بلومبرغ
قال رئيس كوريا الجنوبية يون سوك يول إنه سيرفع مرسوم الأحكام العرفية، مستسلماً لمعارضة البرلمان، بعد ساعات فقط من فرضه، في تحرك درامي هز الأسواق وفاجأ زعماء العالم الآخرين.
أشار يون في خطاب متلفز في وقت مبكر من يوم الأربعاء، إلى أنه سيقبل طلب الجمعية الوطنية (البرلمان) ويرفع الأحكام العرفية من خلال اجتماع لمجلس الوزراء، والذي قال إنه دعا إليه، لكن أعضاءه لم يصلوا بعد. ولفت إلى أنه سيرفع الأحكام العرفية فور انعقاده.
أذهل يون، 63 عاماً، الأمة والمشرعين والمستثمرين في وقت سابق بإعلان الأحكام العرفية، في خطوة عالية المخاطر زعم أنها ستمنع المعارضة من محاولة شل إدارته وسط صدع سياسي من المقرر الآن أن يتعمق بشكل ملحوظ. سيتم اختبار المستقبل السياسي للزعيم الكوري الجنوبي بعد تحركه الجريء، والذي فاجأ حتى أعضاء حزبه وحلفاءه الأجانب مثل الولايات المتحدة. دعت المعارضة في كوريا الجنوبية يون إلى التنحي.
الرئيس سيواجه مساءلة
وقال روري جرين، الخبير الاقتصادي في شركة الأبحاث "تي إس لومبارد"، والذي عمل ما يقرب من عقد من الزمان في آسيا، إن يون "محكوم عليه الآن بمواجهة المساءلة". وأضاف أنه سيتم إجراء انتخابات رئاسية بعد ذلك، ربما في أوائل الربع الثاني من عام 2025، وأن الحزب الديمقراطي المعارض سيكون "المفضل بقوة" للفوز.
وفي خضم التداولات الهزيلة في جلسة نيويورك، انخفض الوون بنحو 2.9% إلى 1444.65 مقابل الدولار عند إعلان الأحكام العرفية، قبل تقليص الخسائر بعد تعهد السلطات بالحفاظ على استقرار الأسواق المالية. وكان رد الفعل على تراجع يون، ينتظر افتتاح التداول في كوريا الجنوبية.
وفي خطابه التلفزيوني السابق، قال يون: "أطلب من الجمعية الوطنية التوقف فوراً عن الأعمال المتهورة المتمثلة في شل وظائف الدولة، من خلال المساءلة المتكررة والتلاعب التشريعي والتلاعب بالميزانية".
وبعد أن أعلن يون أنه سيرفع المرسوم، قالت هيئة الأركان المشتركة في كوريا الجنوبية إن قواتها التي تم تعبئتها لإعلان الأحكام العرفية، عادت إلى مواقعها الأصلية اعتباراً من الساعة 4:22 صباحاً، حسبما ذكرت وكالة "يونهاب". وأضافت أنه لم يتم رصد أي أنشطة غير عادية من كوريا الشمالية.
لعبة سياسية
نظر المحللون إلى هذه الخطوة باعتبارها لعبة سياسية محفوفة بالمخاطر، من المرجح أن تأتي بنتائج عكسية بدلاً من محاولة للعودة إلى الأنظمة التي يقودها الجيش في الماضي. ومع إبقاء حكومته وحزبه في الظلام، خلق يون لحظة فوضوية تركته معزولاً، وبعدته أكثر عن السيطرة على الأجندة السياسية في المستقبل.
في وقت مبكر من صباح الأربعاء، صوت 190 نائباً في البرلمان المكوّن من 300 مقعد، بالإجماع، للمطالبة برفع الأحكام العرفية.
وقال الرئيس إن تحركه كان يهدف إلى حماية الحرية والنظام الدستوري، وإنه لن يؤثر على السياسة الخارجية لكوريا الجنوبية، وسيساعد في القضاء على نفوذ أنصار كوريا الشمالية.
وأصدر الرئيس الكوري الجنوبي بياناً بعد الخطاب يحظر جميع الأنشطة السياسية والإضرابات، ويخضع وسائل الإعلام لسيطرة قيادة الأحكام العرفية. وتعرضت الأصول الكورية لضربة قوية خلال تداولات نيويورك.
اجتمع وزير المالية ورئيس البنك المركزي، ووعدا بتوفير سيولة غير محدودة للأسواق إذا لزم الأمر. وسوف يجتمع بنك كوريا في وقت مبكر من يوم الأربعاء، بعد أسبوع واحد فقط من خفض أسعار الفائدة المفاجئ الذي نجم جزئياً عن حالة عدم اليقين المتزايدة التي أحدثها فوز الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في الانتخابات.
وإضافة إلى الشعور بالفوضى، دعا أكبر اتحاد نقابي في البلاد إلى إضراب عام في تحدٍ لأمر يون.
فاجأ الإعلان الصادم بفرض الأحكام العرفية لأول مرة منذ تحول كوريا الجنوبية إلى الديمقراطية في عام 1987، حتى حزب يون نفسه. وأدان هان دونغ هون، زعيم حزب "قوة الشعب" الذي ينتمي إليه يون، هذه الخطوة وتعهد بوقفها، ما يضيف إلى عزلة الرئيس المتزايدة، ويظهر عدم لجوئه إلى التشاور في هذه الخطوة.
كما فاجأت هذه الخطوة البيت الأبيض، مما دفع نائب وزير الخارجية كيرت كامبل إلى القول إن إدارة الرئيس جو بايدن تراقب التطورات "بقلق بالغ".
أشهر من الجمود في البرلمان
جاء قرار يون المفاجئ بعد أشهر من المشاحنات والجمود في البرلمان بين حكومة الأقلية التي يتزعمها الرئيس، و"الحزب الديمقراطي" المعارض الرئيسي، ولكن لم يكن هناك توقعات بأن يتخذ الرئيس مثل هذه الخطوة.
كانت المعارضة تحاول فرض اقتراحها للميزانية من خلال البرلمان، وقد قدمت اقتراحاً بعزل المدعي العام الرئيسي بعد أشهر من محاولة محاكمة زوجة يون أيضاً. وإضافة إلى الخلاف السياسي المتوتر، واجه زعيم "الحزب الديمقراطي" العديد من القضايا في المحكمة، وأُدين الشهر الماضي بانتهاكات لقانون الانتخابات، مما منعه من الترشح للرئاسة إذا تم إقرارها بشكل نهائي.
وفي خضم المواجهة السياسية، استخدم يون حق النقض ضد سلسلة من مشاريع القوانين التي أقرها البرلمان، وأثارت غضب حزبه في بعض الأحيان. وأدى أحدث تصرف له إلى تصعيد التوترات بشكل كبير على المستوى المحلي، في حين خلق أيضاً حالة من عدم اليقين في الخارج بشأن آفاق أحد الموردين الرئيسيين لأشباه الموصلات في العالم، والحليف الرئيسي للولايات المتحدة في بيئة أمنية معقدة بشكل متزايد في آسيا.
على الرغم من أن أمر الأحكام العرفية استمر لأقل من يوم واحد، فإن عدم الاستقرار السياسي الذي سينشأ من المقرر أن يستمر لمدة عامين أو ثلاثة أعوام، وفقاً لما ذكره لي وون جاي، أستاذ علم الاجتماع في كلية كايست للدراسات العليا لتكنولوجيا الثقافة في دايجون.
وقال هان، زعيم حزب يون، في منشور على "فيسبوك": "لقد فقد مرسوم الأحكام العرفية تأثيره، لذلك من هذه اللحظة فصاعداً، فإن جميع مؤسسات الدولة التي تمارس القوة، بما في ذلك الجيش والشرطة في جمهورية كوريا، ملزمة بعدم اتباع التعليمات غير القانونية أو غير العادلة".
جاءت تحركات يون في وقت حساس بالنسبة للبلاد، إذ يواجه اقتصادها المعتمد على التجارة تعريفات جمركية محتملة من إدارة ترمب المقبلة. وتشير تقديرات "بلومبرغ إيكونوميكس" إلى أن فرض الرسوم الجمركية بالكامل على الصين وكوريا الجنوبية وغيرهما من شركاء الولايات المتحدة التجاريين، قد يؤدي إلى خفض صادرات سيؤول إلى الولايات المتحدة بنسبة تصل إلى 55%.
وفي الوقت نفسه، تواصل كوريا الشمالية إثارة التوترات الأمنية مع تعميق علاقاتها مع روسيا، بعد أن أرسلت آلاف الجنود إلى هناك للمساعدة في حرب موسكو ضد أوكرانيا. زار وزير الدفاع الروسي بيونغ يانغ الأسبوع الماضي، في أحدث علامة على المحادثات بين البلدين. قد تساعد روسيا في تزويد كوريا الشمالية بالتكنولوجيا الرئيسية لبرامج أسلحتها، بما في ذلك صواريخها الباليستية العابرة للقارات.
وقال دانييل ديبيتريس، الباحث في مركز "ديفنس برايوريتيز" (Defense Priorities): "لا ينبغي أن ننخدع، ما حدث غير مرتبط بكوريا الشمالية على الإطلاق، بل هو مرتبط بالسياسة الداخلية".
رد فعل الصين
قالت سفارة كوريا الجنوبية في منشور على وسائل التواصل الاجتماعي مساء الثلاثاء، إن الصين اقترحت على مواطنيها المقيمين في كوريا الجنوبية البقاء هادئين، وتجنب الخروج لأي شيء غير ضروري. كما طلبت السفارة من المواطنين الصينيين الامتثال للأوامر الرسمية من الحكومة الكورية و"توخي الحذر" بشأن مشاركة الآراء السياسية.
وقال أروب تشاتيرجي، الاستراتيجي في "ويلز فارغو" إن "حالة عدم اليقين المحلية تضيف إلى الضغوط الخارجية في الأسابيع الأخيرة، حيث بدأت السوق في تسعير ارتفاع التعريفات الجمركية الأميركية في ظل إدارة ترمب الجديدة".
وأضاف أن "كوريا اقتصاد مفتوح حساس للتحولات في الطلب العالمي على الصادرات، والآثار غير المباشرة من الصين الأضعف".
"يبدو أن إعلان الأحكام العرفية مدفوع في المقام الأول بالسياسة الداخلية وليس بالضغوط في العلاقة مع كوريا الشمالية".
بن باريس، خبير اقتصادي في "بلومبرغ إيكونوميكس"
بينما لا يزال من غير الواضح ما إذا كان إعلان الأحكام العرفية قصير الأجل سيخلف تأثيراً دائماً على الأسواق والاقتصاد، فإن الخطوة التي اتخذها يون، والتي تنطوي على مخاطر عالية، من المؤكد أنها ستزعزع الثقة في قيادته ومكانة بلاده الديمقراطية، في دولة حولها العديد من الجيران الشموليين.
قال ديبيتريس: "ينظر المسؤولون الأميركيون إلى كوريا الجنوبية الآن باعتبارها منارة للديمقراطية، لذا فإن قيام رئيس بمثل هذا التصرف السريع، أمر صادم وغير مسبوق بالتأكيد".
سيعقد مجلس النقد في بنك كوريا المركزي، الذي خفض سعر الفائدة الرئيسي بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي، اجتماعاً استثنائياً صباح الأربعاء، لمناقشة الخطوات اللازمة لحماية الاقتصاد والأسواق.
كتب المحللان في مجموعة "غولدمان ساكس" جوهون كوون وكاماكشيا تريفيدي في مذكرة يوم الثلاثاء: "من وجهة نظر السياسة في الأمد القريب، وبصرف النظر عن الاضطرابات في السوق، قد ينشأ عدم اليقين أيضاً في حالة حدوث تغييرات في مجلس الوزراء".