بلومبرغ
وضع كبار مساعدي الرئيس الأميركي جو بايدن مقترحاً لإنشاء صندوق سيادي يمكّن الولايات المتحدة من الاستثمار في مصالح الأمن القومي، بما في ذلك التكنولوجيا والطاقة والروابط الحيوية في سلسلة التوريد، وفقاً لمصدر مطلع على الجهود.
العمل الذي يقوده مستشار الأمن القومي جاك سوليفان ونائبه داليب سينغ، يعكس بشكل أو بآخر، المقترح الذي طرحه مرشح الرئاسة الجمهوري دونالد ترمب، يوم الخميس، الذي دعا إلى إنشاء صندوق استثماري حكومي لتمويل "المشاريع الوطنية الكبرى" في خطاب ألقاه أمام النادي الاقتصادي في نيويورك.
عمل سوليفان وسينغ على هذا المشروع لعدة أشهر من خلال جلسات عصف ذهني أسبوعية، والتقيا بخبراء اقتصاديين من مجلس الأمن القومي لمناقشة حجم الصندوق، وهيكله، وتمويله، وقيادته، والضوابط المحتملة.
تطوَّر العمل (في المقترح) لدرجة توزيع وثائق التخطيط بين موظفي البيت الأبيض والوكالات الرئيسية، حسب الشخص الذي طلب عدم الكشف عن هويته أثناء مناقشة مداولات داخلية. ومع ذلك، ورغم التقدم، لا تزال بعض التفاصيل الرئيسية غير واضحة، بما في ذلك هيكل الصندوق ونموذج التمويل واستراتيجية الاستثمار.
ورغم ذلك، فإن تأييد ترمب العلني للفكرة قد يوفر زخماً سياسياً من الحزبين لهذه المبادرة، التي ستكون جديدة نسبياً خارج البلدان التي تمتلك صادرات سلعية كبيرة وفوائض مالية، مثل الدول الغنية بالنفط في الشرق الأوسط.
مواجهة الصين
يعدّ التصدي لهيمنة خصوم الولايات المتحدة على الموارد الحرجة والتكنولوجيا الناشئة دافعاً رئيسياً وراء هذا المشروع، ويشعر المساعدون بالقلق من قدرتهم على الحصول على رأس المال بالسرعة والحجم المطلوبين كما تفعل الدول الأخرى. على سبيل المثال، استثمرت شركة الاستثمار الصينية "سي آي سي" بشكل كبير في الموارد الطبيعية، مستفيدة من احتياطيات النقد الأجنبي الصينية.
يسعى العاملون في هذا الجهد إلى إضفاء الطابع الرسمي على المقترح خلال الأشهر المتبقية من فترة بايدن الرئاسية. ويعتقد المساعدون أن مثل هذا الصندوق يمكن أن يعزز المصالح الأميركية من خلال توفير رأس المال الأولي أو الضمانات أو التمويل المؤقت للشركات التي تواجه منافسة صينية.
يعتقد مؤيدو الفكرة أن الصندوق يمكن الاستفادة منه لدعم التقنيات الناشئة التي تواجه عوائق دخول عالية، مثل بناء السفن، ومشاريع الطاقة الحرارية الجوفية والانصهار النووي، وتكنولوجيا التشفير الكمي. كما يرى مساعدو بايدن أن الصندوق يمكن أن يستخدم لإنشاء احتياطيات صناعية من المعادن الحرجة من خلال شراء عقود آجلة. وتجدر الإشارة إلى أن سينغ، أحد مهندسي المشروع، عاد مؤخراً إلى الإدارة بعد فترة عمل في شركة "بي جي آي إم" لإدارة الدخل الثابت.
هذا النهج لا يختلف عن الاستثمار الكبير في شركات التكنولوجيا من قبل بعض الدول الآسيوية، مثل استثمار شركة "تماسيك" السنغافورية في شركتي "مايكروسوفت" و"إنفيديا". ولكن استثمار "تماسيك" في شركة العملات المشفرة المفلسة "إف تي إكس" يظهر بعض المخاطر المرتبطة بهذه المشاريع.
معظم الصناديق السيادية الأخرى، مثل تلك الموجودة في الكويت والنرويج وأبوظبي، تأسست في منتصف القرن العشرين بفضل الفوائض المالية من عائدات النفط. ومع ذلك، فإن بعض الولايات الأميركية، بما في ذلك ألاسكا، ونيو مكسيكو، وتكساس، حققت نجاحاً في إنشاء صناديق استثمار حكومية خاصة بها بتمويل من موارد الطاقة والمعادن. كما أن دولاً أخرى مثل كندا وأستراليا قد أدارت صناديق ثروة سيادية بنجاح.
موافقة الكونغرس
إنشاء أي صندوق سيحتاج إلى موافقة الكونغرس، حيث من المرجح أن تشهد المعركة حول مصدر التمويل المحتمل جدلاً كبيراً. ولم يبدأ البيت الأبيض بعد في التواصل مع المشرعين بشأن الفكرة، رغم أنهم يخططون لمناقشتها مع الكونغرس والقطاع الخاص في المستقبل القريب.
في العام الماضي، اقترحت مجموعة من أعضاء مجلس الشيوخ من الحزبين، بقيادة الجمهوري بيل كاسيدي من لويزيانا والمستقل أنغوس كينغ من ولاية مين، إنشاء صندوق استثماري مع أرباح تساعد في تعزيز مزايا الضمان الاجتماعي.
تحظى فكرة إنشاء صندوق سيادي أميركي ببعض الدعم الخارجي. قال الملياردير مدير صندوق التحوط جون بولسون يوم الخميس إنه يدعم فكرة إنشاء الولايات المتحدة صندوقاً يفوق الـ1.7 تريليون دولار التي تستخدمها النرويج للاستثمارات.
وقال بولسون في مقابلة مع “بلومبرغ”: "سيكون من الرائع أن تنضم أميركا إلى هذا الزخم، وبدلاً من الديون، سيكون لدينا مدخرات". وأضاف: "سيكون هذا الصندوق، مع مرور الوقت، أكبر من أي صندوق موجود حالياً".
لكن النقاد يجادلون بأن الصندوق يمكن أن يُستغل للمشاريع السياسية للرؤساء، وقد يكون من الصعب تمويله، خصوصاً في ظل استمرار الدولة في تكبد عجز مالي كبير يساهم في ديون وطنية تتجاوز 35 تريليون دولار.
وقال ترمب في حديثه أمام قادة الاقتصاد الخميس، إنه يتصور أن الصندوق سيكون وسيلة لمعالجة قضايا الديون المستمرة، وسيتم تمويله من خلال خطته لفرض تعريفات جمركية على جميع الواردات.
وأضاف ترمب: "سنكون قادرين على الاستثمار في مراكز تصنيع حديثة، وقدرات دفاعية متطورة، وأبحاث طبية متقدمة، والمساعدة في توفير مليارات الدولارات من خلال الوقاية من الأمراض”. وقال أيضاً: "وكثيرون من الأشخاص في هذه الغرفة سيساعدون في تقديم المشورة والتوصيات للاستثمارات الخاصة بهذا الصندوق".