تسبب الوباء في تقدمنا بالعمر جميعاً، لكنه أدى إلى ارتفاع أعمار الرؤساء التنفيذيين الأميركيين بشكل خاص.
ظلت مجالس إدارة الشركات، التي كانت تبحث عن الاستمرارية خلال أزمة صحية عالمية، متمسكة بقيادتها العليا بدلاً من جلب شخصيات جديدة. وعمالقة مثل "بوينغ"، و"تارغت كورب"، و"كاتربيلر إنك"، جميعها، إما رفعت سن التقاعد الإلزامي أو ألغته أو تخلّت عنه مؤقتاً حتى يستطيع رؤساؤها التنفيذيون البقاء في مناصبهم لفترة أطول.
الرؤساء التنفيذيون يتقاعدون في سن أكبر
عندما أجرت الشركات تغييراً في منصب الرئيس التنفيذي، اختارت المرشحين الأكبر سناً للوظيفة. عمر الرؤساء التنفيذيين المعينين حديثاً -الذي ارتفع تدريجياً بالفعل على مدى السنوات الخمس الماضية- بلغ ذروته في عام 2021 عند 56 عاماً، مع ما يصل إلى واحد من كل ستة مديرين فوق الـ60 عاماً، وفقاً لتقرير حديث صدر عن شركة التوظيف في المناصب العليا "سبنسر ستيوارت" (Spencer Stuart)، والمنطق الرئيسي وراء ذلك هو أن: الأكبر سناً يعني خبرة أكبر واستعداداً أفضل للتعامل مع التحديات خلال الاضطرابات.
أساطين وول ستريت يستعيدون سطوتهم عبر دورات التسريحات السنوية
من المنطقي إذن أنه في العام الماضي، عندما عادت عملية تغيير الرئيس التنفيذي إلى وتيرتها الطبيعية بعد التباطؤ خلال الوباء، كان الرؤساء التنفيذيون المتقاعدون أكبر سناً، وظلوا لفترات أطول في مناصبهم بفعل تأجيل مغادرتهم، فوفقاً لـ"سبنسر ستيوارت"، بلغ متوسط العمر 62.6 سنة، ومتوسط البقاء في المنصب 10.2 عام، أما بين عامي 2011 و2020، لم يتجاوز متوسط فترة عمل الرئيس التنفيذي المنتهية خدمته 10 سنوات.
تحول كبير بعد الوباء
لكن في عام 2022، حدث تحول كبير في خلافة الرؤساء التنفيذيين. فبينما كان الرؤساء الذين انتهت ولايتهم كباراً في السن، أصبح الرؤساء التنفيذيون الجدد يميلون لأن يكونوا أصغر سناً.
وجدت "سبنسر ستيوارت" أن متوسط عمر الرؤساء التنفيذيين المعينين حديثاً انخفض إلى أقل من 54 عاماً بقليل. ورغم لا يبدو ذلك للوهلة الأولى انخفاضاً كبيراً، فإنه أكبر تراجع سنوي في أعمار رؤساء الشركات التي يضمها مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" منذ عام 2000، مع ما يقرب من 30% من الفئة الجديدة تحت سن الخمسين، في عام 2021، كان نصيب المديرين التنفيذيين الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً 12% فقط من هذه الوظائف.
نهج مستقبلي أكثر انفتاحاً
لن أجادل بطريقة أو بأخرى فيما إذا كان انخفاض متوسط العمر يشير إلى أن مجالس الإدارة -بينما نعود إلى بعض مظاهر الحياة الطبيعية- أصبحت الآن تُفضّل التفكير الجديد الذي يمكن أن يأتي مع الشباب النسبي على مزايا الخبرة التي تصاحب العمر أم لا.
دراسة: نصف رواد الأعمال الجدد في أميركا خلال 2021 من النساء
ما هو أكثر أهمية بكثير هو أن صانعي القرار الحقيقيين في الشركات الأميركية يصدرون إشارات على أنهم باتوا أخيراً مستعدين لأن يكون الرؤساء التنفيذيين في المستقبل مختلفين عن نظرائهم المنتمين للماضي– ما يعني: أصغر سناً، وعدد أقل من فئات البيض والذكور.
صادف أن يكون أصغر رئيس تنفيذي تم تعيينه خلال العام الماضي من قبل الشركات التي يضمها مؤشر "ستاندرد أند بورز 500" امرأة أيضاً– "سارة لندن" (42 عاماً)، من شركة التأمين الصحي "سينتين كورب"، تُعتبر "لندن" واحدة من بين 13% من جميع الرؤساء التنفيذيين الجدد في عام 2022 من الإناث، ارتفاعاً من 6% في 2021، وفقاً لـ"سبنسر ستيوارت". (لا تتعقب شركة التوظيف انتقالات الرؤساء التنفيذيين حسب العرق أو الإثنية). غير أن هذه المضاعفة في عدد الرئيسات التنفيذيات، انطلقت للأسف من مستوى منخفض جداً في الأساس: سبعة من أصل 56 في عام 2022، ارتفاعاً من ثلاثة فقط من 48 في العام الأسبق، لذلك لا تتحمس كثيراً. ورغم ذلك، هناك دلائل أخرى على أن هذا الرقم قد يرتفع في المستقبل غير البعيد.
هل تتولى أعداد أكبر من النساء المناصب العليا؟
حينما بحثت الشركات عن قادة قادرين على التعامل مع البيئة الاقتصادية المضطربة، أفادت "سبنسر ستيوارت" بارتفاع عدد حالات الانتقال من وظيفة المدير المالي إلى الرئيس التنفيذي في 2022، إذ وصلت إلى 16% من إجمالي الانتقالات، مقارنة مع 4% فقط في عام 2020. جاء هذا الارتفاع في العام نفسه الذي سجّلت فيه النسبة المئوية للمديرات الماليات النساء أعلى مستوى على الإطلاق. إذا استمر هذان الاتجاهان، فمن المرجح أن نشهد مزيداً من النساء يتقلدن أعلى المناصب.
مديرون يعتمدون العمل عن بعد لإبقاء الرواتب منخفضة
لدينا أيضاً أدلة حقيقية على ما يمكن أن يحدث عندما ينظر المديرون إلى ما هو أبعد من السيرة الذاتية النموذجية ومجموعة الخبرات، وهو النهج الذي يتبعونه الآن مع أقرانهم في مجلس الإدارة.
في الماضي، بدا أن أكبر مؤهل للتعيين في مجلس الإدارة هو وجود خبرة سابقة كمدير. لا يتطلب الأمر ذكاءً خارقاً لمعرفة كيف حوّلت هذه الأنواع من المعايير مجالس إدارة الشركات إلى شبكة من "الرفاق القدامى".
لكن في العام الماضي، وجدت دراسة منفصلة لـ"سبنسر ستيوارت" أنه في عامي 2021 و2022، لم يكن لأكثر من ثلث الأعضاء الجدد في مجالس إدارة الشركات في "ستاندرد أند بورز" خبرة سابقة في العمل كمديرين. واحزر ماذا أيضاً؟ ترتبب على ذلك أن قائمة المديرين كانت أكثر تنوعاً بكثير، إذ إن 72% من جميع المديرين الجدد كانوا من فئات غير ممثلة تمثيلاً كافياً في كل من هذين العامين.
فصلٍ في الأدوار يعزز الحوكمة
هناك تغييرات هيكلية تلعب دورها أيضاً، جعلت من الأسهل على مجالس الإدارة اختيار مرشح قد ينظرون إليه على أنه لا يمتلك تجربة كافية، وخبرته لا تتوافر فيها كل الشروط.
المديرات يواجهن تمييزاً مستجداً آتياً من مرؤوسيهن
في العام الماضي، ولأول مرة، لم يصبح الرئيس التنفيذي أيضاً رئيساً لمجلس الإدارة في كل الـ56 عملية انتقال. من الصعب وصف وتقدير مدى التحول الهائل الذي يحدثه هذا بالنسبة للشركات الأميركية. إذ قبل خمس سنوات فقط، تم تعيين 15% من الرؤساء التنفيذيين كرؤساء مجلس إدارة جدد.
يُعتبر الفصل بين دور الرئيس التنفيذي ورئيس مجلس الإدارة دليل على حوكمة جيدة، وبحسب جيمس سيترين، رئيس قسم الممارسات في شؤون الرؤساء التنفيذيين في "سبنسر ستيوارت"، فإن هذا الفصل هو بمثابة إقرار بأن القيادة هي لعبة جماعية. إذ قال لي: "لا أحد يمكنه فعل كل شيء بمفرده".
هناك خطر ونحن نستعد لمواجهة فترة من عدم اليقين الاقتصادي، أن تعود مجالس الإدارة إلى عاداتها القديمة، بالاعتماد على نماذج عفا عليها الزمن لمن ينبغي ومن لا ينبغي أن يكون الرئيس التنفيذي. قد يكون هذا هو الخيار المريح، لكنه الخاطئ. تواجه الشركات اليوم أنواعاً جديدة من التحديات والتوقعات المنتظرة أكثر مما واجهت في الماضي. وربما حان الوقت لنوع جديد من القادة للتعامل معها.