لم يفُت أوان شن حملة من العقوبات "الصادمة والمرعبة" ضد روسيا، حتى بعد غزوها أوكرانيا.
خاضت موسكو معركة اقتصادية منذ عامين، لم يكن الغرب هو غريمها فيها، وإنما المملكة العربية السعودية. ولم تكن الإمبراطورية السوفييتية القديمة هي ميدان المعركة، وإنما سوق النفط. ورغم جميع الصعوبات، انتصرت الرياض على موسكو.
رغم الفوارق الكبيرة بين تلك المعركة والأزمة الراهنة، فإنّ دراسة ما فعله السعوديون وكيف فعلوه أمر ضروري حتى نفهم نقاط ضعف روسيا.
اقرأ أيضاً: ما العقوبات التي ستكون أكثر إيلاماً بالنسبة إلى الرئيس بوتين؟
تقدم نظرية "الصدمة والرعب" العسكرية أملاً مثيراً ومغرياً في أن يؤدي تعريض العدو لألم فظيع وسريع إلى تدمير إرادة المقاومة لديه، قبل أن يبدأ القتال فعلاً. هذه النظرية تُعرف باسم "السيطرة السريعة" في الدوائر العسكرية، التي طوّرها هارلان أولمان وجيمس ويد من جامعة الدفاع الوطنية في الولايات المتحدة.
اقرأ المزيد: قلعة بوتين المالية تحدّ من تأثير التهديد بالعقوبات
لقد طبّق السعوديون هذه النظرية ضد الروس، اقتصادياً.
التجربة السعودية
في مارس 2020، شبّ خلاف بين الرياض وموسكو، وكانتا حتى ذلك الوقت تتعاونان معاً في إدارة سوق النفط. كانت السعودية تشعر بالقلق من تأثير فيروس "كوفيد-19"، وأرادت تخفيض إنتاج النفط بهدف زيادة أسعاره. ولم تكن موسكو ترى ضرورة لذلك في تلك الفترة. نتج عن هذا الخلاف أن منظمة "أوبك+" تحوّلت إلى تكتل حر، كل عضو فيه يضخ ويبيع كمية من النفط حسب رغبته.
لاحقت السعودية روسيا، وبذلت كل ما في وسعها لزيادة الإنتاج، فأطلقت شرارة حرب الأسعار في سوق النفط، وأخذت الكريملين على حين غرة. في خطوة واحدة، قدمت المملكة العربية السعودية أكبر تخفيض في أسعار بترولها، وأعلنت زيادة كبيرة في الإنتاج. وعندما بدأ التداول شهد خام برنت أكبر هبوط في أسعاره في يوم واحد منذ حرب الخليج في 1990-1991، منخفضاً بنسبة 24%. كشف السعوديون عن استعدادهم لأن يتحملوا إلحاق ضرر بأنفسهم حتى يجعلوا روسيا تعاني الألم.
مع التداعي الحر لأسعار النفط، هبطت العملة الروسية بنسبة 5% تقريباً حتى لامست أدنى مستوى لها أمام الدولار. وفي الأيام القليلة التالية أصدرت السعودية مزيداً من التصريحات تفصح عن نيات صريحة بتخفيض أسعار النفط إلى مستويات أدنى، ونجحت في ذلك، إذ في غضون أسبوعين هبطت أسعار النفط بنسبة 40%.
ضعيفة اقتصادياً
كانت حملة "الصدمة والرعب" التي شنتها السعودية واضحة في دوافعها أمام موسكو، وهي تحقيق أقصى ضرر اقتصادي، حتى يضطر الكرملين إلى العودة إلى مائدة المفاوضات، وفوراً.
نجحت هذه الاستراتيجية، وتوصلت القوتان النفطيتان في النهاية إلى اتفاق. وكشفت هذه القصة أن روسيا ضعيفة اقتصادياً، وأن النفط –والسلع الأولية الأخرى– من أهم نقاط ضعفها.
ربما راهن الكرملين فعلاً على فرض عقوبات الغرب على قطاعه المصرفي، وديونه السيادية، والأوليغارشية المالية الروسية. لكن ما لم يدخل في حسابه هو أن يطلق الغرب النار على قدميه –عن طريق تخفيض وارداته من السلع الأولية إلى الصفر– حتى يفشل بوتين في تحقيق أهدافه.
نظام الحكم في المملكة العربية السعودية نظام ملكي، لا يخضع للمساءلة من ناخبين غاضبين بسببب الأزمة الاقتصادية. لذلك لم تواجه مقاومة حقيقية عند تنفيذ هذه الاستراتيجية. أما بالنسبة إلى الغرب فقد لا يقبل الناس استهداف النفط والغاز والسلع الأولية الأخرى بسبب التكلفة الاقتصادية الباهظة، غير أن ذلك هو أسرع وسيلة لتحجيم حركة بوتين.
خيار عقوبات "سويفت"
في الوضع الراهن يموّل الغرب فعلاً حرب بوتين على أوكرانيا بشرائه يومياً موارد طبيعية روسية تساوي مئات الملايين من الدولارات. فإما أن يتوقف عن شرائها، وإما أن يتوصل إلى طريقة توقف دفع قيمتها، بما في ذلك فصل روسيا عن استخدام نظام "سويفت" (SWIFT) العالمي لتسوية المدفوعات بين البنوك.
هذا هو الأمر الوحيد الذي ربما لم يضعه بوتين في الحسبان.
ربما فات الأوان لمنع غزو أوكرانيا، غير أنه لا يزال أمامنا وقت لمنعه من التقدم نحو كييف.