بلومبرغ
لم تفكر المحكمة العليا في الولايات المتحدة الأميركية من قبل في مسألة تمتع الرؤساء السابقين بالحصانة ضد المحاكمة الجنائية على أعمال قاموا بها عندما كانوا في السلطة.
وينتظر أن يستمع القضاة يوم الخميس، إلى مختلف الأسانيد في مشهد تاريخي ربما يقرر ما إذا كان دونالد ترمب سيحال إلى المحاكمة أمام محكمة فيدرالية في واشنطن، في دعاوى التحريض على أعمال الشغب في مبنى الكابيتول يوم 6 يناير، ومحاولة إفشال انتخابات عام 2020.
وفي مواجهة الاتهامات التي دفع بها المستشار الخاص جاك سميث، يحاجج ترمب بأن الدستور يمنح الرؤساء "حصانة مطلقة" ضد المحاكمة عن الأفعال الرسمية التي يقومون بها أثناء وجودهم في المنصب.
حكمت اثنتان من المحاكم الأدنى درجة ضد ترمب، واعتبرتا أنه يطلب حصانة لا وجود لها في الدستور، ولا في أحاديث الآباء المؤسسين للبلاد، ولا أي سابقة قضائية للمحكمة العليا.
"لا يوجد في الوقت الراهن ما يسمى بالحصانة الجنائية للرؤساء" بحسب كيمبرلي ويهل، أستاذة القانون في جامعة بالتيمور والتي يشمل تخصصها الفصل الدستوري بين السلطات.
وفيما يلي بعض الأمور التي تتعلق بهذه القضية:
ما تأثير ذلك على قضايا ترمب الجنائية؟
يدفع ترمب، وهو مرشح الحزب الجمهوري المفترض في الانتخابات الرئاسية 2024، بحجة كاسحة وشاملة قد يترتب عليها رفض القضية المرفوعة ضده في واشنطن.
كذلك قد يتبنى القضاة صيغة ضيقة من مفهوم الحصانة الرئاسية، مما قد يعيد القضية مرة أخرى إلى المحاكم الأدنى، حتى تقرر ما إذا كان أي من الادعاءات الموجهة ضد ترمب، مرتبطة بأفعال رسمية تستوجب حصانة قانونية.
وربما يكون لتوقيت قرار المحكمة العليا أهمية تعادل أهمية مضمونه. ففي وقت سابق، أشارت تانيا شوتكان، قاضية المقاطعة التي تشرف على قضية تزوير الانتخابات الفيدرالية ضد ترمب، إلى أنها ستمنح الجانبين مهلة شهرين استعداداً للمحاكمة التي قد تستمر شهرين أو ثلاثة أشهر.
تحد تلك المهلة من فرصة حسم مسألة الحصانة أو انتهاء المحاكمة بحلول يوم الانتخابات في 5 نوفمبر حتى يعرف الناخبون نتيجتها، على افتراض انطلاقها في موعدها المحدد.
اقرأ أيضاً: اتهام ترمب يفاقم الانقسام السياسي الأميركي
وهذه القضية واحدة من أربع قضايا يواجهها ترمب، منها قضية تتداولها بالفعل محكمة الولاية في نيويورك، وتتعلق بدفع رشوة لإحدى نجمات الأفلام الإباحية مقابل سكوتها.
ودفع ترمب أيضاً بالحصانة الرئاسية في تلك القضايا، حتى وإن تعلق كثير من هذه الادعاءات بسلوك يدعي أنه اقترفه عندما كان خارج السلطة.
ماذا يقول الدستور؟
لا ينص الدستور صراحة على أي شيء يتعلق بالحصانة الرئاسية. وقد لاحظ أحد قضاة المحكمة العليا المحافظين، هو كلارنس توماس، في إحدى القضايا المتعلقة بترمب في 2020: "إن نص الدستور يتناول صراحة الامتيازات الخاصة ببعض المسؤولين الفيدراليين، غير أنه لا يمنح الرئيس حصانة مطلقة".
ويشير ترمب إلى مادتين بالدستور يزعم أنهما يمنحانه ضمنياً حصانة ضد الادعاء الجنائي. الأولى هي تلك المادة التي ترد "السلطة التنفيذية" إلى الرئيس. ويقول ترمب إن تلك المادة، بالإضافة إلى المبدأ العام الذي يقضي بالفصل الدستوري بين السلطات، تعني أن قضاة المحاكم الفيدرالية ليس لهم أن يحكموا على أفعال الرئيس الرسمية.
غير أن سميث يقول إن النص لا يتضمن هذا المعنى، موضحاً أن المحاكم الفيدرالية أكدت منذ ما يزيد على قرنين، على امتثال الرؤساء للقوانين التي يصدرها الكونغرس الأميركي.
كذلك يستشهد ترمب بمادة القرار بتوجيه الاتهام التي تنص على إمكانية محاكمة الرئيس جنائياً بعد توجيه الاتهام له وإدانته برلمانياً، واحتج بأن تبرئته في مجلس الشيوخ بعد توجيه الاتهام إليه من مجلس النواب بالتحريض على هجوم 6 يناير على الكابيتول، لا تسمح بمحاكمته جنائياً.
يرد سميث على ذلك قائلاً إن تفسير ترمب لمادة القرار بتوجه الاتهام برلمانياً يقلبها رأساً على عقب. وأوضح أن نص المادة صيغ للتأكيد على إمكانية محاكمة الرئيس جنائياً بعد إدانته من مجلس الشيوخ، ولا يعني بذلك عدم إمكانية المحاكمة الجنائية للرئيس في حالات أخرى.
أحداث تاريخية قريبة
ترمب هو أول رئيس سابق للولايات المتحدة توجه إليه تهمة جنائية، لذلك ليس لهذه الحالة سابقة تعادلها تماماً. إلا أن اثنين من الرؤساء الآخرين واجها خطر التعرض للاتهام الجنائي خلال الخمسين عاماً الماضية.
الأول كان ريتشارد نيكسون الذي استقال من منصبه مجللاً بالعار في عام 1974 بعد فضيحة "ووترغيت". وبعد شهر من ذلك، أصدر الرئيس جيرالد فورد عفواً عن نيكسون، موضحاً أن الرئيس السابق "صار عرضة لخطر الاتهام الجنائي والمحاكمة في ارتكاب جرائم ضد الولايات المتحدة". وقبل نيكسون قرار العفو في يوم صدوره.
الرئيس الثاني هو بيل كلينتون، الذي توصل إلى اتفاق عندما كان يترك منصبه في 2001 مع المستشار المستقل روبرت راي لمنع إمكانية اتهامه جنائياً بسبب الكذب في شهادته بشأن علاقته مع المتدربة في البيت الأبيض مونيكا لوينسكي.
اقرأ أيضاً: كيف تؤثر مشكلات ترمب القانونية على ترشحه للرئاسة في 2024؟
ما هي السوابق القضائية الهامة؟
ربما كانت أهم السوابق القضائية هي حكم المحكمة العليا في عام 1982 في قضية نيكسون ضد فيتزجيرالد، الذي أكد أن الرئيسين السابقين يتمتعان بحصانة كاملة من الدعاوى المدنية على أفعال قاموا بها ضمن "الإطار الخارجي المحيط" بواجباتهما الرسمية.
ويحث ترمب المحكمة على أن تمد مظلة الحكم في قضية فيتزجيرالد حتى يشمل حماية الرئيس من الدعاوى الجنائية أيضاً.
تشمل القضايا الهامة الأخرى:
- قضية ماربوري ضد ماديسون (1803). رغم شهرة تلك القضية بترسيخ سلطة المحكمة العليا في إلغاء القوانين الفيدرالية باعتبارها غير دستورية، يجادل ترمب بأنها أيضاً تعطي حصانة جنائية، لأنها تؤكد على أن الأفعال الرسمية للرئيس "لا يسمح للمحاكم بالتحقيق فيها". غير أن محكمة استئناف فيدرالية رفضت هذه الحجة، مؤكدة أن رئيس المحكمة القاضي جون مارشال كان يقصد بذلك الأمور التي يحدد الدستور أنها تقع ضمن اختصاص الرئيس وصلاحياته.
- قضية ترمب ضد فانس (2020). في هزيمة لترمب بنتيجة 7-2، قررت المحكمة أن الرئيس، حتى ولو كان في منصبه، لا يتمتع بحصانة مطلقة ضد الاستدعاء الجنائي من قبل محكمة الولاية. وقد مهد هذا القرار لقيام هيئة محلفين كبرى في نيويورك بالاطلاع على دفاتر ترمب المالية.
- قضية الولايات المتحدة ضد نيكسون (1974). في سابقة تقدمت على حكم فانس، قررت المحكمة بالإجماع أن الرؤساء وهم في مناصبهم لا يتمتعون بحصانة كاملة ضد الإجراءات الجنائية الفيدرالية – والتي كانت في تلك الحالة استدعاءً بشأن تسجيلات سرية بالبيت الأبيض. وقد ترتب على هذا الحكم استقالة الرئيس نيكسون بعد نشر وإذاعة محتوى التسجيلات.
- قضية كلينتون ضد جونز (1997). في قرار آخر بالإجماع، حكمت المحكمة العليا بإلزام الرئيس كلينتون بالدفاع عن نفسه في الدعوى المدنية بالتحرش الجنسي بدلاً من أن تؤجل القضية حتى مغادرته المنصب.
هل يتمتع قادة الدول الأخرى بتلك الحصانة؟
في عدد من البلدان، يتمتع الرؤساء ورؤساء الوزارة والمستشارون بالحصانة ضد المساءلة عند قيامهم بواجبات الحكم، ولكن يسمح بمحاكمتهم عن الجرائم التي تتعلق بأفعال أخرى.
ففي فرنسا، لا يسمح بملاحقة أو محاكمة الرئيس في قضية جنائية حتى يترك المنصب. وقد حدث ذلك مع الرئيسين السابقين جاك شيراك ونيكولا ساركوزي، بشكل أساسي عن أفعال وقعت قبل أو بعد الفترة الرئاسية.
وفي إيطاليا، لا يسمح بمحاكمة الوزير أو رئيس الوزراء عن جرائم ارتكبت أثناء وجوده في المنصب إلا إذا وافق البرلمان على ذلك. وكذلك في ألمانيا يستطيع البرلمان رفع الحصانة بناء على طلب سلطات الادعاء بالنسبة لأعضاء المجلس التشريعي، أو للرئيس أو للمستشار (الذي لا يتمتع بالحصانة إلا إذا كان عضواً في البرلمان).
أما نيجيريا وغانا وكينيا، فهي لا تحصن رؤساءها ضد المحاكمة في الجرائم الجنائية والدعاوى المدنية إلا أثناء وجودهم في المنصب. وفي كوريا الجنوبية، يتمتع الرئيس وهو في السلطة بالحصانة، إلا إذا وجه إليه اتهام من قبل البرلمان. وبهذه الطريقة أصبح بارك غيون هاي أول رئيس للبلاد يعزل من منصبه، بعد إدانته في اتهامات بالفساد ثم العفو عنه بعد ذلك.