بلومبرغ
لم يكن تمثيل المرأة في مجالس إدارات الشركات في الإمارات العربية المتحدة أمراً سهلاً أبداً. والأرقام بعد بدء تنفيذ القانون الجديد المصمم لتعزيز وجودهن تؤكِّد ذلك.
في 15 مارس الماضي، أعلنت البلاد أنَّ الشركات المدرجة في البورصة يجب أن تضمَّ عضوة واحدة على الأقل في مجلس الإدارة. لكن منذ هذا الإعلان، لم تستحوذ النساء إلا على أربعة مقاعد فقط من بين 23 شخصاً حصلوا على هذه الأدوار في الشركات المدرجة في البورصتين الرئيسيتين في الإمارات، وذلك وفقاً لبيانات جمعتها "بلومبرغ". وهو أمر بالكاد يحدث فارقاً في بلد يشغل الرجال فيه حوالي 96% من هذه المناصب.
بالنسبة لفاطمة حسين، المرأة الوحيدة في مجلس إدارة مجموعة "أرامكس" للخدمات اللوجستية، ومقرُّها دبي، فإنَّ التقدم البطيء دليل على استمرار الجذور الثقافية التقليدية التي تبقي النساء بعيداً عن شغل مثل هذه المناصب.
تحديات متعلقة بالموروث الثقافي
تتجنَّب النساء عادةً، خاصةً القادمات من خلفيات محافظة، المناصب التي قد تتطلَّب البقاء خارج المنزل حتى وقت متأخر أو التفاعل مع زملائهن من الرجال، بحسب ما قالت فاطمة حسين، وهي مواطنة إماراتية تشغل أيضاً منصب كبير مسؤولي رأس المال البشري في مجموعة "تيكوم"، وهي وحدة تابعة لمجموعة دبي القابضة للاستثمار السيادي.
وقالت حسين، التي انضمَّت إلى مجلس إدارة "أرامكس" بعد الإعلان عن المنصب في صحيفة محلية: "أجري مقابلات مع أشخاص كثيرين، وأحياناً يتعيَّن على المرشحة طلب الإذن من والديها لقبول عرض العمل؛ نظراً لوجود العديد من الرجال في مقر العمل".
إذ يفرض السياق الاجتماعي معركة شاقة لتحقيق المساواة بين الجنسين، وذلك حتى في ظل استحواذ المرأة الإماراتية على نسبة 70% من جميع خريجي الجامعات. وبرغم أنَّ النساء يشكلن حوالي ثلثي العاملين في القطاع العام، إلا أنَّ 30% فقط منهن يشغلن مناصب قيادية، بحسب بيانات مجلس الإمارات للتوازن بين الجنسين.
ولم يظهر التقرير الصادر عن "جي بي مورجان"، خلال العام الماضي، أي "بيانات خالصة" عن عمل المرأة في دولة الإمارات، لكنَّه قدَّر ضعف مشاركتها في القوى العاملة، وذلك حتى عند مقارنتها بدول الجوار، مثل المملكة العربية السعودية، والكويت، وقطر.
هذه هي الخلفية التي تمَّ الاستناد عليها لتعزيز المساواة في مجالس الإدارة في الإمارات، مع التهديد بفرض عقوبات على الشركات التي لا تمتثل لهذه القواعد.
وتعدُّ هذه الخطوة غير مسبوقة بالنسبة للشرق الأوسط. فهي تأتي في وقت تتطلَّع فيه منطقة الخليج الغنية بالنفط، التي اعتمدت لفترة طويلة على النفط الخام لتعزيز اقتصادها البالغ تريليون دولار، إلى تنويع المواهب التي تستفيد منها مع انحسار الاعتماد العالمي على المواد الهيدروكربونية.
كما أنَّ البنك الدولي يشير إلى أنَّ معدل مشاركة المرأة في القوى العاملة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يعدُّ الأدنى في العالم.
تأثير قوي
وتسعى الإمارات لتظهر جديتها بشأن القانون الجديد المتعلِّق بتعيين المرأة في مجالس إدارات الشركات.
وفي ردٍّ مكتوب على الأسئلة، قالت هيئة الأوراق المالية والسلع لـ "بلومبرغ"، إنَّ العقوبات المفروضة على الشركات التي لا تمتثل للقانون الجديد قد تتراوح بين الإنذارات إلى الغرامة، أو حتى الإحالة إلى النيابة العامة. وسيُطلب من الشركات الكشف عن تمثيل مجلس الإدارة في التقارير السنوية، بحسب المتحدِّث باسم هيئة الأوراق المالية والسلع.
ومنذ الإعلان عن هذا القانون، تمَّ تعيين النساء في مجالس إدارات كل من شركة "إعمار" العقارية، وهي أكبر مطوِّر عقاري في دبي، وشركة الاتصالات المتكاملة "دو"، و"دانة غاز"، و"شركة بترول أبوظبي الوطنية للتوزيع"، وهي وحدة تابعة لعملاق النفط "أدنوك".
كذلك أثبت تقاسم الحصص بين الجنسين نجاحه في أجزاء أخرى من العالم، ففي فرنسا، على سبيل المثال، تشغل المرأة 40% على الأقل من مناصب مجالس الإدارات في الشركات الكبرى، كنتيجة مباشرة لقانون صدر في عام 2011. وفُرض بموجب هذا القانون حصة تدريجية لزيادة مشاركة المرأة من 20% في عام 2014 إلى 40% في عام 2017.
كما قدَّمت ألمانيا، ذات السجل الضعيف في القيادة النسائية للشركات، هذا العام مشروع قانون يطالب بوجود امرأة واحدة على الأقل في مجالس إدارات الشركات المدرجة في البورصة الألمانية.
خطوة ضرورية
وأشارت رشا الخواجة، رئيسة قسم التوزيع والتطوير في "إكويتاتيفا غروب"، ومقرّها دبي، إلى أنَّ خطوة هيئة الأوراق المالية والسلع كانت "ضرورية حقاً". وأضافت: "لقد حققت النساء قفزة هائلة في عالم الشركات العقد الماضي، لكنَّ حضورهنَّ لم يحظَ بدعم كبير، بالتالي لم يصل الكثير منهن بعد إلى مستوى مجلس الإدارة"، لأنَّ العقلية التي تضع النساء في صندوق تقديم الرعاية "بحاجة إلى التغيير"، بحسب ما قالت الخواجة. وأضافت: "حتى يحدث ذلك، لن تتحقق المساواة، فتغيير الأفكار يستغرق أجيالاً".
قال محمد حماده، الرئيس التنفيذي لشركة "أمانات هولدينغز"، إنَّ الحواجز الثقافية تفرض قيوداً أقل مما كانت عليه من قبل. وكانت "أمانات هولدينغز" قد عيَّنت امرأتين في مجلس إدارتها حتى قبل إنفاذ القانون الجديد. وأوضح: "لقد شهدت هذا التطور على مدى الأعوام العشرة الماضية، فقد أصبح الواقع أكثر تنوعاً إلى حدٍّ كبير". وأضاف: "لا أظن أنَّه سيكون من الصعب تحديد النساء المؤهلات، فالكثير منهن حققن إنجازات عظيمة، سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو حتى الدولي، ويمكنهن إضافة قيمة كبيرة للشركات المدرجة".
ويأتي الضغط بهذا المجال أيضاً من جانب المستثمرين، الذين يدفعون الشركات نحو القضايا البيئية، والاجتماعية، والحوكمة.
وجدير بالذكر أنَّ الشركات تحرز تقدُّماً، فعلى سبيل المثال، عيَّن "بنك أبوظبي الأول"، أكبر مصارف الخليج، هناء الرستماني كرئيس تنفيذي للمجموعة هذا العام.
ومع ذلك، قالت ديانا وايلد، الشريكة المؤسسة لـ "أورورا 50": "في الواقع نحن بدأنا من مستوى متدنٍ للغاية". وتُعرف "أورورا 50" بأنَّها مؤسسة اجتماعية مقرّها الإمارات، وتركِّز على إنشاء مجالس إدارات متوازنة بين الجنسين.
وأوضحت وايلد أنَّ وجود النساء في مجالس إدارات الشركات في الإمارات يعدُّ منخفضاً للغاية، وذلك بالمقارنة مع الولايات المتحدة، حيث توجد امرأة واحدة على الأقل في كل مجلس إدارة ضمن الشركات المندرجة بمؤشر "ستاندرد آند بورز 500"، فضلاً عن المملكة المتحدة، إذ تشغل النساء أكثر من 34% من مناصب مجالس إدارة الشركات في مؤشر "فوتسي 350".