بلومبرغ
تُعد تايوان، الغنية والديمقراطية ذات الموقع الاستراتيجي قبالة السواحل الصينية، القضية الأكثر اضطراباً منذ فترة طويلة بين الولايات المتحدة والصين، اللتين تجنبتا صراعاً خطيراً وتركتا سؤالاً لم يُحسم بعد حول من يسيطر على الجزيرة بالفعل.
أصبح من الصعب تجنب السؤال في ظل تصعيد الجيش الصيني تدريباته بالقرب مما يراه الرئيس شي جين بينغ أراضي مفقودة من بلاده، ويقف في طريق عودتها أسطول المحيط الهادئ الأميركي والناخبون التايوانيون، الذين رفضوا بشكل قاطع توثيق العلاقات مع بكين في انتخابين متتاليين. وأظهرت زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي، نانسي بيلوسي في أغسطس الماضي رد فعل غاضب من الصين يؤكد مدى التوتر في التنافس المتنامي بين القوى العظمى.
1- لماذا تُعتبر تايوان مهمة جداً؟
تنافست الإمبراطوريات على تايوان لعدة قرون. فقد تعرضت لاحتلال إسبانيا وهولندا وأسرة تشينغ الحاكمة في الصين، التي تسببت خسارتها تايوان أمام اليابانيين عقب هزيمة عسكرية مهينة عام 1895 في إطلاق صرخة "إعادة التوحيد" الحاشدة لأجيال من الصينيين، من بينهم شي. أما بالنسبة للولايات المتحدة واليابان، تُعد تايوان معقلاً حيوياً وسط أرخبيل من الجزر ويعتمدان عليها لاحتواء الصين وحماية طرق التجارة. كما ازدهرت تايوان تحت الحماية الأميركية وأصبحت مورداً مهماً لأشباه الموصلات وغيرها من المنتجات عالية التقنية. واليوم، أصبحت الجزيرة، التي يبلغ عدد سكانها 23.5 مليون نسمة من الديمقراطيات الأكثر حيوية في آسيا، ورداً على حجج الحزب الشيوعي بأن الهياكل السياسية الغربية لا تتوافق مع الثقافة الصينية.
2. لماذا التنازع على الجزيرة؟
تعود المعركة إلى نهاية الحرب الأهلية الصينية في 1949، عندما تخلى شيانغ كاي شيك، زعيم "الحزب القومي"، الذي حكم الصين بعد الإطاحة بأسرة تشينغ في 1912، عن البر الرئيسي لصالح الشيوعين بقيادة ماو تسي تونغ. وقتها دعمت الولايات المتحدة شيانغ زعيماً شرعياً للصين حتى السبعينات، عندما سعى الرئيس ريتشارد نيكسون إلى إقامة علاقات مع بكين، وكانت النتيجة "سياسة الصين الواحدة"، ومن خلالها اعترفت واشنطن بجمهورية الشعب باعتبارها "الحكومة الشرعية الوحيدة للصين"، دون أن توضح موقفها بشأن سيادة تايوان. في المقابل، تسامحت الصين مع العلاقات الأميركية غير الرسمية مع تايبيه، بما في ذلك مبيعات الأسلحة بشروط معينة، مع التأكيد منذ ذلك الحين على حقها في الاستيلاء على تايوان بالقوة لمنع استقلالها.
3. لماذا تتصاعد التوترات مرة أخرى؟
أدى انتخاب الرئيسة التايوانية، تساي إنغ وين في 2016 إلى قلب جهود بكين لتعميق العلاقات الاقتصادية والاجتماعية مع الجزيرة، حيث ترفض تساي، المنتمية لـ"الحزب الديمقراطي التقدمي"، المؤيد للاستقلال، سياسة "الصين الواحدة". وسعت إلى تعزيز العلاقات الأميركية لتقليل الاعتماد على الصين. في المقابل، ردت بكين بقطع الاتصالات، ومنع السفر، واستئناف الجهود لإبعاد الشركاء الدبلوماسيين القلائل المتبقين لتايوان، والضغط على الشركات متعددة الجنسيات لمراجعة سياساتها في التعامل مع تايوان كدولة.
بالإضافة الى ذلك، أجرت الصين مناورات عسكرية واسعة النطاق واختبارات صاروخية حول الجزيرة بعد زياتها في أغسطس من قبل بيلوسي التي تمثل أحد الشخصيات الأميركية المعادية للصين في الكونغرس منذ فترة طويلة. لكن البيت الأبيض أصر على عدم تغيير السياسة الأميركية تجاه الجزيرة. كما أرسلت القوات الصينية بشكل متكرر طائرات عسكرية إلى منطقة الدفاع الجوي التايوانية.
"غولدمان ساكس": التوتر الصيني التايواني يتصاعد إلى أعلى مستوى في عقد
استخدم الرئيس الأميركي، جو بايدن مراراً لهجة تعكس التزام الولايات المتحدة بدور أكبر في أي نزاع تايواني، أكثر مما يقره القانون. وكان أكثر وضوحاً في سبتمبر عندما قال إن الولايات المتحدة ستلزم قواتها العسكرية بالتدخل في حالة "هجوم استثنائي" من جانب الصين، ما يُعد خروجاً مهماً عن السياسة الأميركية التقليدية التي تتبع "الغموض الاستراتيجي"، وتهدف إلى ردع الصين من خلال الغموض بشأن نوايا الولايات المتحدة. بينما أصر مسؤولو البيت الأبيض من جديد على عدم تغيير سياسة الولايات المتحدة تجاه الجزيرة.
ومن جهتهم، بدأ المسؤولون الصينيون يؤكدون في اجتماعاتهم مع نظرائهم الأميركيين على أن مضيق تايوان لا يعتبر مياه دولية، ما يثير القلق بشأن مزيد من الحزم الصيني في محاولة ردع البحرية الأميركية عن الإبحار في الممر المائي.
4. إلى أين يمكن أن يؤدي النزاع؟
عاد الصدام بين الولايات المتحدة والصين حول تايوان للظهور من جديد كواحد من أكبر المخاطر الجيوسياسية في العالم، وفقاً لمحللي الدفاع. ومع وجود العديد من الدوافع لدى القوتين النوويتين لتجنب الحرب، فإن التصعيد العسكري الصيني السريع زاد من مخاطر سوء التقدير، حيث أطلقت في أغسطس 2020 صواريخ "قاتل حاملات الطائرات" على بحر الصين الجنوبي، في تحذير واضح من احتمال تهديد جيشها حاملات الطائرات، التي طالما اعتمدت عليها واشنطن لإظهار القوة، فيما قال دبلوماسي صيني في 2017 إن زيارة سفينة حربية أميركية قد تكون سبباً لشن هجوم.
الصين تردّ بإجراءات انتقامية على زيارة بيلوسي لتايوان
5. كيف ردت الولايات المتحدة؟
أشرف دونالد ترمب، سلف بايدن، على توسع كبير في العلاقات مع حكومة تايبيه، بما في ذلك بيع أول طائرة مقاتلة منذ ثلاثة عقود. وسعت إدارة بايدن إلى الحفاظ على ذلك التحول، وانتقدت ما وصفته "بتصرفات الصين العدوانية" في مضيق تايوان. كما أجرت محادثات تجارية مع تايبيه، ووافقت على بيع أسلحة، وأجرت تدريبات بحرية في المياه القريبة. رغم ذلك، أشار بايدن إلى مناقشته في مكالمة هاتفية مع شي في سبتمبر 2021 ضرورة الالتزام بالاتفاقيات القائمة بشأن تلك القضية.
في أحدث تحدٍّ للصين.. الولايات المتحدة تجري محادثات اقتصادية مع تايوان
6. ماذا تريد الصين؟
رغم أن الحزب الشيوعي لم يحكم تايوان أبداً، لكنه يعتبر السيطرة على الجزيرة أمراً ضرورياً لاستكمال هدفه المتمثل في عكس مسار "قرن إذلال" الصين من القوى الاستعمارية.
أظهر الرئيس شي استعداداً متزايداً لتأكيد السيادة من بحر الصين الجنوبي إلى هضبة الهيمالايا وهونغ كونغ. وقامت الصين بقمع المعارضة، وفرضت قوانين أمنية صارمة عقب الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية. وبقراءة ما كشفته استطلاعات الرأي من ارتفاع متزايد في عدد التايوانيين المؤيدين للاستقلال، يُرجّح أن يثير ذلك تحركاً عسكرياً من جانب الصين ضد الجزيرة. ووفقاً لمسح جرى في أغسطس 2020، أيد أكثر من ربع السكان الاستقلال الفوري أو النهائي، بينما انخفض مؤيدو الوحدة مع البر الرئيسي إلى أقل من 10%.
[object Promise]