بلومبرغ
عندما انتُخب دونالد ترمب رئيساً في الولايات المتحدة الأميركية في عام 2016، اعتلى موجة جديدة من الشعبوية أدت إلى بروز فئة محدثة أزعجت النظام القائم، وتمكنت من الوصول إلى السلطة في ديمقراطيات عديدة حول العالم. استبعد الناخبون ترمب في 2020 بعد ولاية واحدة، لكن نفوذه السياسي والتيار الأوسع الذي رافقه لم ينحسرا.
لم يفز جميع المرشحين الذين دعمهم في انتخابات الكونغرس، أو انتخابات الولايات، أو الانتخابات المحلية، التي جرت في نوفمبر، لكن بعضهم نجح. وأعلن ترمب أنه سيرشح نفسه للرئاسة من جديد في عام 2024.
في أماكن أخرى، اكتسحت الأحزاب الشعبوية السلطة، أو زاد دعمها في عام 2022، من إيطاليا إلى السويد، فيما يراه البعض تشجيعاً للحكام الذين قد ينحون نحو الاستبداد، وتهديداً لقبول الديمقراطية في جميع أنحاء العالم.
1- ما هي الشعبوية؟
لا يوجد تعريف واحد لمن هو شعبوي. في الواقع، غالباً ما يطرح هذا المصطلح كشتيمة. وبشكل عام، هو يتضمن معارضة مبادئ الديمقراطية الليبرالية، والتي تشمل احترام حقوق الأفراد والأقليات، والرقابة على سلطات الحكومة.
طرح بنجامين موفيت، الأستاذ المساعد في كلية العلوم السياسية في الجامعة الاسترالية الكاثوليكية، ثلاثة محددات:
- نداء يوجه إلى "الشعب" في وجه نخبة يتم ازدراؤها.
- الاستخدام المتعمد لـ"الأخلاق السيئة" لإحداث صدمة لدى المؤسسة الحاكمة، والتسويق لرجل السياسة على أنه واحد من "الشعب".
- استخدام - أو افتعال - الأزمات لتبرير الدعوة إلى التمرد.
2- من أين أتت الشعبوية؟
يُعتقد بشكل عام أن الشعبوية الحديثة ظهرت في الولايات المتحدة في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، عندما حشد حزب الشعب فلاحين غاضبين وناخبين ريفيين معارضين للرأسمالية المطلقة في العصر المذهّب.
استخدم القادة الفاشيون في أوروبا أيضاً أدوات شعبوية، لكن الفاشية تقوم على التمييز، وتتطلب أيضاً عقيدة عنيفة وإديولوجيا قوية تقوم على القومية والتفوق العنصري.
أميركا اللاتينية شهدت موجات شعبوية بدأت في الثلاثينيات من القرن الماضي، كما شهدت آسيا بدورها موجات في التسعينيات.
3- لماذا يُعاد إحياؤها؟
القاسم المشترك هو الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008، حيث تراجعت الثقة بالقادة التقليديين في قدرتهم على معالجة المتغيرات في الاقتصاد العالمي، بما فيها التحول التكنولوجي وصعود الصين، وأتى ذلك بسبب تزايد الإحساس بعدم المساواة، والشعور بأن الاستجابة لانهيار الأسواق لم تكن عادلة، خصوصاً عمليات الإنقاذ لشركات "وول ستريت".
ما يزال هذا هو الحال، مع احتمال حدوث ركود عالمي في عام 2023، وهو ما لا يجعل الشعبوية ظاهرة اقتصادية بالضرورة.
يستفيد الشعبويون على نحو أكثر شيوعاً من مسائل العرق والهوية، وهذا يشمل قضايا التفويض، كالهجرة، مثلما فعل ترمب حين وعد ببناء جدار على طول الحدود بين الولايات المتحدة والمكسيك.
4- هل تنتمي الشعبوية إلى اليسار أم إلى اليمين؟
على خلاف الاشتراكية أوالفاشية أوالليبرالية، أو حتى أي نزعة إديولوجية أخرى، فإن الشعبوية لا تنتمي بطبيعتها إلى اليسار، ولا إلى اليمين.
جايير بولسونارو، رئيس البرازيل الشعبوي الذي خسر محاولة إعادة انتخابه في 2022، هو ضابط سابق محافظ. ورئيس المكيسك أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، يقدم نفسه على أنه اشتراكي راديكالي. وحركة النجوم الخمسة اليسارية التي وصلت إلى السلطة في إيطاليا عام 2008، كانت حركة شعبوية. وكذلك الأمر بالنسبة إلى جورجا ميلوني رئيسة حزب "أخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، والتي أصبحت رئيسة وزراء إيطاليا في أكتوبر.
5- هل يمكن أن تتعايش الديمقراطية مع الشعبوية؟
يصف بعض علماء السياسة الشعبوية بأنها مرض أو خلل يصيب الديمقراطية. ويقول الشعبويون إنهم ينقذون الديمقراطية بعد أن اختطفتها النخب.
يرى كاس مود، الأستاذ بجامعة جورجيا في الولايات المتحدة، أن الحقيقة تقع في مكان ما بين وجهتي النظر، إذ يقاوم الشعبويون الأشكال الكلاسيكية للديمقراطية القائلة بأن صاحب الأغلبية يأخذ كل شيء، ويرون أنها تعيق التعددية وتدعي تمثيل الإرادة المباشرة للشعب المعارض لهذه النخب اللاشرعية. وهو ما يساعد في تفسير ميل الشعبويين حال وصولهم إلى السطلة، للاصطدام سريعاً بالمحددات والتوازنات الديمقراطية، وخصوصاً المحاكم والإعلام.
6- كيف يمكن معرفة الشخص الشعبوي؟
إحدى الطرق تكمن في مراقبة السياسيين ومعرفة ما يهاجمونه. عندما كان ترمب رئيساً على سبيل المثال، دأب على وصف وسائل الإعلام التي تنشر "الأخبار الكاذبة" بأنها "عدو الشعب الأميركي"، كما شتم مراراً القضاة والمحاكم التي أصدرت أحكاماً مخالفة لسياساته.
اتهم الاتحاد الأوروبي رئيس الوزراء المجري، فيكتور أوربان، ومسؤولين في حزب القانون والعدالة الحاكم في بولندا، بتقويض استقلال أنظمة محاكمهم الوطنية.
كما هاجم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان استقلال القضاء والبنك المركزي ووسائل الإعلام في البلاد.
ربما شكل ترمب التجسيد المطلق لزعيم شعبوي عندما أنكر هزيمته في الانتخابات، وحاول قلبها بشكل واضح عبر تشجيع حشد من مؤيديه على مسيرة الكونغرس يوم 6 يناير 2021.
7- هل بلغت الشعبوية ذروتها؟
على الأرجح لا، حيث صعد الديمقراطيون القوميون المتطرفون في السويد للمرة الأولى كأكبر قوة في الانتخابات الوطنية، ثم فازت ميلوني بالانتخابات في إيطاليا.
لكن الصحيح هو أن تأثير الدومينو الذي توقعه العديد من الأحزاب المتطرفة بعد فوز ترمب واستفتاء المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي، لم يتحقق بالكامل.
في فرنسا، انتصر إيمانويل مكرون على الشعبوية من أقصى اليمين، مارين لوبين، في الانتخابات الرئاسية مرتين، بفضل دعم أحزاب الوسط السياسي. ومع ذلك، فإن 44% من أصوات الفرنسيين في الجولة الأولى من انتخابات عام 2022، ذهبت لأحزاب شعبوية من اليمين أو من اليسار.
في غضون ذلك، ظل ترمب هو المفضل شعبياً عندما أعلن ترشحه للرئاسة عن حزب الجمهوريين في انتخابات 2024، على الرغم من رغبة بعض أعضاء الحزب في أن يحمل شخص آخر هذا اللواء.