"ضريبة الطموح".. عواقب تتحملها النساء الساعيات للمناصب القيادية

time reading iconدقائق القراءة - 8
ماذا سيكلّفني ذلك؟ صورة تعبيرية عن العواقب التي تتعرض لها النساء اللاتي يسعين لتحقيق مناصب قيادية في بيئة الأعمال. - المصدر: بلومبرغ
ماذا سيكلّفني ذلك؟ صورة تعبيرية عن العواقب التي تتعرض لها النساء اللاتي يسعين لتحقيق مناصب قيادية في بيئة الأعمال. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

- مقال رأي

على الأرجح، نعرف جميعاً مدى تفاقم الفجوة بين الجنسين عندما يتعلق الأمر بالأجور والثروات. ففي الولايات المتحدة، تجني النساء في المتوسط، 0.82 دولاراً، ويمتلكن 0.32 دولاراً فقط، وذلك مقابل كل دولار يكسبه ويملكه الرجال. بل إن هذه الفوارق تتسع بالنسبة للنساء ذوات البشرة الملونة.

لكن، ما لا يتم الحديث عنه بصورة أكبر، هو إلقاء اللوم على النساء أنفسهن في التسبب بوجود هذه الفجوة. والأمثلة على ذلك كثيرة. حيث تتبجح مصادر مختلفة في نشر قصص تتساءل في عنوانيها مثلاً: "لماذا تختار النساء الوظائف الأقل أجراً"، أو أخرى بعنوان: "النساء لا يستثمرن". وفي واقع الأمر، تتحمل النساء غالباً العواقب، عند محاولات السعي لإغلاق تلك الفجوات في الدخل. وهذه المفارقة هي ما أسميه "ضريبة الطموح"، أو التكاليف الاجتماعية، والمهنية، والمالية التي تواجهها المرأة عند مطالبتها بالمزيد.

يعتبر فهم تلك القضية أمرا بالغ الأهمية لتحقيق العدالة بين الجنسين فيما يتعلق بالمال. ولن يتغير أي شيء إذا واصلنا مطالبة النساء بالدفاع والمطالبة بحقوقهن، لأن الأمر قد يقود إلى إحباطهن وردهنّ ومعاقبتهن، حين يفعلن ذلك.

عواقب الطموح

كثيرات اختبرن هذه العواقب بشكل مباشر. ومنهن امرأة كانت تبلغ من العمر 26 سنة، أخبرتني بإلغاء عرض عمل كانت قد حصلت عليه، بعد اتباعها نصيحة "تفاوض دائماً" عندما يتعلق بالأموال. وهي مثلي، تسعى لبناء حياتها المهنية في وقت تتعرض النساء لوابل من الأوامر التوجيهية من مصادر متزايدة، والتي تتراوح بين من يطالبهن بزيادة لغة الحزم في الرسائل الالكترونية، وحذف الكلمات التي لا توحي بذلك، إلى النصائح بتجنب الاعتذار المتكرر، إلى المطالبة دائماً بالمزيد.

تكمن مشكلة هذه الرسائل والتوجيهات في أنها تشير إلى أن العقبة الأساسية التي تحول بين المرأة وتحقيق النفوذ الاقتصادي هي المرأة نفسها، وأن عدم المساواة في الأجور والثروات ناتج عن سلوكنا نحن النساء. ولا يتم الاعتراف بكيفية معاقبة النساء، في كثير من الأحيان، على السعي لتحقيق طموحاتهن.

ضع في اعتبارك كيف تتفاوض النساء (وهو ما قد تفعله كثيراً مثل الرجال)، فمن المرجح أن يتم تصنيفهن على أنهن عدوانيات، ومتطلبات، وأقل احتمالية من نظرائهن الرجال لتلقي الزيادات والترقيات التي طلبنها.

وعلى الرغم من أن إلغاء عرض العمل قد يكون أحد النتائج الأكثر صرامة للمفاوضات، إلا أن الأنواع الأخرى أكثر شيوعاً. فقد وجدت دراسة أُجريت عام 2018 أن القائمين على التوظيف يتجنبون العمل مع النساء ذوات التحصيل العلمي المرتفع، حتى في بداية حياتهن المهنية. بينما وجد بحث أُجري عام 2012، ترابطاً بين وصول النساء إلى مناصب قيادية، وزيادة تعرضهن للكراهية، وعدم الاحترام من قبل أقرانهن في محيط العمل.

ضريبة الحماس

كذلك ربطت دراسة أُجريت عام 2020، رد الفعل العنيف هذا من قبل المحيط، بطموح النساء بشكل مباشر وصريح. حيث وجدت الدراسة أنه عندما يتم تعيين النساء اعتباطياً في مناصب قيادية، تنخفض احتمالية تعرضهن لهذه المشاعر السلبية. بينما واجهت المرأة عواقب أكثر سوءاً، عند ترافق حصولها على المنصب القيادي بسعيها وحماسها للحصول عليه.

ويشير ذلك إلى أن النساء تواجه عواقب ورفضا أكثر شدة، في حال سعيها للحصول على السلطة، أو التأثير، أو النجاح، مقارنة بالعواقب التي تواجهها في حال حصولها على تلك الأمور بدون جهد وسعي منها. ويظهر ذلك في البيانات الملموسة لمثل هذه العواقب التي تواجه المرأة في هذه الحالة، كالحرمان من فرص العمل، وتجاهلها في العلاوات والترقيات. وكلها عوامل يمكن أن تجعل بناء الثروة أمراً أكثر صعوبة.

تساؤلات لا بد من طرحها

إذاً، ما الذي يمكننا القيام به حيال ذلك؟ كيف يمكننا استدراك التفاوت في الأجور والثروات بين الجنسين، دون مطالبة النساء ببذل المزيد من الجهد، ثم التخلي عنهن عندما يتعرضن لعواقب قيامهن بذلك؟

ينبغي على المرشدين توجيه نصائح أفضل. إذا نظرنا في العواقب التي تترب على طموحات المرأة، فقد نبدأ في فهم كيف أن ما يطلق عليه تقليدياً "فجوة الثقة" أو "فجوة المشاركة" من قبل النساء في بيئة العمل أو الاستثمار، هو بمثابة استجابة طبيعية للتكيف مع هذه العواقب.

قبل تشجيع النساء على القيام بالمزيد من التفاوض بصورة أقوى، قد يكون من الأولى أن نتساءل عن سبب ترددهن بالتفاوض من الأساس. فهل يمكن أن يرجع سبب ذلك لخوف واقعي لديهن من رد فعل عنيف قد يتعرضن له، بدلاً من تفسير ذلك بافتقار مفترض للثقة من قبلهن؟

وقبل معايرة النساء بسبب إحالة قراراتهن المالية لشركائهن، كما فعلت إحدى الصحف، ربما يكون من الأفضل أن نسأل لماذا لا تشعر المرأة بالتمكين المالي من الأساس، هل يمكن أن يكون ذلك بسبب شعور الأزواج بالتوتر عندما تتمتع شريكاتهم بالمزيد من النفوذ المالي؟ أم لأن بعض الرجال يفضلون شريكات أقل طموحاً منهم؟

أيضاً، قبل افتراض أن النساء يفضلن ببساطة عدم تولي وظائف برواتب مرتفعة، ربما يجدر التساؤل عن سبب عدم شعور النساء بالترحيب في تلك المناصب بالأساس. وإذا كانت البيانات تشير إلى أي شيء، فإن الإجابة على هذه التساؤلات هي -جزئياً على الأقل- عقوبة الطموح.

مسؤولية الشركات

على الشركات دعم طموح المرأة. بإمكان الشركات بناء شبكات وبرامج، مثل مجموعات الدعم، حيث يتم الاحتفاء بطموحات المرأة المهنية والمالية بدلاً من معاقبتها. وقد ثبت أن هذه الأنواع من الشبكات تساعد في توقع مستقبل ناجح للقيادة النسائية.

كذلك، يتعين على القادة إجراء تحقيقات بأي فروق بين الجنسين في الأجور والترقيات. على سبيل المثال، إذا كان تمثيل المرأة في الإدارة ضعيف بشكل واضح، فهل يمكن أن يكون السبب هو توجيه أقل كثافة وأقل جودة من قبل المديرين للنساء، مقارنة بما يتلقاه الموظفون من الرجال؟ أم ربما لأنهن يتلقين عواقب سلبية أكثر قسوة على أخطائهن؟ وفي واقع الأمر، فإنه عندما تبذل الشركات جهوداً لتعزيز التنوع ورفع مقاييس المساواة بين الجنسين، فمن الأرجح أن يزيد ذلك من مساعي النساء للحصول على أدوار قيادية.

ضرورة تغير النظرة النمطية

يجب أن تأخذ النساء البيئة الداعمة في اعتبارهن. بدلاً من اتباع النصائح العامة تحت عنوان "طالبي أكثر!" أو "فاوضي دوماً"، قد يكون من الأفضل ربما، أن نوجه طاقتنا كنساء على تحديد البيئات التي ستُدعم طموحاتنا فيها.

فإذا كنت تفكرين مثلاً بالالتحاق بوظيفة جديدة، فقد يعني ذلك أن عليك إجراء بحث عن الشركة على منصة "لينكد إن" لمعرفة المزيد حول من يعملون هناك، ومدة بقائهم، وسرعة تقدمهم في وظائفهم. فقد يكون فريق قيادة الشركة المكون حصرياً من الرجال البيض من حاملي ماجستير إدارة الأعمال، أكثر تحدثاً عن حقيقة التزام الشركة بالعدالة بين الجنسين والمساواة العرقية، من تصريحاتها حول ذلك على موقعها الإلكتروني.

بالطبع، لا نمتلك في كثير من الأحيان رفاهية أخذ الاختيار الأفضل عندما يتعلق الأمر بفرص العمل. لذلك من المهم أن تفكري بالإمكانيات التي يتيحها لك دورك الحالي. هل أنت في بيئة سيتم فيها استخدام طموحك ضدك؟ إذا كان الأمر كذلك، فهل هناك طرق لإعادة صياغة أهدافك المالية والوظيفية. على سبيل المثال، هل هناك سبل لرفع جدوى هذه الأهداف بالنسبة للشركة، لكسب المزيد من الدعم في بيئتك؟

في نهاية المطاف، ليست النساء هن من عليهن التغيير أو "التقويم" كما تقترح النظرة العالمية الحالية في كثير من الأحيان. بل إن الظروف التي تعزز القوالب النمطية على أساس الجنس والتي تقوّض فرص المرأة، هي التي تحتاج إلى إعادة النظر فيها. وإذا أردنا إغلاق هذه الفجوات بين الجنسين، فسنحتاج أولاً إلى الوصول إلى مرحلة نتوقف فيها عن معاقبة النساء عندما يحاولن تحقيق ذلك بأنفسهن.

هذا المقال لا يعكس موقف أو رأي "الشرق للأخبار"وهو منشور نقلا عن Bloomberg Mediaولا يعكس بالضرورة آراء مجلس تحرير Bloomberg أو ملاكها

قصص قد تهمك

النشرة البريدية
تعرف على أحدث الأخبار والتحليلات من اقتصاد الشرق مع بلومبرغ
سجل الان

نيويورك

10 دقائق

4°C
سماء صافية
العظمى / الصغرى /
22.5 كم/س
66%