالديزل. أما اليوم فيتردد مئات العمال الذين كانوا يستعدون لصنع تلك الغواصات بشأن التعامل مع الطاقة النووية، وهم قلقون من أنهم يفتقرون للمهارات اللازمة للعمل.
أوضح بيتر بوير، وهو أمين سرّ للولاية لدى اتحاد عاملي قطاع الصناعة الأسترالي، أن الاتحاد يعارض تقليدياً الصناعة النووية. إلا أنه لم يحسم ما إذا كان العمّال سيتجنبون الغواصات النووية.
قال في مقابلة هاتفية: "تراود المخاوف الكثير من الأشخاص حيال وجود مفاعل نووي داخل غواصة راسية في ميناء أديليد"، مضيفاً أن منظمته لم تجر بعد استبياناً رسمياً.
أضاف بوير قوله: "نشعر بالقلق بسبب الغموض الذي يخيم على ما نقوم به... لم تقدّم لنا أي معلومات لنا حيال أي نوع من المراكب سنبني، ومدى انخراطنا في بنائه".
قواعد اللعبة
دافع رئيس الوزراء الأسترالي، سكوت موريسون عن الصفقة التي قال إنها "تغير قواعد اللعبة" في مجال الأمن الأسترالي إزاء العزم العسكري الصيني، مشيراً إلى أنها ستسهم في تعزيز الاستقرار في منطقة المحيط الهندي والهادئ. ومع اقتراب الانتخابات، يراهن موريسون على أن قلق الأستراليين حيال التهديد الذي تمثله بكين يتجاوز قلقهم حيال استخدام الطاقة النووية، وهو ما أثبته استطلاع للرأي.
هذه هي القطاعات التي قد تستهدفها الصين لمعاقبة أستراليا بسبب الغواصات
اعتبر 62% من الأستراليين الحكومة صائبة بسعيها لاتفاقية الغواصات النووية الحكومة، حسب استطلاع "غارديان إسنشل" الذي نشر الثلاثاء، رغم إقرار الغالبية بأن مثل هذه الصفقة سوف تؤدي إلى توتر العلاقات أكثر مع الصين. أيد المشاركون بالاستطلاع الغواصات العاملة بالطاقة النووية بهامش اثنين لواحد، وأعطوا تحالف موريسون تقدماً برقم من خانتين على حزب العمال المعارض، فيما يخص من يحظى بثقة الناخبين حول الأمن القومي.
علّقت ناتاشا قسام، مديرة معهد "لوي" للرأي العام وبرامج السياسة الخارجية التي سبقت أن شغلت منصباً دبلوماسياً كممثلة لأستراليا في الصين قائلة: "العديد من الأستراليين يعتبرون أن الصين تتصرف بعدوانية، ويشعرون بقلق متزايد حيال اندلاع نزاع عسكري... يمكن أن تستخدم أستراليا ذلك كذريعة لتبرير الطاقة النووية. فالأستراليون يؤيدون بشكل عام الإنفاق الدفاعي".
أغلبية هشة
اتجهت حكومة موريسون لحشد الدعم في جنوب أستراليا، حيث لديها أربعة مقاعد من أصل عشرة مخصصة للولاية في البرمان الوطني المؤلف من 151 عضواً. مع ذلك، لكلّ دائرة انتخابية أهمية كبرى، بما أن أغلبية التحالف الحاكم هشّة جداً، في وقت أظهرت استطلاعات الرأي الاتحادية تقدم حزب العمال المعارض قبل الانتخابات المزمعة في النصف الأول من 2022.
أعلن موريسون أنه تم اختيار أديليد لبناء ثماني غواصات على الأقل، أو بعض أجزائها في إطار برنامج يستغرق سنوات أو ربما عقد. تخطط حكومته خلال 18 شهراً أن تقرر تفاصيل مواصفات الأسطول بالتشاور مع شركائها.
من جانبه، قال رئيس الوزراء السابق، مالكوم تورنبول في خطاب تلفزيوني الأربعاء، إن الغواصات من الفئة الهجومية التي كان قد أبرم اتفاقية بشأنها مع الفرنسيين في 2016، كانت لتدخل الخدمة قبل ثمان سنوات من الموعد المتوقع أن تلامس به الغواصات النووية المياه في 2040.
أضاف "في غضون ذلك، سيعاد تأهيل الغواصات من فئة كولينز، حتى تتمكن من الاستمرار لعقد أضافي... فلنأمل أن يسير الأمر على ما يرام، مع ذلك لن يوصلنا هذا لعام 2040، بالتالي كيفما نظرنا إلى الأمور ستكون هناك ثغرة أكبر في الثقة".
التزام راسخ
أكد وزير المالية، سيمون بيرمينغهام، رداً على سؤال هذا الشهر حول ما إذا كان عمال بناء السفن في أديلايد سيفقدون وظائفهم، أن ثمة "التزام راسخ" بمساعدتهم على العبور إلى أدوار جديدة. كشفت الحكومة عن مشروع بقيمة 6 مليارات دولار (4.4 مليار دولار) لتمديد أمد حياة غواصاتها من فئة "كولينز" التي مرّ عليها الزمن بعد الإعلان عن اتفاقية الغواصات العاملة على الطاقة النووية. تخطط شركة "إيه إس سي" (ASC) التي تملكها الدولة لتعيين موظفين من البرنامج الفرنسي.
قال بيرمينغهام: "الأهم هو التزامنا الراسخ تجاه دعم العمالة المحترفة، سواء أكانوا مهندسين بحريين أو مصممين أو بنائي السفن، ليتمكنوا من العبور نحو البرامج الأخرى التي تُنشأ". أضاف أنه يتوقع توظيف 5 آلاف شخص في جنوب أستراليا ضمن قطاع بناء السفن بحلول 2030.
حرص موريسون إبان إعلان الاتفاقية على القول إن أستراليا لن تسعى لامتلاك الأسلحة النووية أو تأسيس قدرات نووية سلمية، حيث كانت استطلاعات الرأي على امتداد العقد الماضي قد أظهرت أن الأستراليين مترددون حيال تطوير الطاقة النووية.
أثارت صفقة الغواصات حماس مؤيدي الخيار النووي الذين يعتبرون أن الطاقة الذرية هي الحلّ الأنسب لمكافحة التغير المناخي في البلاد في ظلّ الضغوط على أستراليا للحدّ من انبعاثات الكربون في اقتصاد تسوده محطات وقودها الفحم. لكن رغم أن المفاعلات النووية لا تسبب أي انبعاثات، إلا أنها تواجه المشاكل عينها التي تواجهها الغواصات، ويتمثل ذلك بالتكلفة الرأسمالية الضخمة ومسألة التخلص من المخلفات بأمان، وهو أمر شائك سياسياً.
تحديات طاقم الصيانة
قد يَثبت أن مجرد بناء غواصات نووية قد يكون مهمة شاقة نظراً للطلب المرتفع على العمالة المحترفة حول العالم. فالمملكة المتحدة تحتاج إلى 20 ألف عامل في قطاع الدفاع النووي الخاص بها خلال العقد المقبل على الأقل، حسب تقرير حكومي.
فيما أن أستراليا لن تسعى لامتلاك الأسلحة النووية، إلا أن هذا الرقم يعدّ مؤشراً إلى عدد العمّال الذي ستحتاجه لصيانة أسطول غواصات نووية يوازي حجمه، ذلك الذي تملكه المملكة المتحدة، حسب إدوار أوبارد، مهندس المواد النووية في جامعة نيو ساوث ويلز الذي يسهم بالإشراف على برنامج ماجستير الهندسة النووية الوحيد في أستراليا. ينبغي أن يضمّ أولئك العمّال خبراء سلامة يحتاجون لخبرة تزيد على عقدين.
قال أوبارد، إنه لتحقيق ذلك، على أستراليا أن تبني جامعة تقنية وتطوير برامج جامعية بهدف إعداد اليد العاملة، بما أنه لا يمكن استقدام يد عاملة أجنبية لمثل هذه المشاريع الحساسة. في فرنسا على سبيل المثال، يتخرج سنوياً نحو 1400 تلميذ في مجال علوم وهندسة الطاقة النووية، أكثر من نصفهم يحملون شهادات ماجستير، وفق المعهد الدولي للطاقة النووية.
قال أوبارد إن العاملين بالطاقة النووية يحتاجون لخطط وظيفية خاصة، بالتالي يجب أن يبني القطاع قدرات محددة بدل أن يكون "مفتوحاً على نوع من قوى السوق الحرة... أعتقد أن سيطرة الدولة التقليدية الطراز والاستمرار في وظيفة واحدة مدى الحياة هي الطريقة الوحيدة لتحقيق ذلك في اعتقادي".