كان جو بايدن حريصاً على إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران قبل بداية الحرب في أوكرانيا بفترة طويلة، لكنَّ ارتفاع أسعار النفط الذي تسبّبت به الحرب ربما حوّل حماس الرئيس إلى اندفاع يائس.
تشير تقارير صادرة من واشنطن إلى أنَّ الإدارة توشك على الرضوخ لأكثر شروط طهران إجحافاً للعودة إلى الاتفاق؛ أي إزالة الحرس الثوري الإسلامي من قائمة وزارة الخارجية الأمريكية للمنظمات الإرهابية الأجنبية.
يُخضع هذا التصنيف الحرس الثوري الإسلامي الإيراني لعقوبات تنادي طهران بضرورة رفعها قبل أن توافق على الالتزام بشروط اتفاقية 2015، التي صيغت بهدف منع إيران من حيازة أسلحة نووية.
تُخصب إيران حالياً اليورانيوم عند مستويات تتجاوز أي غرض سلمي بكثير، ويشرف الحرس الثوري الإسلامي على البرنامج النووي، وكذلك السياسة الخارجية لإيران وجهازها الأمني.
إنَّ تصنيف المنظمات الإرهابية الأجنبية كان الأصعب بين جميع النقاط الشائكة خلال الجولة الأخيرة من المفاوضات في فيينا بين إيران والدول الموقِّعة على الاتفاق، والمعروفة باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة".
أداة قمع وترهيب
لا تصعب معرفة سبب أنَّ طهران تريد إسقاط هذا التصنيف؛ فهي تعتمد على الحرس الثوري، المعروف بين الإيرانيين باسم "باسداران" لقمع أي معارضة في الداخل يالإضافة إلى إرهاب جيرانها. ستُسهل هذه المهام إن لم تجعل العقوبات الأمريكية الموارد المالية وأحدث الأسلحة في بُعدٍ عن متناول النظام.
تُلمح إدارة الرئيس بايدن الآن إلى أنَّ قرار شطب الحرس الثوري الإيراني من القائمة هو أحد "القرارات الصعبة" التي قد تضطر لاتخاذها لإعادة إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة". لكن يصعب تصديق ذلك؛ فقد عُقد الاتفاق الأصلي دون أي التزام بحذف اسم إيران من قوائم أخرى لدى وزارة الخارجية الأمريكية، كدولة راعية للإرهاب، وهو تمييز ملتبس حملته إيران منذ 1984، وتشاركها به حالياً سوريا، وكوبا، وكوريا الشمالية.
اكتسب الحرس الثوري الإسلامي بطبيعة الحال موقعاً على قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية باعتباره الأداة الرئيسية لإرهاب الدولة. عبّر الجنرال فرانك ماكينزي، رئيس القيادة المركزية الأمريكية، عن ذلك بقوله إنَّ الحرس الثوري هو "مركز السلوك الإيراني الرديء" في منطقة الشرق الأوسط.
تلطّخت أيادي "الباسداران" بدماء الأمريكيين، فهم مسؤولون عن موت أكثر من 600 عسكري أمريكي في العراق عبر عملياته، التي ينفّذ معظمها عبر ميليشيات بالوكالة.
تواصل هذه الميليشيات هجماتها على أهداف أمريكية، بما في ذلك القواعد العسكرية والسفارة الأمريكية في بغداد.
ترحيب إقليمي
لقي تصنيف الحرس الثوري الإسلامي كمنظمة إرهابية في أبريل 2019، برغم أنَّ ذلك جاء متأخراً، ترحيباً في بلاد في المنطقة التي تعيش يومياً تحت تهديد "الباسداران" ووكلائه.
هذه الشبكة من الأخطار توجد بؤر منها في لبنان وفي غزة، إذ يقوم الحرس الثوري الإسلامي بعملياته من خلال منظمتي حزب الله وحماس، وهما مدرجتان في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية منذ زمن طويل. تدعم إيران في العراق موطن منظمتي كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق المدرجتين في قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية؛ وفي اليمن كان الحوثيون، مخلب طهران، على تلك القائمة إلى أن رفعهم بايدن منها بعد توليه الرئاسة بوقت قصير العام الماضي.
ربما كان شطب الحوثيين من القائمة يمثل تصوراً نموذجياً مسبقاً عما يرجح أن يحدث إذا رفعت منظمة الحرس الثوري الإسلامي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية. فقد تخيلت إدارة بايدن أنَّ هذه الخطوة ستجعل المتمردين اليمنيين أكثر جنوحاً إلى السلام مع التحالف العربي الذي يحاول أن يعيد إلى السلطة الحكومة التي أطاح بها الحوثيون في 2015. لكن واصل الحوثيون هجومهم اليومي بالصواريخ والمسيرات ضد المملكة العربية السعودية، وأحياناً ضد الإمارات العربية المتحدة، إذ تقدّم طهران الذخائر لهم.
لا نندهش هنا من أنَّ جيران إيران يخشون من احتمال أن يكرر بايدن خطأه مع الحرس الثوري الإسلامي. وتأتي أعلى الاحتجاجات من الدولة التي يتوعد قادة "الباسداران" كثيراً بإبادتها؛ أي: إسرائيل.
ثمن باهظ
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت في اجتماع لمجلس الوزراء الأسبوع الماضي: "من سوء الحظ أنَّ هناك إصراراً على توقيع اتفاق نووي مع إيران بأي ثمنٍ تقريباً، ويشمل ذلك القول بأنَّ أكبر منظمة إرهابية في العالم ليست إرهابية. وهذا ثمن أعلى بكثير مما ينبغي".
يشترك بهذا الرأي الكثير من الجمهوريين، فضلاً عن عدد غير قليل من الديمقراطيين في واشنطن. شكاوى أعضاء الحزبين حول إخفاء كل ما يخص مفاوضات فيينا عن أعضاء الكونغرس زادت القلق من أنَّ البيت الأبيض ربما لديه استعداد لتقديم تنازلات كثيرة للإيرانيين للتوصل إلى اتفاق، وقد يسمح بطرح وتداول النفط الإيراني في السوق العالمية حتى يحل مكان الصادرات الروسية التي خضعت للعقوبات.
مسؤولو الإدراة الأمريكية الذين تحدّثوا إلى الإعلام يقولون إنَّ الحرس الثوري سيرفع من القائمة فقط؛ إذا تعهد بعدم مهاجمة الأمريكيين، والتزم بوقف أنشطته التي تسبب عدم الاستقرار خارج إيران. إن لم يلتزم بوعوده؛ يمكن أن يعاد تصنيفه كمنظمة إرهابية أجنبية. قد يدعونا ذلك للاطمئنان؛ بيد أنَّ بايدن يتجاهل حالياً المطالبة بإعادة الحوثيين إلى القائمة التي يطالب بها أعضاء في الكونغرس بالإضافة إلى حلفاء للولايات المتحدة.
إذا فكّ الرئيس قيود "الباسداران"؛ فإنَّه يفتح صندوق باندورا، لأنَّ تمكين الحرس الثوري الإسلامي من ممارسة العنف والإرهاب برفع أي قيود على جمع الأموال والحصول على أسلحة متقدّمة، قد يتطلّب تصنيفاً جديداً تماماً له لدى وزارة الخارجية.