ديفيد فيكلينغ: القوى العظمى لا تأبه بقضايا تهم دول المحيط الهادئ

زعماء الجزر في المنطقة يريدون حلفاء يتعاملون مع أولوياتهم، مثل قضية المناخ

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة من الجو لإحدى الدول الجزر في المحيط الهادئ - Getty Images
صورة من الجو لإحدى الدول الجزر في المحيط الهادئ - Getty Images
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

في منطقة المحيط الهادئ التي اعتاد جيرانها اعتبار ولائها مضموناً، بات من اللافت للنظر ما يمكن لدولة صغيرة تحقيقه.

هذا ما أدركته حكومات الدول الجزر في المنطقة في السنوات القليلة الماضية، مع تحول تنافس دبلوماسي قديم بين الصين وتايوان إلى جبهة جديدة في سباق بكين وواشنطن على من تكون القوة العظمى في العالم.

فوجئ العالم في أبريل 2022 بتوقيع اتفاق أمني بين الصين وجزر سليمان، وهي عبارة عن أرخبيل جبلي تفتقر للتقدم تقع إلى الشرق من بابوا غينيا الجديدة. فاحتمال وجود قوات صينية على بعد أقل من 2000 كيلومتر (1250 ميلاً) من ساحل أستراليا، التي كانت المزود الرئيسي للأمن والمساعدات لجزر سليمان لعقدين، جسد المخاوف الحالية إزاء تواجد بكين.

وجاء الرد سريعاً. فقد اختارت وزيرة الخارجية الأسترالية، بيني وونغ، جزيرة فيجي لأول رحلة لها في الخارج بعد فوزها بالانتخابات في الشهر التالي. وبحلول يوليو، أصبحت كاملا هاريس، نائبة الرئيس الأميركي، أول عضو في البيت الأبيض يلقي خطاباً مباشراً لمنتدى جزر المحيط الهادئ، وهي قمة تجمع قادة المنطقة. وانتهى الاجتماع السنوي لهذا العام يوم الجمعة.

أزمة المناخ تهديد وجودي للدول الجزر

لم يكن هذا كافياً لوقف تقدم بكين. فقد رحبت حكومات جزر المحيط الهادئ إلى حد بعيد بهذا الاهتمام الذي تأخر كثيراً. ففي يناير، أصبحت ناورو أحدث الجزر التي تحوّل علاقاتها الدبلوماسية من تايوان إلى الصين. وسيتطلب إبطاء المزيد من التغول الصيني في المنطقة إلى الاستماع إلى مخاوف حكومات الجزر، لا سيما بشأن ما تراه أبرز قضاياها الدبلوماسية: الحماية من أزمة المناخ التي تهدد وجودها كدول.

تضم منطقة جزر المحيط الهادئ عادةً دولاً فقيرةً ونائيةً ومنخفضة عن سطح البحر على نحو غير متناسب، وتقع في مسار أعاصير مدمرة تزداد شدةً مع ارتفاع حرارة الكوكب. ونتيجة لذلك، فإن المناخ ليس مجرد مصدر قلق للمنظمات غير الحكومية الأجنبية المعنية بهذه القضية، وإنما أولوية أولى للقادة السياسيين. وهذا يجعل منظور دول المحيط الهادئ مختلفاً تماماً عن منظور دولة مثل الهند المترددة منذ فترة طويلة في تحديد أيهما له الأولوية: التنمية أم البيئة. وبالنسبة للمحيط الهادئ، لا ينفصل الاثنان. حيث يسهم تغير المناخ في كبح التنمية في هذه المنطقة تماماً مثلما تفعل الملاريا والأمراض الأخرى في أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. فكل موسم إعصار يدمّر منازل ومدارس وكنائس ومستشفيات. شطب "بام"، وهو إعصار من الفئة الخامسة اجتاح فانواتو والدول المجاورة في 2015، نحو ثلثي الناتج المحلي الإجمالي للبلد الصغير. وأضرت الشعاب المرجانية المبيِّضة جراء المياه الأكثر دفئاً بالحياة البحرية النظيفة التي تعتمد عليها الجزر لجذب السياح من أماكن بعيدة. كما أن هذه المادة المبيِّضة تقلص من الشعاب المرجانية التي تحمي الجزر الهشة من الأمواج المدمرة، ما يتسبب في تآكل اليابسة.

سباق الصين وأميركا وأستراليا في المحيط الهادئ

تفوقت حكومتا الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيز كثيراً عن أسلافهما فيما يتعلق بالاهتمام بقضايا المناخ. لكن هذه هي التكلفة التي يتكبدها السياسيون من خارج المنطقة ليُؤخذوا على محمل الجد عند إجراء مشاورات مع دول المحيط الهادئ. تتوقع كل من أستراليا والولايات المتحدة أن تزيد انبعاثاتها بشكل متواضع هذا العام، فكلتاهما على المسار الصحيح لتحقيق التخفيضات الكبرى الملحّة لتجنيب الدول الجزر مخاطر تغير المناخ.

وثمة فرصة هنا، مثلما كتب زميلي أندرياس كلوث، لكنها قد تكون عابرة. فالمنافس الصيني بعيد كل البعد عن كونه رائداً في مكافحة تغير المناخ. فالصين مسؤولة عن التلوث الناجم عن انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري على نحو أكبر من جميع الديمقراطيات الغنية في العالم، كما أنها ليست مزوداً سخياً بالمساعدات التي تحتاجها هذه الجزر على نحوٍٍ ملح لمواجهة الأضرار المتصاعدة من الكوارث المناخية. وعلى الرغم من عدم وجود أرقام رسمية، فإن دراسةً يابانيةً حديثةً قدرت مساعدات التنمية الصينية بين 5 مليارات و7.9 مليار دولار في 2022، وهو ما لا يزيد كثيراً عن عُشر ما تخصصه الولايات المتحدة، ويتساوى تقريباً مع ما تقدمه أستراليا ونيوزيلندا.

وإذا كانت الصين قد حققت تقدماً سياسياً ودبلوماسياً في المحيط الهادئ في السنوات القليلة الماضية، فغالباً ما يعود ذلك لعدم ممانعتها على نحو يذكر في التعامل مع مسؤولين يرى مواطنوهم أنهم فاسدون. (في استطلاع عام 2021 ، قال 61% من سكان جزر المحيط الهادئ إن الفساد يمثل مشكلة كبيرة، في حين ذكر ثلث المُستطلع آراؤهم أنهم يضطرون إلى دفع رشاوى، وذكر الربع أنهم عُرضت عليهم أموال مقابل أصواتهم في الانتخابات).

انقسام الجزر بين متوجّس ومرحب بالصين

دبلوماسياً، قامت الصين بمحاولات خرقاء للتحايل على المنتدى واستبعاد تايوان. وكانت النتيجة الرئيسية لمنتدى الأسبوع المنصرم هو اتفاقية أمنية تمثل فيما يبدو رداً على اتفاق الصين وجزر سليمان لعام 2022، كما مثّل صفعةً لبكين.

ومع ذلك، سيكون من غير الحكمة تعويل واشنطن وكانبيرا وولينغتون دائماً على عدم براعة الصين مثلما أشارت هذه الوقائع الثلاث. فعلى الرغم من أن انبعاثات الصين بلغت الذروة، فإن صادراتها من تكنولوجيا الطاقة المتجددة توفر فرصةً لاقتصادات الجزر لتوقف اعتمادها على الديزل والبنزين المستورديْن. وفي منطقة شديدة التنوع، يتساوى تقريباً عدد حكومات الجزر التي رحبت بإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين مع تلك التي رفضت مساعي بكين للتقرب منها.

وخلاصة القول، يريد قادة المحيط الهادئ رؤية حلفاء يعيرون أولوياتهم اهتماماً فيما يرتبط بقضايا المناخ والتنمية والهجرة. وإذا لم يتمكن جيرانهم الأكبر من مطابقة أقوالهم بالأفعال، فسوف يتطلعون إلى شركاء آخرين.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

بكين

5 دقائق

7°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
1.5 كم/س
59%