بلومبرغ
منذ أقل من شهر، تعهد زعماء العالم بمكافحة التغيرات المناخية في قمة "كوب 26" (COP26) التي انعقدت في مدينة غلاسكو الأسكتلندية، ورغم ذلك لا تزال اليابان تبدو وكأنها عاقدة العزم على مواصلة الاستثمار في الوقود الأحفوري.
كان المسؤولون الحكوميون يحثون بهدوء المؤسسات التجارية ومصافي التكرير والمرافق العامة على إبطاء انتقالهم بعيداً عن الوقود الأحفوري، بل وحتى تشجيع الاستثمارات الجديدة في مشروعات النفط والغاز، بحسب أشخاص داخل الحكومة اليابانية والصناعة، طلبوا عدم الكشف عن هويتهم بما أن المحادثات خاصة.
اقرأ أيضاً: اليابان تقدم مساعدة مالية لشركات تكرير النفط
قال هؤلاء الأشخاص إن المسؤولين يشعرون بالقلق إزاء الإمدادات طويلة الأجل للوقود التقليدي، خصوصاً في ظل مضاعفة العالم للجهود المبذولة في مجال الطاقة المتجددة.
مما لا شك فيه أن الدولة المعتمدة على واردات الطاقة، تريد تجنّب نقص الوقود المحتمل هذا الشتاء، وكذلك خلال نوبات البرد المستقبلية، بعد أن آثار العجز الذي شهدته العام الماضي المخاوف من انقطاع التيار الكهربائي في جميع أنحاء البلاد.
اقرأ المزيد: رئيس الوزراء: اليابان ستحث منتجي النفط على زيادة الإنتاج
صعوبة التحوّل
انضمت اليابان إلى ما يقرب من 200 دولة خلال الشهر الماضي في التعهد بتعزيز مكافحة التغيرات المناخية من خلال طرق عدة، من بينها التخلص التدريجي من الفحم ومعالجة الانبعاثات الكربونية. إلا أن تحركات المسؤولين تظهر أن هناك صعوبة في تحويل هذه التعهدات إلى واقع، خصوصاً بالنسبة إلى دول مثل اليابان التي تعتمد على الواردات لسدّ نحو 90% من احتياجاتها من الطاقة، مع ارتفاع الأسعار الذي يرجع بشكل جزئي إلى تحول العالم بعيداً عن استثمارات الوقود الأحفوري.
اقرأ أيضاً: اليابان تجري تغييرات جذرية لخفض الوقود الأحفوري وزيادة الطاقة المتجددة
كانت اليابان بطيئة في التعهد بأي التزامات ملموسة للتخلص التدريجي من الفحم في الأجل القريب، وكثيراً ما تعرّضت لانتقادات بسبب تمويلها لمحطات توليد الطاقة الخارجية التي تستخدم أكثر أنواع الوقود الأحفوري تلويثاً للبيئة. بالإضافة إلى أن حكومة البلاد تجنّبت تضافر الجهود بينها وبين الدول المتقدمة للحد من استهلاك الغاز الطبيعي.
رفضت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية التعليق بشكل مباشر حول ما إذا كانت تشجّع الصناعات على تعزيز الاستثمار في إمدادات الطاقة الأولية، بل وأشارت بدلاً عن ذلك إلى خطة الطاقة الإستراتيجية التي أقرتها حكومة رئيس الوزراء، فوميو كيشيدا في 22 أكتوبر.
تنص هذه الخطة على أنه "ليس هناك حل وسط مقبول لضمان أمن الطاقة، ومن واجب الدولة مواصلة تأمين الموارد الضرورية".
تدعو هذه الإستراتيجية الأخيرة إلى زيادة حصة النفط والغاز الطبيعي المنتج إما على المستوى المحلي أو الواقع تحت سيطرة الشركات اليابانية في الخارج، من 34.7% في العام المالي 2019 إلى أكثر من 60% في عام 2040. ويعتزم المسؤولون اليابانيون إبلاغ الدول الأخرى بمدى الأهمية التي يتم إيلاؤها لمواصلة الاستثمارات في إمدادات المواد الأولية، حسبما أكّد الأشخاص المطلعون على الأمر.
الاستعداد للأسوأ
رغم أن اليابان ستتجنب على الأرجح انقطاع التيار الكهربائي أو تقنين استخدام البنزين هذا الشتاء عند وصول الطلب على الطاقة إلى ذروته في المنطقة، إلا إن أزمة الطاقة العالمية تحث الكثيرين داخل الحكومة على التفكير في كيفية الاستعداد للمستقبل.
مازال من المتوقع أن تعتمد اليابان بشكل كبير على الوقود الأحفوري خلال العقد المقبل نظراً لمدى محدودية النطاق المتاح لتعزيز الطاقة الشمسية بشكل كبير، كما أن قطاع الرياح في البلاد آخذ في التطور ببطء، فضلاً عن أنها تكافح أيضاً لإعادة تشغيل المفاعلات النووية في أعقاب كارثة فوكوشيما.
قالت وكالة الطاقة الدولية في مايو إن العالم يحتاج إلى وقف تطوير حقول جديدة للغاز والنفط والفحم للوصول إلى صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050. في الوقت ذاته، ردّد المسؤولون اليابانيون المخاوف التي سلطت أستراليا الضوء عليها في شهر نوفمبر، حين قالت إن ضغوط إمدادات الغاز في أوروبا تعد دليلاً على أن الدول لابد وأن تستمر في تعزيز مستويات الإنتاج.
استثمارات الوقود الأحفوري
تعمل الشركات التجارية اليابانية، بما فيها "سوميتومو" (Sumitomo) و"ماروبيني" (Marubeni)، بقوة على خفض استثماراتها في الوقود الأحفوري، حتى في ظل المستقبل غير المؤكد لمصادر الطاقة والضغوط المفروضة من المساهمين. هذه الشركات، التي تُعرف رسمياً باسم "سوغو شوشا" (Sogo Shosha)، كانت تأتي بشكل تقليدي ضمن أكبر المستثمرين في أصول النفط والغاز الطبيعي من أجل جلب الوقود إلى اليابان التي تفتقر إلى الموارد.
قالت المصادر المطلعة إن أسعار النفط قفزت إلى أعلى مستوياتها منذ 2014 في أكتوبر الماضي، وهو ما يعتقد العديد من المسؤوليين في الحكومة اليابانية بأنه تفاقم بسبب نقص الاستثمار في الإمدادات الجديدة.
في غضون ذلك، قفزت أسعار الغاز الطبيعي المسال إلى مستوى قياسي على خلفية النقص العالمي، وهو الأمر الذي أسهم في دفع معدل الطاقة بالجملة في اليابان إلى أعلى مستوى له لهذا الوقت من العام.