شراء غرينلاند بسبب المعادن الحرجة.. حماقة "ترمبية" جديدة؟

الضجة حول غرينلاند بدأت قبل 50 عاماً ومواقع الرواسب المعدنية القابلة للاستخراج قليلة

time reading iconدقائق القراءة - 8
صورة للطبقة الجليدية في كانغرلوسواك، غرينلاند - Getty Images
صورة للطبقة الجليدية في كانغرلوسواك، غرينلاند - Getty Images
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يشهد قطاع السلع الأولية حالة هوس كل بضع سنوات حول قرب اكتشاف مصدر جديد وغريب لإمدادات المعادن سيحل كل مشكلات نقص العرض في العالم. وهذه القائمة التي تثير الخيال تشمل مصادر تبدأ من أعماق المحيطات (التعدين في البحار العميقة) وتصل إلى الفضاء الشاسع (التعدين في الكويكبات).

الضجة الحالية تدور حول مصدر أكثر بساطة: غرينلاند، الجزيرة الباردة الواسعة، وكما يُقال، تتوافر فيها كل المعادن التي يحتاجها العالم. وتوجد بها ثروات معدنية هائلة لدرجة جعلت الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب يرغب في شرائها. العقبة تكمن في أن هذه الفرضية في غاية السخافة.

ذلك لأن مثل كل حكاية خيالية، تقوم القصة على جزء ضئيل من الحقيقة، فالجزيرة التي تُعد منطقة حكم ذاتي تابعة للدنمارك ويبلغ عدد سكانها 60 ألف شخص، بها بعض الرواسب المعدنية، بعضها يتوفر بمخزونات كبيرة، وهذا ليس بالأمر المفاجئ. فمن الناحية الجيولوجية، الجزيرة هي امتداد لقارة أميركا الشمالية، وما نعلمه أن الولايات المتحدة وكندا لديهما ثروات معدنية ضخمة.

مبالغة في ثروة غرينلاند المعدنية

لكن يجب مسامحة المراقبين المتشائمين إذا شعروا بأنهم رأوا هذا من قبل، إذ إن الضجة المثارة حول غرينلاند والسلع الأولية يعود تاريخها إلى 50 عاماً. ففي السبعينيات، كان النفط محور الاهتمام. وعادت الضجة إلى الظهور في أوائل العقد الأول من هذه الألفية بعد ارتفاع أسعار النفط وخام الحديد. وتكفي الإشارة إلى أن الجزيرة لم تستخرج برميلاً واحداً من النفط، وأن شركة التعدين التي اعتزمت تطوير رواسب خام الحديد أفلست.

اقرأ المزيد: بعد أزمة قناة بنما.. ترمب يجدد رغبته في شراء "غرينلاند" لضمان أمن بلاده

والآن ظهر الحماس للاستفادة من "كثرة الموارد الطبيعية الضخمة"، بحسب ما قاله جيه دي فانس، نائب الرئيس الأميركي المنتخب. لكن الأمر يعتمد على معنى كلمة "كثرة"، فوفق تعريفي للكلمة، فالمؤكد أنها لا تناسب حجم الموارد الطبيعية في الجزيرة، بل تُعد مبالغة كبيرة.

حدد مسح جيولوجي أجرته الدنمارك في 2023 خمسين موقعاً بها رواسب معدنية محتملة، يقع أكثر من نصفها شمال الدائرة القطبية، ما يجعل الاستفادة منها مسألة شاقة وباهظة التكلفة، إن لم تكن مستحيلة في الأساس. مع ذلك، يوجد عدد ضئيل من هذه المواقع في المنطقة الخالية من الجليد بالحافة الجنوبية لغرينلاند، ما يتيح الفرصة لتطويرها. إلا أن معظمها به مخزونات قليلة. ومن بين مواقع المخزونات الكبيرة المحتملة، ربما تُعد رواسب المعادن الأرضية النادرة في تانبريز الأكثر جدارة بالاهتمام.

رغم ذلك، حذر التقرير الجيولوجي من أن فرصة غرينلاند في تطوير مخزونات السلع الأولية ضئيلة جداً نظراً لارتفاع تكاليف الإنتاج، وأفاد بأن "الجدوى الاقتصادية لمخزونات غرينلاند قد تتزايد في المستقبل" إذا شهدت الأسعار ارتفاعاً كبيراً.

مخزونات محدودة من المعادن النادرة في غرينلاند

هنا تظهر الحاجة إلى الإقناع، فيقول المؤيدون إن الأسعار سترتفع بالطبع، ألا ترى أن الصين تسيطر على 90% من المعادن الأرضية النادرة في العالم، وأن بمقدور بكين وقف الإمدادات في أي وقت؟ بلى، رأيت ذلك، بل وشهدت الارتفاع الحاد في سعر الديسبروسيوم -أحد العناصر الأرضية النادرة التي عادةً ما توصف بأنها شديدة الندرة وبالغة الأهمية- في 2011 خلال موجة الهوس الماضية بالمعادن الأرضية النادرة، إذ قفز سعره 800% خلال أسابيع قليلة، قبل هبوطه بنفس السرعة تقريباً.

إن مصطلح "المعادن الأرضية النادرة" يشوبه بعض الخطأ، إذ إنها متوفرة بكثرة، إلا أن المشكلة تكمن في أنها نادراً ما تتوفر بتركيز كبير يستحق تعدينها. وحتى في حالة وجود تركيزات كبيرة، فإن استخراج المعادن من الخام عملية مكلفة وتسبب كثيراً من الانبعاثات الملوّثة، لذلك تسيطر الصين على السوق، والسبب في ذلك لا يقتصر على أن الدولة الآسيوية العملاقة تملك مخزونات تفوق أي بلد أخرى، بل لأنها لا تهتم بالأثر البيئي الناتج عن منشآت تنقية المعادن الأرضية النادرة.

اقرأ المزيد: الصين حطمت سوق "المعادن الحرجة"

هل توجد في غرينلاند مخزونات وافرة من المعادن الأرضية؟ ليس على مدى علمنا، فبحسب هيئة المسح الجيولوجي الأميركية -التي تُعد مصدراً موثوقاً في المجال- تحتوي الجزيرة على 1.5 مليون طن، ما يضع غرينلاند في قائمة أكبر 10 دول في العالم من حيث المخزونات، لكن بعد الولايات المتحدة بفارق كبير، وكذلك الصين والبرازيل وفيتنام والهند وأستراليا. والأرجح أن استخراج تلك المعادن في كل هذه الدول سيكون أكثر سهولة وأقل تكلفة مقارنةً بغرينلاند.

ارتفاع أسعار المعادن النادرة يدعم التعدين

ماذا عن الاعتبارات الجيوسياسية؟ سأوضح ذلك بهذه الصيغة: المعادن الأرضية ليست نفطاً، أو نحاساً، أو يورانيوم، أو غازاً طبيعياً. ففي 2023، بلغت القيمة الإجمالية لواردات الولايات المتحدة من العناصر والمعادن الأرضية النادرة 190 مليون دولار. كما أن ارتفاع سعر معدن أرضي نادر 50 ضعفاً قد لا يكون له تأثير يُذكر على الاقتصاد الأميركي، وعند هذه المستوى من الأسعار، ستجد الشركات الأميركية مشروعات عديدة داخل البلاد قبل أن تتجه إلى غرينلاند.

صحيح أن في حالة ارتفاع أسعار المعادن الأرضية النادرة، مثل الديسبروسيوم، مجدداً -والأهم أن تظل مرتفعة لمدة طويلة- ربما يكون الاستثمار في بعض المشروعات في غرينلاند منطقياً. لكن يجب افتراض أشد توقعات الأسعار تفاؤلاً، وفي الوقت نفسه، أن تغير المناخ سيجعل التعدين في غرينلاند أكثر سهولة من الفترة الحالية، وأن كل دولة أخرى لديها مخزونات من المعادن الأرضية النادرة لن تسارع إلى تطويرها، وإلا سيؤدي ذلك إلى هبوط الأسعار في السوق.

إن الأداء في الماضي لا يضمن النتائج في المستقبل، لكن على المستثمرين الحذر من الإغراءات الخطيرة في قطاع المعادن الأرضية النادرة، يكفي النظر إلى صندوق "فان إيك رير إيرث آند ستراتيجيك ميتالز" (VanEck Rare Earth and Strategic Metals) المتداول، الذي انخفضت قيمته بنحو 80% منذ إصداره في 2010.

دول أخرى أجدر بالاهتمام الأميركي

إذا لم تكن المعادن الأرضية النادرة في غرينلاند تستحق الوقت والمال، فهل توجد بها سلع أولية أخرى؟ لا أعتقد ذلك، وليس بالأسعار الحالية بأي شكل. لنأخذ الكوبالت مثالاً، فهو عنصر أساسي في صنع البطاريات التي تستخدمها "تسلا" وغيرها من شركات السيارات الكهربائية، إلا أن سعره يلامس أقل مستوى خلال 20 عاماً بسبب شركات التعدين الصينية، ما يعيق الاستثمار في كل الدول. والأمر نفسه ينطبق على النيكل، الذي يواجه تخمة في العرض بسبب زيادة إنتاج إندونيسيا، وكذلك خام الحديد.

اقرأ المزيد: إمدادات النيكل العالمية مهددة بالتراجع 35% بسبب إندونيسيا

أما النحاس، فربما يحظى بمستقبل مشرق، لكن إذا ارتفع سعره، فهناك دول كثيرة ستحقق مكاسب كبيرة وتقدم فرصاً أكبر للإنتاج مقارنةً بغرينلاند، التي توجد بها مخزونات ضئيلة جداً من المعدن الأحمر. كما يسري الأمر نفسه على المعادن الأشد صلابة مثل التيتانيوم والتنغستن والفاناديوم. بشكل عام، فإن الاحتياطيات المحتملة لهذه المعادن متوفرة بالقدر نفسه في دول أخرى، وبتكلفة إنتاج أقل.

إذا كانت الولايات المتحدة جادة بشأن إمدادات المعادن، فهناك دول أخرى أجدر باستعراض القوة الدبلوماسية، وتُعد جمهورية الكونغو الديمقراطية هي البلد الأشد أهمية بفارق كبير عن غيرها، إذ إنها موطن مخزونات هائلة مؤكدة من النحاس والكوبالت، المعدنان الأكثر أهمية من العناصر الأرضية النادرة، والقائمة تضم تشيلي وبيرو والبرازيل ومنغوليا وكازاخستان أيضاً.  لكن للأسف ولا واحدة منها معروضة للبيع، ولا غرينلاند كذلك.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
NAMEالمؤشرVALUEقراءة المؤشرNET CHANGEالتغيرCHANGE %نسبة التغير1 MONTHشهر1 YEARسنةTIME (GMT)الوقت2 DAYيومان
JBO1:COMالفولاذ344.00+3.50+1.03%0.00%-17.70%2025-01-21الفولاذ
LN1:COMالنيكل15,927.24-27.28-0.17%+4.79%+0.35%2025-01-21النيكل
LCO1:COMكوبالت24,275.000.000.00%-0.10%-15.78%2025-01-21كوبالت
LA1:COMألمنيوم2,646.56-51.39-1.90%+5.32%+23.60%2025-01-21ألمنيوم
HG1:COMنحاس (Comex)431.80-2.30-0.53%+5.16%+15.03%08:51:27.000نحاس (Comex)
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان
Javier Blas

Javier Blas

Energy and commodities columnist at Bloomberg.
للإتصال بكاتب هذا المقال:@JavierBlas

كوبنهاغن

2°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
18.5 كم/س
94%