قبل أيام من الانتخابات التشريعية في العراق، قال رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، إنه سيظل بعيداً عن المعركة الانتخابية. ونظراً لأنه وفى بوعده بعدم الترشح للانتخابات البرلمانية، ستكون هذه هي المرة الأولى -كما تفاخر الكاظمي في تغريدة له- التي يكون هناك فيها رئيس وزراء في منصبه، ولا يترشح للانتخابات.
إقرأ أيضاً: الدخل الشامل قد يغير لعبة الانتخابات العراقية المقبلة.. كيف؟
لكن هذا لا يعدو أن يكون إلا موقفاً سياسياً، إذ إن الكاظمي قد لا يكون مرشحاً للبرلمان، لكنه بالتأكيد يرشح نفسه ليشغل منصب رئيس الوزراء.
يعوّل الكاظمي على نتائج انتخابات يوم الأحد لتأتي ببرلمان مشابه، بما يؤدي إلى تكرار الجولة الماضية، عندما لم يتمكن أي من رؤساء الكتل الرئيسية من المطالبة بقيادة الحكومة. وبعد جدال طويل فيما بينهم، استقروا على مرشح التسوية عادل عبد المهدي، الذي لا يتمتع بثقل سياسي. بعد ذلك بعامين، أجبرت احتجاجات الشارع المناهضة للحكومة، عبد المهدي على الاستقالة، لتخوض الشخصيات السياسية الكبيرة لعبة شد وجذب أخرى لا طائل من ورائها، قبل أن تختار الكاظمي لهذا المنصب.
هذه المرة، يشير الكاظمي من خلال وكلائه، إلى أنهم يجب أن ينقذوا أنفسهم والبلد من تفاقم الأزمة، وببساطة عليهم أن يبقوه في منصبه. وفي هذا السياق، يتفق معظم المحللين على أن برلماناً لا تمتلك فيه جهة سياسية غالبية الأصوات، سيكون هو النتيجة المرجحة لانتخابات الأحد. ولذا فإن قرار الكاظمي بعدم الترشح قد يعطي الانطباع بأنه ترجمة لحنكة سياسية، لكنه في الحقيقة، المخرج الوحيد له.
لا يملك رئيس الوزراء أي تنظيم سياسي خاص به، ولم يفعل شيئاً يذكر في العامين الماضيين لاستقطاب جمهور كبير له بين الناخبين. لو كان قد ترشح للانتخابات دون دعم من تحالف كبير، فإن فرصة خسارته ستكون كبيرة. وبالتالي، فإن البقاء في الخارج ينقذه من هذا الإحراج، والبقاء على الحياد يجعله مقبولاً لدى جميع الكتل.
بالنسبة إلى الفصائل الشيعية المهيمنة -إحداها موالية لإيران، والأخرى قومية عراقية- قد يكفي أن يكون الكاظمي من طائفة الأغلبية. ستشعر الأحزاب السنية والكردية بالرضا من حقيقة أن نظرته علمانية في معظمها.
من المرجح أن تتم المصادقة على ترشيح الكاظمي من قبل الجهات الأجنبية الرئيسية اللاعبة على مسرح السياسة العراقية. فهو، كرئيس للوزراء، استطاع المحافظة على التوازن بين الولايات المتحدة وإيران. وخلال الأسابيع الأخيرة، قام برحلات إلى واشنطن، حيث اتفق مع الرئيس جو بايدن على صفقة لإنهاء العمليات القتالية الأمريكية في العراق، وإلى طهران، حيث كان أول زعيم أجنبي يلتقي بالرئيس الجديد، إبراهيم رئيسي.
كما جعل الكاظمي نفسه مفيداً لدول الخليج العربية، كوسيط في نزاعها طويل الأمد مع إيران. ومن خلال استضافته محادثات عربية إيرانية في بغداد، ارتفعت أسهم الكاظمي لدى قادة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، ولي العهد الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، على التوالي. وحتى أنه تمكن من التعامل بهدوء مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بشأن قلقهما المشترك بشأن الجماعات المسلحة في كردستان العراق.
هؤلاء القادة، الذين لن يصوتوا في انتخابات الأحد، سيكونون راضين عن النتيجة إذا بقي الكاظمي في منصبه. ولكن إذا سارت الأمور بالطريقة التي يتمناها الكاظمي، لن يكون لهؤلاء الذين يذهبون إلى صندوق الاقتراع أي رأي في من يقود الحكومة المقبلة.
إن هذا هو عار مضاعف، لأنه كان هناك بعض الأمل في أن هذه الانتخابات قد تسير بشكل مختلف عن الدورات الخمس التي سبقتها. فبفضل القانون الانتخابي الجديد، سيصوت العراقيون هذه المرة لمرشحين أفراد وليس لقوائم حزبية. في ظل النظام السابق، كان أعضاء البرلمان مدينين بالفضل لأحزابهم. لذا تم تصميم القواعد الجديدة لجعلهم مسؤولين عن دوائر انتخابية معينة، وبالتالي مسؤولين أمام أولئك الذين انتخبوهم.
من شأن ذلك أيضاً أن يسهل على المرشحين غير المنحازين، الوقوف في وجه قوة الأحزاب. ومع ذلك، فإن أبرز سياسي مستقل في البلاد -رئيس وزرائها- غير مهتم بأن يكون قابلاً للمساءلة أمام الناخبين، أو بأن يجرؤ على تحدي النظام القديم.
الأمر الذي لا يثير الدهشة، هو أن استطلاعات الرأي تشير إلى أن أمل الناخبين قد خاب بشدة من طريقة سريان هذه العملية. إذ إن الشباب العراقيين متشائمون بشكل خاص بشأن احتمالات التغيير، وقد يميلون إلى الاستجابة لدعوات مقاطعة الانتخابات. نتيجة لذلك، قد لا تصل نسبة الإقبال في هذه الانتخابات إلى 44% التي تم تسجيلها قبل خمس سنوات.
قد لا يكون هذا أمراً مهماً بالنسبة إلى رئيس الوزراء، وأولئك الذين يدعمونه من عواصم أجنبية. لكنه ينذر بالسوء للديمقراطية في العراق.