بلومبرغ
شكّل اعتراف روسيا بجمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين الانفصاليتين عن أوكرانيا مقدمة لغزو الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبلاد في 24 فبراير الماضي، كما أصبح توسيع نفوذ موسكو فيهما هدفه الأول منذ ذلك الحين.
كانت أجزاء من المقاطعتين الواقعتين شرق أوكرانيا -ويطلق عليهما اسم إقليم دونباس - تخضعان فعلياً للسيطرة الروسية منذ تحريض الكرملين ودعمه لانتفاضة انفصالية هناك في 2014. والآن تحولت المنطقة إلى ساحة القتال الرئيسية لأكبر صراع مسلح في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
- خلفيات الصراع
خضعت دونيتسك ولوغانسك لسيطرة الإمبراطورية الروسية في منتصف القرن الـ18، بعد فترة قصيرة من اكتشاف الفحم (جاء اسم دونباس من اختصار جملة "حوض الفحم دونيتسك" باللغة الأوكرانية). جذب الفحم النشاط الصناعي والمستوطنين الروس منذ منتصف القرن الـ19، مما حوّل المنطقة إلى المحور الصناعي الرئيسي لأوكرانيا. مع وجود عدد كبير من السكان الناطقين بالروسية، كان إقليم دونباس حجر الأساس في دعم فيكتور يانوكوفيتش المولود بدونيتسك، والذي أصبح رئيساً لأوكرانيا في 2010.
جرى الإطاحة بيانوكوفيتش من منصبه خلال 2014 بعد خروج مظاهرات ضده في الشوارع عقب تراجعه عن التوقيع على اتفاقية تجارية مع الاتحاد الأوروبي بضغط من موسكو.
- كيف نشبت الأزمة؟
بعد إطاحة يانوكوفيتش، الذي اعتبرته روسيا انقلاباً مدعوماً من الغرب، أرسل بوتين قوات غير رسمية لضم شبه جزيرة القرم، وهي شبه جزيرة تمتد في البحر الأسود من البر الرئيسي الأوكراني، في عملية شبه سرية واجهت معارضة مسلحة ضعيفة. بدعم من عملاء موسكو، حاول منتقدو الحكومة الجديدة الموالية للغرب في كييف تكرار هذا النجاح الروسي، من خلال السيطرة على مدن عبر المناطق الشرقية والجنوبية من أوكرانيا، لكن هذه المرة كانت هناك مقاومة. اندلعت الاشتباكات وتطور الأمر إلى نزاع مسلح في دونباس، وتنفي روسيا مزاعم تحريضها على الاحتجاجات.
من الواضح أن كثيرين في المنطقة أرادوا تقوية علاقاتهم مع روسيا، لكن ذلك لم ينبع من رغبتهم في الانضمام إليها أو القتال. كان إيغور جيركين -المعروف باسم ستريلكوف- من أوائل قادة القوات الانفصالية، وهو مواطن روسي وضابط مخابرات ذائع الصيت شارك في عملية استيلاء موسكو على شبه جزيرة القرم.
- كيف اندلعت الاشتباكات؟
لعبت ماريوبول، وهي ثاني أكبر مدينة في دونباس، دوراً حاسماً في تحقيق بوتين لهدفه الخاص بتأمين جسر بري من روسيا إلى شبه جزيرة القرم، لتتحول بعدها إلى محور رئيسي للحرب. خلال الحصار الذي دام 3 أشهر، خربت القوات الروسية مباني المدينة وأجبرت معظم سكانها، البالغ عددهم نصف مليون تقريباً قبل الحرب، على الفرار. مع سقوط المدينة في مايو، ركزت روسيا على تأمين دونباس بأكملها، حتى تصرف انتباه القوات عن محاولة فاشلة للاستيلاء على العاصمة الأوكرانية (كييف). قصفت المدفعية الروسية الدفاعات الأوكرانية قبل أن تتقدم ببطء على حساب الخسائر الكبيرة في كلا الجانبين.
اقرأ أيضاً: النفط يقفز بعد أوامر بوتين بالتعبئة العسكرية في أوكرانيا
بدت موازين الحرب وكأنها تنقلب لصالح الكفة الأوكرانية في سبتمبر، عندما استعادت كييف السيطرة على مساحات شاسعة من الأراضي الواقعة شرق مدينة خاركييف. رد الكرملين على ذلك بتنظيم تصويت وهمي للموافقة على ضمه للمناطق التي ما تزال تحت سيطرته. فيما تعهد الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، باستعادة جميع الأراضي المحتلة منذ 2014، بما في ذلك دونباس وشبه جزيرة القرم.
- لماذا تركز روسيا على هذه المنطقة؟
منذ عام 2007 على الأقل، أوضح بوتين رفضه للمنظومة الأمنية التي هيمنت عليها الولايات المتحدة بعد الحرب الباردة. من وقتها وهو يحاول استعادة نفوذ موسكو على الأراضي التي كانت تخضع لسيطرة الاتحاد السوفيتي سابقاً، مناهضاً محاولات جيرانه للانضمام أو الشراكة مع منظمة حلف شمال الأطلسي (ناتو) أو الاتحاد الأوروبي لاحقاً. حاول الرئيس الروسي بدلاً من ذلك تأسيس منظمات موازية بقيادة روسيا، مثل منظمة معاهدة الأمن الجماعي والاتحاد الاقتصادي الأوراسي، لكن بدون انضمام أوكرانيا، وهي دولة زميلة في الاتحاد السوفيتي سابقاً لا يقل عدد سكانها عن 41 مليون نسمة، لم يستطيعوا حشد تأييد كبير. اعتبرت روسيا أن هيمنتها على دونيتسك ولوغانسك ستكون وسيلة لضمان بقاء أوكرانيا ضمن منطقة نفوذها، لكن عندما فشل ذلك قرر بوتين غزو البلاد.
- ما أهمية هذه المقاطعات؟
تعد المقاطعات الانفصالية ذات قيمة كبيرة إلى حد ما بالنسبة لروسيا بسبب الاضطراب الذي تسببه في أوكرانيا، مما أدى إلى قطع روابط النقل وسلاسل التوريد الرئيسية. وتنتج هذه المناطق الفحم، كما تحتضن المقرات الرئيسية لبعض المصانع الكبرى، لكن اقتصادها تعرض للدمار إلى حد كبير، حيث نتج عن الصراع 14 ألف قتيل تقريباً في الفترة بين 2014 واندلاع غزو بوتين الأخير.
اقرأ المزيد: 6 شهور على اندلاع الحرب في أوكرانيا بـ8 رسوم بيانية
لقي الكثيرون حتفهم منذ ذلك الحين، خاصة أثناء حصار ماريوبول، التي كانت تعتبر مدينة مهمة كمركز تصنيع ومحور تصدير الصلب والفحم والحبوب. قدرت دراسة أُجريت في 2020 تكلفة إعادة إعمار الأراضي المحتلة بنحو 21.7 مليار دولار، حتى قبل الدمار الواسع الذي تسبب به الغزو الأخير في 2022.
- لماذا يهتم الغرب؟
يطلب بوتين إجراء إعادة هيكلة شاملة لنظام الأمن في أوروبا، كما غير حالياً الحدود التي نشأت عقب انهيار الاتحاد السوفيتي السابق 4 مرات، منهم مرتين في جورجيا والباقي في أوكرانيا بعد القرم ودونباس. كما فرض تعاوناً أوثق بكثير على ألكسندر لوكاشينكو، رئيس بيلاروسيا الذي يواجه كثير من الصعوبات، وهو ما تسبب في خروج عدد كبير من قوات غزو أوكرانيا في 2022 عبر أراضيه. يثير هذا قلق بولندا المجاورة ودول البلطيق، وجميع أعضاء حلف الناتو. فيما فرضت هذه الدول عقوبات على بيلاروسيا، وقدمت أسلحة ومساعدات مالية لأوكرانيا، كما سمحت باستقبال ملايين الفارين من الحرب.