كيف سخرت روسيا وبيلاروسيا الهجرة سلاحاً؟

سيتجمد كثيرٌ من المهاجرين حتى الموت مع حلول الشتاء بعد أن أُلقي بهم على الحدود بين بيلاروسيا ودول أوروبا الغربية المجاورة

time reading iconدقائق القراءة - 14
الأمن البولندي يواجه المهاجرين على الحدود مع بيلاروسيا في أوسنارز جورني، بولندا، في سبتمبر 2021 - AFP
الأمن البولندي يواجه المهاجرين على الحدود مع بيلاروسيا في أوسنارز جورني، بولندا، في سبتمبر 2021 - AFP
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

يبدو أن ديكتاتور مينسك وسيده في موسكو ينسقان ضرباً من حرب هجينة على غرب أوروبا. هذا الكيد ليس غريباً على رئيس بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، لكن جديدهم العصيّ على الفهم هو مدى القسوة والشر الذي بلغاه.

اشتهر ماضي بوتين بحروب هجينة تجمع بين هجمات إلكترونية وحملات تضليل و"الرجال الخضر الصغار"، وهم مقاتلون روس بلباس عسكري لا يحمل رمز بلد يتسللون أو يغزون مناطق مثل شبه جزيرة القرم. يستغل لوكاشينكو هذه المرة، بمباركة ظاهرة من بوتين، بعض أكثر مستضعفي البشرية في العالم كأسلحة.

نقل لوكاشينكو على مدى أشهر لاجئين جواً من بقاع مختلفة في الشرق الأوسط كالعراق وأفغانستان وسوريا وما وراء تلك البلاد إلى بيلاروسيا ليسوقهم صوب دول مجاورة تنتمي للاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي وهي لاتفيا وليتوانيا وبولندا. وجد هؤلاء الرجال والنساء والأطفال، الذين أُلقي بهم في غابات مظلمة ورطبة، أنفسهم في أرض حدودية محاصرين بين قوات بيلاروسيا وتلك البولندية أو البلطيقية التي تحاول إبعادهم. سيتجمد كثيرٌ منهم حتى الموت فيما يزحف الشتاء.

أسلاك شائكة

يصل آخرون منهم بمساعدة مهربين عبر حدود الاتحاد الأوروبي في مشهد يشابه 2015. يمشون أو يحاولون إيقاف سيارات لتقلّهم إلى البلد الذي يمثل وجهتهم المفضلة، ألا وهو ألمانيا. سجلت سلطات ألمانيا وصول أكثر من 6 آلاف مهاجر عبر هذا الطريق، نصفهم أتى هذا الشهر، ويفكر وزير داخليتها بتشديد الرقابة على حدودها البولندية.

بدأت بولندا ودول البلطيق تقيم أسواراً من الأسلاك الشائكة، ويخططون لإقامة جدران دائمة على طول حدودهم مع بيلاروسيا، ما أيقظ طموحات تشبه تلك التي كانت لدى الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب حيال بناء جدار على طول حدود بلاده الجنوبية. تريد الحكومة الشعبوية في وارسو، على وجه الخصوص، أن ينظر إليها على أنها متشددة فيما يتعلق بالهجرة وعلى أنها ضد ضغوط مينسك وموسكو، حيث قالت هذا الأسبوع إنها ستزيد عدد قوات دوريات الحدود البيلاروسية لعشرة آلاف.

انقسامات أوروبية

عبر إحداث ردود الفعل هذه، تكشفت حملة لوكاشينكو الساخرة وتفاقم العديد من الصراعات ونقاط الضعف داخل أوروبا. ما يزال التكتل يعاني من صدمة أزمة اللاجئين في 2015، لكنه لم يتمكن من إصلاح نظام الهجرة الخاص به، وسبب ذلك جزئياً رفض بولندا. كما أن الاتحاد الأوروبي منقسم بسبب معركة ضارية بين بروكسل ووارسو حول حكم القانون وأشياء أخرى كثيرة يمكن للجدران الحدودية البولندية أن تزيدها سوءاً. لقد أجبر لوكاشينكو وبوتين الأوروبيين على بناء ما هو في واقعه ستار حديدي جديد.

هنالك المزيد، فكما أشار وزير خارجية لاتفيا وآخرون، يبدو أن روسيا البيضاء وروسيا تهرّبان أيضاً رعاياهما، وربما إرهابيين، عبر حدود الاتحاد الأوروبي إلى جانب المهاجرين. قد يكون هؤلاء عملاء ينوون التجسس أو إحداث أنواع أخرى من الأذى. باختصار: لقد غيّر "الرجال الخضر الصغار" تمويه زيّهم.

إن تواطؤ لوكاشينكو وبوتين في هذا التخطيط لا شك فيه.

قيصرية سوفيتية

لقد دمجوا فعلاً قواتهم المسلحة المنتشرة قرب حدود الاتحاد الأوروبي والناتو، وهما وجهان لأيديولوجية واحدة، فلطالما كانا يفكران بدمج دولهما أيضاً. لكن إن اعتقد لوكاشينكو ذات مرة أنه قد يرأس المشروع الذي سينتجه الحنين لقيصرية سوفيتية، فإن من الواضح أن بوتين في هذه الأيام هو الزعيم ولوكاشينكو هو التابع. يحتاج لوكاشينكو إلى دعم بوتين للبقاء في السلطة في مواجهة احتجاجات تدعو للديمقراطية في الداخل والعقوبات التي يفرضها الغرب.

لن تتوقف حربهم الهجينة عند هذا الحد بالطبع. ربما تمتد بالفعل لتشمل التلاعب بشحنات الغاز الروسي إلى أوروبا حتى تفاقم أزمة الطاقة الحالية. لكن جعل الهجرة سلاحاً، يجعلهم يتجاوزون حداً أخلاقياً جديداً. سبق أن حاول استبداديون آخرون، مثل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ابتزاز أوروبا باستخدام اللاجئين. لكن إدارة خط تهريب دولي ينقل الناس من مناطق الحرب إلى الغابات الأوروبية هو انحطاط جديد.

يجب على الاتحاد الأوروبي كخطوة أولى بديهية تمديد العقوبات لتشمل جميع شركات الطيران والمشغلين الآخرين، في بيلاروسيا أو أي مكان آخر، الذين يشاركون في هذا النوع من الاتجار بالبشر. بغض النظر عما يحدث في الصراع الداخلي بين بروكسل ووارسو، يجب على الكتلة الأوروبية بأكملها إظهار التضامن مع بولندا ودول البلطيق.

يجب على الأوروبيين، بمن فيهم الذين قللوا فيما مضى من خطر روسيا البوتينية، مراجعة موقفهم الاستراتيجي العام في ضوء مثل هذه الخطط. في الصراع الجيوسياسي بين أوروبا الغربية وموسكو، هناك جانب يقدّر حياة الإنسان وآخر لا يقدّرها. السؤال هو ما إذا كان عدم التناسق هذا، الآن أو مستقبلاً، يترك أوروبا عرضة للخطر.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها
تصنيفات
النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

موسكو

9 دقائق

1°C
غيوم قاتمة
العظمى / الصغرى /
23.9 كم/س
79%
الآراء الأكثر قراءة