أصدرت "سي – سبان" قائمتها الجديدة لتصنيف الرؤساء الأمريكيين الذين مرّوا عبر التاريخ.
وكما أشارت في العنوان، وضع الخبراء من أكاديميين ومؤرخي شعوب وبعض العلماء السياسيين وغيرهم من الخبراء، الرئيس السابق دونالد ترمب في المرتبة 41 من أصل 44 رئيساً.
(لم يتم احتساب جو بايدن في التصنيف. والرئيس غروفر كليفلاند، الرئيس الوحيد الذي حكم لولايتين غير متتاليتين، تم احتسابه مرّة واحدة).
وهذا تصنيف أعلى ممّا كنت لأمنحه لترمب، على الرغم من أن الرؤساء الثلاثة في أسفل القائمة، "فرانكلين بيرس" و"أندرو جونسون" و"جيمس بيوكانان"، منافسون شرعيون على لقب أسوأ رئيس في تاريخ الولايات المتحدة.
تبدُّل المراكز
عدا عن ترمب، لا يوجد أي أمر أخر لافت في القائمة. فالرئيس جون كنيدي الذي يحتل المرتبة الثامنة، لا يزال تصنيفه عالياً بشكلٍ مستغرب، أمّا الرئيس "يوليسيس غرانت" فقد واصل تقدمه واحتل المرتبة 16 مسجلاً تحسناً مقارنةً بتصنيفه المنخفض غير العادل في القرن العشرين.
فيما يستمر "وودرو ويلسن" في التراجع، حيث احتل المرتبة 13، مع تقلص عدد الخبراء الذين يعتبرونه رئيساً عظيماً.
تصنيف "جيرارد فورد" في المرتبة 28 يبخس من قيمته، فيما تصنيف "جيمي كارتر" في المرتبة 26 مبالغ فيه.
وهنا لا بدّ أن أشير إلى أن هذه القائمة هي في أفضل الأحوال مجرد وسيلة ترفيهية تهدف للتشجيع على الاطلاع أكثر على التاريخ الأمريكي وطريقة عمل الحكومة.
وفي أسوأ الأحوال، هي محاولة أخرى لتعزيز النظرة إلى التاريخ والحكومة الأمريكية من منطلق يغالي في التركيز على الرئيس. لذا لا داعي لأن يأخذها أحد على محمل الجد كثيراً.
معايير التقييم
مع ذلك، هذه ليست طريقة سيئة لطرح الأسئلة حول الرئاسة. فقائمة "سي – سبان" تطلب من الخبراء تقييم الرؤساء استناداً إلى 10 جوانب أداء، بما يشمل قدرتهم على إقناع المواطنين، والقيادة في الأزمات، ومهاراتهم الإدارية وسلطتهم الأخلاقية.
وما لفتني في هذه الفئات، بالأخص بعد آخر بضعة رؤساء، كان مدى أهمية فئة لم يتم التطرق إليها، وأعني بذلك إدارة الائتلاف الحزبي.
فعلى الرغم من أنها ربما تكون مشمولة جزئياً تحت فئات أخرى، إذ على سبيل المثال في فترات الاستقطاب الحزبي، تتداخل "العلاقات مع الكونغرس" مع القيادة الحزبية، ولكن في الواقع الأمرين مختلفان تماماً.
وهذا الأمر بالغ الأهمية بما أن تبعاته تؤثر على ما يحصل بعد انتهاء ولاية الرئيس.
الإرث الرئاسي
ففي السنوات الأخيرة لوجود الرئيس في البيت الأبيض، نتحدث كثيراً عن الإرث الذي سيتركه لناحية السياسات التي يتم تبنيها، ولكن في الواقع الإرث الحقيقي لأي رئيس غالباً ما يتجلى من خلال المجموعات التي تكسب نفوذاً أكبر داخل الحزب والمجموعات التي تفقد نفوذها، ومن خلال الموظفين في الإدارة الذين يحققون تقدماً وظيفياً في خلال فترته الرئاسية.
يمكن ملاحظة الفشل على هذا الصعيد في عهد "جيمي كارتر"، الذي ترك حزبه غير مستعد نسبياً للحكم في المستقبل، ما كان وقعه كارثياً في السنوات الأولى من عهد الرئيس "بيل كلينتون".
وبالفعل، حرص "كلينتون" على تجنب تعيين أشخاص كانوا قد خدموا في إدارة "كارتر".
إلا أن الرئيس "باراك أوباما" ملأ إدارته بالموظفين من حقبة "كلينتون"، ومثله فعل "جو بايدن" مع الموظفين من إدارة "أوباما"، ما مكّن كلّ من "أوباما" و"بايدن" من الانطلاق بسرعة في ولايتيهما.
سياسات محافظة
لا يقتصر الأمر على الموظفين فحسب، فالرئيس "رونالد ريغن" عزز التيار المحافظ، ما جعل الرؤساء الجمهوريون الذين أتوا من بعده، بالإضافة إلى الجمهوريين في الكونغرس وفي حكومات الولايات أكثر جنوحاً نحو السياسات المحافظة.
ومن ناحيتهما، عمل "كلينتون" و"أوباما" على تمكين المرأة والمجموعات العرقية المهمشة تاريخياً، ما أسهم في تكوين حزب أكثر تنوعاً في عهد "بايدن".
إلا أن مثل هذا الأمر قد يحصل في الاتجاه المعاكس أيضاً، فعدم مبالاة الرئيس جورج بوش الابن بالحزب، أسهم في صعود رئيس مجلس النواب السابق "نيوت غينغريتش" والراديكالية التكتيكية (أو أسوأ) التي طغت في النهاية على التيار المحافظ القائم على السياسات. ثمّ أتى "ترمب" ليقضي عليه تماماً.
بالطبع، مثل أي تقييم آخر للرؤساء، يجب أن نتذكر دائماً أنهم لا يملكون سلطة مطلقة في أحزابهم، فالحزب يقيّد الرئيس، على الأقل بقدر ما يقود الرئيس الحزب. كما أن السياق السياسي العام مهم أيضاً.
مع ذلك، يملك الرئيس قدرات واسعة للتأثير على الحزب في حال صمّم على ذلك، سواء من خلال تعييناته أو توجيه الموارد لمصلحة مجموعة معينة وحرمان مجموعة أخرى منها.
بالتالي، فإن قيام الرئيس بمثل هذا الأمر والطريقة التي يعتمدها في ذلك يمكن أن يصبح الإنجاز الأهم في ولايته.