يعتاد الأوروبيون حضور مؤتمرات القمم الزخرفية من ذلك النوع الذي سيُعقد هذا الأسبوع في براغ، داخل أراضي القلعة التي بدأت منها حرب الثلاثين عاماً. سيحضر أربعة وأربعون من القادة الوطنيين -بما في ذلك الأصدقاء، والأصدقاء الأعداء، والأعداء القدامى- إلى الاجتماع الافتتاحي لما يسمى بـ"المجموعة السياسية الأوروبية".
طبيعة تلك المؤسسة وما ستصير إليه تحديداً ما زالت قيد الصياغة والإعداد، لكن الفكرة هي تذكير معظم الأوروبيين (لم تُدْعَ روسيا وبيلاروسيا) بأنهم يتشاركون شيئاً أسمى من الجغرافيا، أي المُثُل والمصير المشترك.
هذه هي الرؤية على أي حال. وقد تصورها إيمانويل ماكرون، رئيس فرنسا، مثلما يكون في العادة هذا النوع من الإلهام المحلق. لقد توصل إليها عن قناعة بأن جميع الهياكل الأوروبية الأخرى متصدعة للغاية بحيث لا يمكنها مساعدة قارة تمزقها الحروب والنزاعات الحدودية والأزمات المتنوعة في مجالات الطاقة والهجرة والاقتصاد.
من هذه الزاوية فإن ماكرون على حق، فمجرد إعداد قائمة بهذه المؤسسات الأخرى يُعَدّ أمراً مربكاً. ويبدأ ذلك مع نوادٍ مثل "مجلس أوروبا" (وهو لا علاقة له على الإطلاق بـ"المجلس الأوروبي") و"منظمة الأمن والتعاون في أوروبا" (التي تضم حتى الدول غير الأوروبية وروسيا، أكبر دولة داعية للحرب في القارة). وعلى رأس القائمة الاتحاد الأوروبي، الذي من المفترض أن يكون أعظم مشروع سلام في التاريخ، ومن المفترض نظرياً أن يدمج الدول الأعضاء تدريجياً -حالياً 27 دولة- لتصبح الولايات المتحدة الأوروبية.
عيوب بالاتحاد الأوروبي
لا يتطلب الأمر رجلاً مثل ماكرون ليدرك أنه لا يوجد أي من هذه المجموعات لتكون مرنة أو قوية بما يكفي لحل أكبر مشكلات أوروبا. الاتحاد الأوروبي، على سبيل المثال، معقد مؤسسياً لدرجة أنه من الصعب حساب عدد الرؤساء فيه (ربما نحو 10). قد يكون في مجالات السياسة مثل التجارة قوة عظمى، ولكن في معظم المجالات الأخرى -لا سيما الدفاع- هو تابع.
إنّ العيوب في تصميمه كثيرة، لا يستطيع الاتحاد الأوروبي طرد الأعضاء المخطئين (مرحباً، هنغاريا)، وهو غير نافع عندما يريد بلد ما المغادرة طواعية (إلى اللقاء أيها البريطانيون). وفي عديد من القضايا الهامة يمكن لأي دولة عضو مارقة أن تستخدم حق النقض ضد جميع القرارات. من ناحية أخرى، تُعتبر معاهدات الاتحاد الأوروبي غامضة، فهي تحتوي على بند دفاع مشترك لا يعتمد عليه أحد، فعلى سبيل المثال هذا هو سبب انضمام جميع دول الاتحاد الأوروبي إلى "الناتو" باستثناء ست دول.
في الاتحاد الأوروبي عيب آخر، وهو أنه يستبعد كثيراً من الدول الأوروبية. أصبحت تركيا رسمياً مرشحة للانضمام إلى الكتلة في عام 1999، لكنها تخلّت عن أي أمل في الانضمام منذ فترة طويلة، وقد لا تتوقف أبداً عن استيائها، فيما يخشى عديد من دول البلقان من أنها باتت عالقة في نفس نمط الانتظار هذا. والأسوأ من ذلك، من وجهة نظرها، هو أن أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا -التي يريد الاتحاد الأوروبي دعمها ضد تهديدات روسيا- قد تتجاوز دول البلقان في قائمة الانتظار.
يبدو أن ماكرون يأمل في أن تقوم "المجموعة السياسية الأوروبية" يوماً ما بعمل أفضل. وقد جرى إطلاقها بوصفها مؤسسة ذات "قانون غير ملزم"، ويمكن أن تنضج لتصبح نادياً يمكن للأعضاء الدخول إليه وكذلك مغادرته، لكن دون عرقلة أو تخريب. وقد توفر أيضاً منبراً قارياً للبريطانيين، والأتراك، والسويسريين، والألبان، والجورجيين، وجميع الآخرين الذين لا يستطيعون أو لن ينضموا إلى الاتحاد الأوروبي. لقد تقرر بالفعل عقد الاجتماع القادم لـ"المجموعة السياسية الأوروبية" في مولدوفا.
نيات حسنة
وبقدر ما تكون نيات ماكرون حسنة فإن أوروبا لن تكفّ عن كونها أوروبا لمجرد أنها حصلت على مؤسسة أخرى. فإحدى الدول الممثلة في براغ، وهي أوكرانيا، تقاتل حفاظاً على وجودها ذاته ضد دولة أوروبية غازية. ودولتان أخريان -أرمينيا وأذربيجان- كانتا في حالة حرب بعضهما ضد بعض فقط في الشهر الماضي.
ودولتان -هما تركيا واليونان- يمكن أن تتورطا في أي لحظة في حرب مع احتمال تتورط قبرص بينهما، فيما يشكّ المقدونيون الشماليون والألبان والبوسنيون وغيرهم من البلقان في أن "المجموعة السياسية الأوروبية" هي مجرد ترضية من ماكرون لأن أحداً لا ينوي السماح لهم بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبي الأصلي. في غضون ذلك، ينكر الضيوف من صربيا أن يكون لدى أولئك القادمين من كوسوفو دولة يمثلونها.
لذا، نعم، سيكون من السهل السخرية من هذا المؤتمر القاري، من جنون العظمة الذي يعاني منه ماكرون في اقتراحه بانتظام وحوش جديدة مصنوعة من الورق، ومن الأوروبيين المنقسمين كما كانوا دائماً. لذا، ستكون السخرية سهلة للغاية.
أما وجهة النظر الأكثر كرماً فهي أن ماكرون وقادة أوروبيين آخرين يرفضون التخلي عن حلمهم في السلام، والأمن، والوئام في القارة، حتى في الوقت الذي يهدد فيه رئيس أوروبي، ألا وهو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الآخرين بحرب نووية . لن يكون مؤتمر هذا الأسبوع "صلح وستفاليا" آخر أو "مؤتمر فيينا". ولن يحل مشكلات القارة، ولن يوحد الدول المنقسمة أو يهدئ العدواني، لكنه يستحق الاهتمام والدعم. ففي أوقات مثل زمننا يكون التجمع في سلام أفضل بكثير من عدم التجمع على الإطلاق.