ضغوط الحزب الليبرالي تجبر ترودو على التنحي بعد 9 سنوات في الحكم

تم تعليق عمل البرلمان حتى 24 مارس فيما يتم التحضير لانتخاب قائد جديد

time reading iconدقائق القراءة - 10
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو - بلومبرغ
رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو - بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو استقالته بعد أكثر من 9 سنوات في قيادة البلاد، مع تراجع شعبيته، وتفاقم التمرد داخل حزبه.

ترودو، البالغ من العمر 53 عاماً والذي يُعتبر حالياً صاحب أطول فترة حكم لأي دولة في مجموعة السبع (G7)، أعلن الإثنين عزمه على التنحي عن رئاسة الحزب الليبرالي الحاكم، على أن يظل في منصب رئيس الوزراء حتى يتم اختيار قائد جديد، بعد أن تم تعليق عمل البرلمان الكندي حتى 24 مارس لإتمام هذه العملية.

من المتوقع أن يصبح الفائز في سباق قيادة الحزب الليبرالي رئيس وزراء كندا الرابع والعشرين، وسيتعين عليه التحضير بسرعة لانتخابات يُعتبر فيها حزب المحافظين الطرف الأوفر حظاً للفوز، وفقاً لاستطلاعات الرأي.

التوقيت المحدد لإجراء تصويت وطني هو بحلول أكتوبر، لكن من المرجح أن يكون الموعد أقرب، حيث أعلنت الأحزاب المعارضة الثلاثة الرئيسية في البرلمان أنها ستدعم اقتراح حجب الثقة عن الحكومة. وإذا نفذت هذه الأحزاب تهديدها، فسيؤدي ذلك إلى إسقاط الحكومة وبدء الحملات الانتخابية للأطراف المتنافسة.

مستقبل ترودو مضطرب

أصبح مستقبل ترودو السياسي مضطرباً لعدة أشهر، حيث عجز عن وقف تراجع حزبه على المستوى الشعبي الذي تفاقم بعد صدمة التضخم، وارتفاع أسعار الفائدة، ما أثقل كاهل الأسر الكندية.

رحيله يجعل منه أحدث زعيم لاقتصاد متقدم يفقد قبضته على السلطة. فقد أُجبر الرئيس الأميركي جو بايدن على التخلي عن الترشح لإعادة انتخابه، بينما مُني حزب ريشي سوناك بهزيمة كبيرة في الانتخابات العامة بالمملكة المتحدة، ويبدو أن المستشار الألماني أولاف شولتس على وشك خسارة الانتخابات المقبلة.

بالنسبة إلى ترودو، جاءت الضربة القاضية من كريستيا فريلاند، نائبته ووزيرة المالية التي كانت يوماً ما من أقرب حلفائه. وفي 16 ديسمبر، صدمت البلاد عندما نشرت رسالة استقالة لاذعة انتقدته فيها بشكل غير مباشر؛ بسبب "الحيل السياسية المكلفة" في وقت تستعد فيه كندا لاحتمال نشوب حرب تجارية مع الولايات المتحدة.

أدت استقالة فريلاند إلى تأجيج استياء كان آخذاً في التشكّل داخل حزب ترودو. ضغط العشرات من أعضاء البرلمان المنتخبين في حزبه علناً وسراً عليه للاستقالة في ظل تدهور استطلاعات الرأي.

من بين المرشحين المحتملين لقيادة الحزب الليبرالي، كل من: كريستيا فريلاند، ودومينيك ليبلانك، صديق طفولة ترودو ووزير المالية الجديد خلفاً لفريلاند، ووزيرة الخارجية ميلاني جولي، ومارك كارني، المحافظ السابق لبنك كندا وبنك إنجلترا.

كارني الذي انخرط في السياسة الليبرالية منذ عودته إلى كندا في 2020، لم يسبق له أن خاض الانتخابات السياسية من قبل. ويشغل حالياً منصب رئيس "بروكفيلد أسيت مانجمنت" (.Brookfield Asset Management Ltd) و"بلومبرغ إنك" (.Bloomberg Inc). السباق قد يجذب أيضاً شخصيات خارج السياسة الفيدرالية، مثل كريستي كلارك، رئيسة وزراء كولومبيا البريطانية السابقة.

آفاق مشرقة

كان دخول السياسة جزءاً من مصير جاستن ترودو، إذ كان أول بيت ترعرع فيه هو المقر الرسمي لرئيس الوزراء، حيث وُلد خلال أول ولاية من الولايات الأربع لوالده في أعلى منصب سياسي في كندا.

عندما تولى قيادة الحزب الليبرالي في 2013، كان الحزب يعاني من أسوأ هزيمة انتخابية له في 2011، إذ خسر الناخبين التقدميين لصالح الحزب الديمقراطي الجديد اليساري.

أحاط ترودو نفسه بمستشارين شباب، ووضع خططاً لإضفاء الشرعية على الماريغوانا الترفيهية، وتنفيذ ضريبة كربون وطنية، وتعزيز المصالحة مع السكان الأصليين، والاستثمار بمليارات الدولارات في البنية التحتية.

كما وعد بسياسات مالية أكثر مرونة، بما في ذلك العجز في الميزانية، وبرامج تهدف إلى تقليل التفاوت.

بدعم من اسم عائلته المشهور، ومهارته في التواصل السياسي، جذب حشوداً إلى التجمعات، وأظهر نظرة إيجابية وصفها بـ"الآفاق المشرقة". بحلول يوم الانتخابات في أكتوبر 2015، تمكن من رفع الحزب الليبرالي من المركز الثالث إلى نصر انتخابي تاريخي، بدعم قوي من الناخبين الشباب.

كان ثاني أصغر شخص يتولى منصب رئيس وزراء كندا. عندما كشف عن أول حكومة له، ضمت عدداً متساوياً من الرجال والنساء. وعندما سُئل عن السبب، قال مازحاً: "لأننا في 2015".

لكن الحكم أثبت أنه أصعب من الفوز. انهارت أسعار النفط في العام السابق لفوز ترودو، ما أضعف الاقتصاد الكندي. ثم جاء انتخاب دونالد ترمب الذي هدد بتمزيق اتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية، التي أصبحت أساسية للسوق الكندية منذ ثمانينيات القرن الماضي.

كلف ترودو نائبته الموثوقة كريستيا فريلاند بالتفاوض مع إدارة ترمب. كان الاتفاق الذي أُبرم في 2018، وأبقى معظم أحكام الاتفاقية الأصلية، أحد أهم إنجازاته كرئيس للوزراء.

سنوات الأقلية

عندما استعد ترودو للترشح لولاية ثانية في 2019، اهتزت حكومته بفضيحة أخلاقية. اتهمت جودي ويلسون-رايبولد، المدعية العامة، أعضاء رئيسيين في الحكومة، بما في ذلك موظفي ترودو، بالضغط عليها للموافقة على صفقة مع "مجموعة إس إن سي-لافالين" (.SNC-Lavalin Group Inc) التي كانت تواجه اتهامات بالاحتيال والفساد.

فاز ترودو في انتخابات أكتوبر 2019، لكن الحزب الليبرالي فقد أغلبيته البرلمانية وحل ثانياً بعد المحافظين في التصويت الشعبي. وتفشت جائحة كورونا وتداعياتها في معظم سنواته المتبقية بالحكم.

مع انهيار الاقتصاد في عام 2020، أسرعت الحكومة بإطلاق برامج دعم ضخمة، ما أدى إلى تسجيل أكبر عجز في الميزانية في تاريخ كندا. بمجرد توفر اللقاحات، دفع ترودو بقوة نحو استخدامها، ثم دعا إلى انتخابات مبكرة في صيف 2021، حيث كانت تفويضات اللقاح قضية مثيرة للانقسام. فاز الليبراليون بأكبر عدد من المقاعد، لكنهم خسروا مجدداً التصويت الشعبي لصالح المحافظين.

الغضب من قواعد كورونا أثار احتجاجات في أوتاوا ومناطق أخرى في شتاء 2022. احتلت قافلة من الشاحنات العاصمة الكندية لمدة ثلاثة أسابيع، بينما أغلق متظاهرون آخرون جسراً رئيسياً يربط أونتاريو وميشيغان. لجأ ترودو إلى استخدام صلاحيات الطوارئ لتفريقهم. لاحقاً، أصدر قاضٍ قراره بأن هذا الإجراء كان تجاوزاً.

مخاوف تكلفة المعيشة

على الرغم من تلاشي قواعد اللقاحات، تركت الجائحة آثاراً من تضخم متصاعد وارتفاع في أسعار الفائدة، وهي ظاهرة عالمية ناجمة جزئياً عن تعطل سلاسل التوريد وحرب روسيا على أوكرانيا في فبراير 2022. شرع البنك المركزي الكندي في واحدة من أسرع دورات رفع أسعار الفائدة في تاريخه، ما أدى إلى ارتفاع كبير في مدفوعات الرهن العقاري لأصحاب المنازل، وكذلك في الإيجارات.

سرعان ما ضربت مخاوف تكلفة المعيشة شعبية ترودو، على الرغم من جهود حكومته في توسيع شبكة الضمان الاجتماعي عبر تقديم إعانة للأطفال، ورعاية نهارية مدعومة، ورعاية أسنان على المستوى الفيدرالي.

ألقى بعض الاقتصاديين باللوم على الحكومة بسبب استمرارها في الإنفاق المرتبط بالجائحة لفترة طويلة، وفشلها في ضمان مواكبة بناء المساكن لمعدلات الهجرة المرتفعة. في عام 2024، اتخذ ترودو منعطفاً جذرياً في سياسات الهجرة، محاولاً إبطاء الزيادة السكانية.

في المقابل، نظم المحافظون صفوفهم بعد ثلاث هزائم متتالية، وانتخبوا زعيماً يمينياً يتمتع بمهارة في وسائل التواصل الاجتماعي، بيير بوليفر (45 عاماً). ركز بوليفر على مجموعة محدودة من القضايا الاقتصادية، مهاجماً ترودو بشأن أزمة الإسكان وقضايا القدرة على تحمل التكاليف، ومثيراً معارضة لضريبة الكربون التي فرضها الليبراليون.

بدأ الناخبون في التحول بشكل حاسم ضد ترودو منتصف عام 2023، ومنذ ذلك الحين عجز عن تغيير تراجع مزدوج الرقم في استطلاعات الرأي أمام بوليفر.

في عام 2024، خسر الليبراليون انتخابات فرعية في معاقل تقليدية آمنة سابقاً في تورنتو ومونتريال، بالإضافة إلى مقعد متأرجح في كولومبيا البريطانية، ما أكد التغير في المزاج العام.

في سبتمبر 2024، انسحب الحزب الديمقراطي الجديد من الاتفاق الذي أبرمه في أوائل 2022 لدعم الحكومة في الانتخابات البرلمانية الرئيسية.

تصنيفات

قصص قد تهمك