بلومبرغ
أجرت اسكتلندا في 2014 استفتاء على ما إذا كان يجب على عليها الانفصال عن المملكة المتحدة لتصبح الدولة الأحدث في أوروبا، وصوّت الإسكتلنديون للبقاء في الاتحاد القائم منذ 3 قرون مع إنجلترا وويلز بنسبة 55% مقابل 45%. مع ذلك، وعوضاً عن تسوية المسألة، استجمع الانفصاليون قوتهم وحشدوا مؤيديهم، وبفوزهم بأغلب مقاعد اسكتلندا في البرلمان البريطاني أصبحوا قوة سياسية أساسية. وفي حين أنهم يسعون لوضع أساس لإجراء تصويت آخر، إلا أن الحكومة في لندن رفضت إجراءه، وسدت المحاكم الطريق في وجه سعي اسكتلندا لإجراء استفتاء منفرد. وفي حدث غير متوقع، استقالت رمز حركة الاستقلال، نيكولا ستورجن، في 15 فبراير، مشيرة إلى أن الوقت قد حان لينال شخص آخر فرصة المحاولة. وبعدها بأربعة أشهر، أُلقي القبض عليها في إطار تحقيق عن تمويل الحزب.
1) لماذا تريد اسكتلندا الاستقلال؟
اتّحدت اسكتلندا وإنجلترا في 1707 لتشكلا معاً بريطانيا العظمى، لكن الأمتين احتفظتا بمجموعة من الاختلافات الثقافية والسياسية. يبلغ عدد سكان اسكتلندا 5.5 مليون نسمة، ويشكلون نحو 8% من عدد سكان المملكة المتحدة واقتصادها.
ينظر الكثير من الإسكتلنديين إلى حكمهم من لندن على أنه غياب جوهري لحق تقرير المصير. الاختلافات بين الأمتين أكبر من التنانير وموسيقى القرب الإسكتلندية، فاسكتلندا لديها نظم منفصلة، مثل النظام القضائي ونظام التعليم، ودوري كرة القدم، بل وحتى الأوراق النقدية. كما أن الحزب الوطني الإسكتلندي، الذي يقود حملة الاستقلال، يرغب أيضاً في إخراج أسلحة بريطانيا النووية من بحيرة تقع غرب اسكتلندا.
2) ألم يُناقش موضوع الاستقلال من قبل؟
أجل. لكن الحزب الوطني الإسكتلندي آلة انتخابية جبارة، إذ فاز في الانتخابات العامة السابقة في 2019 بثمانية وأربعين مقعداً من 59 مقعداً لاسكتلندا. وخلال الاستعداد لاستفتاء 2014، أشارت استطلاعات الرأي إلى فوز محتمل لصالح حملة الاستقلال، رغم التحذيرات القوية من التبعات الاقتصادية للانفصال، حيث رفضت الحكومة البريطانية السماح لاسكتلندا بأن تستمر في استخدام الجنيه الإسترليني بوصفه عملتها بعد الاستقلال، ما ساعد على تغيير رأي الناخبين. وفي السنوات التي تلت التصويت، أظهرت استطلاعات الرأي أن الناخبين الإسكتلنديين ما زالوا منقسمين إلى نصفين متساويين تقريباً، رغم ترجيح تصويت الجيل الأصغر لصالح الاستقلال بشكل أكبر.
3) ماذا تغير إذاً؟
"بريكست" بشكل أساسي، فبينما صوتت المملكة المتحدة ككل للخروج من الاتحاد الأوروبي في 2015، صوّت الإسكتلنديون للبقاء بنسبة 62% مقابل 38%. إلى جانب أن تولي حزب المحافظين للسلطة لأكثر من عقد أقصى الإسكتلنديين بشكل أكبر. تفاقمت المشاكل بسبب انفصال المملكة المتحدة الفوضوي عن التكتل الأوروبي، الذي ألحق أضراراً أيضاً بقطاع الصيد في اسكتلندا على الأخص بصورة كبيرة.
ستورجن، رئيسة الحزب الوطني الإسكتلندي، والتي ترأست الحكومة الإسكتلندية شبه الذاتية، أشارت إلى أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي منحها صلاحية جديدة لطرح مسألة الاستقلال مرة أخرى. يعتقد الانفصاليون أن الاستقلال عن المملكة المتحدة قد يؤدي لإعادة تأسيس العلاقات مع الاتحاد الأوروبي، رغم أن اسكتلندا ستحتاج لتقديم طلب لإعادة الانضمام للتكتل. ربما فشل القوميون الإسكتلنديون في سعيهم للاستقلال في 2014، لكن الأمر لم ينتهِ. فقد تنامت قوتهم، وزاد عددهم، ولديهم فرصة أخرى حالياً للضغط لنيل الاستقلال عن بريطانيا.
4) ما الموقف الحالي للحزب الوطني الإسكتلندي؟
صعّدت ستورجن الخلاف في يونيو 2022 بالمضي قُدماً في خطة لعقد استفتاء في تاريخ محدد، 19 أكتوبر 2023، لتسريع عملية فحص المحكمة العليا لمسودة القانون اللازمة. إلا أن أعلى قضاة المملكة المتحدة منصباً حكموا في 23 نوفمبر بأن اسكتلندا لا تملك سلطة إجراء هذا الاستفتاء منفردة. وردت ستورجن بخطتها البديلة: سيخوض الحزب الوطني الإسكتلندي الانتخابات العامة البريطانية المقبلة أو انتخابات البرلمان الإسكتلندي على أساس قضية الاستقلال وحدها، إلا أنه لم يتضح بعد كيف سيحدث ذلك. ما زال عديد من النشطاء في الحزب يحضون اسكتلندا على عقد استفتاء ثانٍ بغض النظر عن موافقة لندن عليه، رغم قول ستورجن أن أي استفتاء لا بد أن يكون شرعياً. تُعد ستورجين إحدى أبرز الشخصيات في المشهد السياسي البريطاني، والقوة الدافعة لحركة الاستقلال. لكن منذ تنحيها عن المنصب، خضع حزبها لتحقيق من الشرطة يخص شؤونه المالية. ويمثل الاقتصاد المتخلف عن ركب المناطق الأخرى في المملكة المتحدة التحدي الأكبر الذي سيواجهه خلَفها، حمزة يوسف، رئيس وزراء اسكتلندا.
5) هل هناك خطة لعقد استفتاء آخر؟
ليس بشكل فعلي، وتلك هي المشكلة. فطالما كررت حكومة المملكة المتحدة رفضها السماح بعقد استفتاء آخر، وقالت إن الاستفتاء السابق حدث يقع مرة واحدة في العمر. ويمكن للحكومة البريطانية الاكتفاء بالرفض طالما أرادت. الانتخابات العامة البريطانية المقبلة، والتي لا بد من عقدها قبل يناير 2025، قد تتمكن من حل المأزق.
يعد الحزب الوطني الإسكتلندي ثالث أكبر الأحزاب في البرلمان البريطاني، وفي حالة عدم فوز أي حزب بأغلبية المقاعد في البرلمان، قد يوافق الحزب الإسكتلندي على دعم حكومة يقودها، على سبيل المثال، حزب العمال، مقابل خطة لعقد استفتاء آخر على الاستقلال. وقد يتم التوصل إلى حل وسط يتضمن وضع مقياس لما يجب تحققه لعقد استفتاء ثانٍ، مثل إظهار استطلاعات الرأي تجاوز تأييد الاستقلال لنسبة 50% لأكثر من 12 شهراً، على سبيل المثال. مع ذلك، فإن حزب العمال أيضاً يعارض الاستفتاء ، وموافقته عليه تعني المخاطرة بنزاهة المملكة المتحدة في المستقبل.
6) كيف سيتحقق الاستقلال الإسكتلندي؟
هذا هو السؤال المهم. فالاستفتاء السابق أجبر السياسيين على كلا الجانبين على محاولة رسم صورة لاسكتلندا المستقلة. وكان التحدي الأكبر بعد "بريكست" هو كيفية التعامل مع مفهوم الحدود المشددة بين اسكتلندا وإنجلترا، في ظل البنية التحتية لمراقبة الحدود ومراجعة الوثائق، إلى جانب طول المدة التي ستستغرقها إعادة انضمام
اسكتلندا المستقلة إلى الاتحاد الأوروبي. تنشر الحكومة الإسكتلندية سلسلة من البحوث السياسية تفسر طريقة عمل الدولة المستقلة، بما في ذلك تأسيس بنكها المركزي. أُحيي البرلمان الإسكتلندي في إدنبره، المعروف باسم "هوليرود" (Holyrood)، مرة أخرى في 1999، بعدما تخلت الحكومة البريطانية عن الإشراف على مجالات السياسة العامة، مثل النقل والصحة. ويطالب الحزب الوطني الإسكتلندي وحلفاؤه بالاستقلال التام لإدارة الاقتصاد والسياسة الخارجية وإعادة الانضمام للاتحاد الأوروبي.
7) هل تملك اسكتلندا الموارد الكافية لتستقل؟
الأمر معقد. فمتوسط نصيب الفرض من الإنفاق العام في اسكتلندا كان أعلى 11% عن نظيره على مستوى المملكة المتحدة في عامي 2020 و2021، وفقاً للبيانات الحكومية، وكشف معهد الدراسات المالية الحكومية أن 67% من الإنفاق اليومي في اسكتلندا ممول مما يطلق عليه "المنحة الإجمالية" من إنجلترا.
يدعي حزب المحافظين أن الزيادات في الإنفاق العام ستعزز حاجة اسكتلندا للبقاء ضمن اتحاد بريطانيا العظمى. بلغ عجز الإنفاق العام في اسكتلندا 12.3% من الناتج المحلي الإجمالي في السنة المالية 2021- 2022. ومع ذلك، تستفيد الدولة من مخزونات النفط والغاز في بحر الشمال، إلى جانب مناطق الصيد الشاسعة، ولديها سجل حافل في الابتكار والخدمات المالية. كما أن اسكتلندا تجذب السياحة بقوة والشراب الإسكتلندي – المعروف باسم "سكوتش"- هو أهم صادرات المملكة المتحدة من الأغذية والمشروبات.