الشرق
أعلنت ليز ترَس أنَّها ستتنحى عن رئاسة الحكومة البريطانية بعد الحملة التي تعرّضت لها مؤخراً بسبب خطتها الاقتصادية والضريبية.
عقب استبدال ترَس لوزير المالية، الأسبوع الماضي، أُثيرت موجة من التكهنات بأنَّها هي نفسها في طريقها للاستقالة من منصبها بعد أن أدّت قراراتها خلال الفترة القصيرة التي تولّت فيها المسؤولية إلى هزة كبيرة في أسواق الأسهم والسندات، وخفّضت سعر الجنيه الإسترليني إلى مستويات غير مسبوقة، مما كبّد بنك إنجلترا الكثير من الأموال لدعم العملة.
ترَس أمضت 44 يوماً فقط في منصبها، لتصبح بذلك رئيسة الوزراء الأقصر ولايةً بتاريخ المملكة المتحدة.
صعد الجنيه الإسترليني والسندات البريطانية على خلفية استقالة ترَس من رئاسة الحكومة. في حين أعلن المتحدث الرسمي باسمها أنَّها تعتزم قيادة حزب المحافظين في الانتخابات.
اللافت للنظر أنَّ ترَس قالت إنَّه سيكون هناك رئيس وزراء جديد للبلاد خلال أسبوع، مما يشير إلى أنَّ "لجنة 1922" ستغيّر قواعد حزب المحافظين بهذا الخصوص لتجنّب تصويت آخر طويل الأمد من قبل الأعضاء.
كان هناك صخب متزايد يطالب رئيسة الوزراء المستقيلة بالتراجع عن قرارات 23 سبتمبر ، عندما أعلن وزير المالية السابق وقتها كواسي كوارتنغ عن أكبر مجموعة من التخفيضات الضريبية غير المموّلة في المملكة المتحدة خلال نصف قرن.
فزعت الأسواق، مما أدى إلى انخفاض الجنيه إلى مستوى قياسي مقابل الدولار، الأمر الذي أجبر بنك إنجلترا على التدخل الطارئ لدعم سوق السندات.
بعد رحيل كوارتنغ، زادت التكهنات على نحو متزايد باستقالة ترَس من منصبها، إذ كان السياسيان قد صوّرا أنفسهما على أنَّهما على علاقة وثيقة بالاقتصاد، وراهنا بسمعتهما على دفع شامل للنمو عندما أعلن كوارتنغ عن التخفيضات غير المسبوقة في نصف قرن، وذلك في 23 سبتمبر الماضي.
ثقب أسود
عكف المسؤولون على صياغة خيارات لرئيسة الوزراء ترَس تتعلق بكيفية تغيير المسار وسد الثقب الأسود البالغ 60 مليار جنيه إسترليني (68 مليار دولار) في المالية العامة للدولة والناتج عن برنامج خفض الضرائب، وفق تقديرات معهد الدراسات المالية.
قالت ترَس بعد ساعات فقط من عزلها كوارتنغ إنَّها قررت المُضي قُدماً في زيادة ضريبة الشركات، وهي خطوة من شأنها أن تعزز المالية العامة بمقدار 18 مليار جنيه إسترليني (20 مليار دولار).
انخفاض الجنيه
"أدى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى انخفاض التجارة بما يقرب من 20% في كلا الاتجاهين بين الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة. أدى ذلك أيضاً إلى تفاقم عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة. وتقلّص عجز الحساب الجاري في المملكة المتحدة إلى 33.8 مليار جنيه إسترليني أو 5.5% من الناتج المحلي الإجمالي في الربع الثاني، وهو ليس رقماً صغيراً وسيزداد مع تباطؤ الاقتصاد ودخوله في حالة ركود. لذلك؛ من المرجح أن ينخفض الجنيه في المستقبل"، وفق بيتي نادر المحللة المالية لدى "الشرق".
تعاني المملكة المتحدة من عجز مرتفع للغاية في الحساب الجاري والذي يحتاج إلى تمويل، مما يعني أنَّ الأجانب يشترون الأصول البريطانية وعادة ما تكون السندات، وفق نادر، التي أشارت إلى أنَّ العائد الحقيقي للسندات البريطانية سلبي، والعائد الحقيقي هو العائد الاسمي مطروحاً منه التضخم.
بلغ معدل التضخم 10.1%، والسندات على مدى 10 سنوات بلغ عائدها 3.87%، وهذا يعطي عائداً حقيقياً سلبياً للمستثمرين، وهو لا يحفز شراء السندات.
ثمة خياران لدى المملكة المتحدة من أجل قيامها بتمويل عجز حسابها الجاري، بحسب المحللة نادر. الأول؛ زيادة سعر الفائدة لجعله جذاباً للمستثمرين، إذ يؤدي ارتفاع أسعار الفائدة إلى رفع العائد على السندات البريطانية، ومع ذلك؛ هناك مشكلة تتمثل في أنَّ لدى بريطانيا نمواً منخفضاً للغاية يبلغ حوالي 1%، لذلك إذا قامت بزيادة أسعار الفائدة لجعل العائد الحقيقي إيجابياً، قد يؤدي ذلك إلى ركود عميق لأنَّ أسعار الفائدة المرتفعة ستعيث فساداً في اقتصاد منخفض النمو مثل الاقتصاد البريطاني.
هذا يترك المملكة المتحدة مع الخيار الوحيد، وهو السماح للجنيه بالتراجع حتى تبدأ الأصول البريطانية في الظهور على نحو جذاب للأجانب وتحفيزهم على شراء الأصول البريطانية بما في ذلك السندات وغيرها من الأصول مثل العقارات وما إلى ذلك، وفق نادر.