بلومبرغ
منذ أكثر من عام بقليل، أعلنت الصين أن جميع عمليات تداول العملات المشفرة غير قانونية، في خطوة اختمت سلسة إجراءات صارمة كانت تتزايد وتيرتها منذ سنوات.
تسببت خطوة الحكومة في حدوث اضطرابات في صناعة العملات المشفرة المحلية، مع تراجع كل شيء بدءاً من تعدين "بتكوين" وانتهاءً بالتداول. فوفقاً للبنك المركزي الصيني، انتقلت الصين من كونها تمثّل نحو 90% من معاملات "بتكوين" العالمية إلى 10% فقط.
في حين أن بعض رواد الأعمال اختاروا البقاء في الصين ومحاولة العمل ضمن حدود النظام التنظيمي الجديد، انتقل العديد منهم إلى أماكن مثل الولايات المتحدة وسنغافورة وتايلندا ودبي. تحدثت "بلومبرغ نيوز" مع أربعة منهم عن تجاربهم ووجهات نظرهم حول كل شيء من "ويب 3" (web3) إلى أوجه التحيزات الثقافية تجاه العملات المشفرة. إليكم قصصهم:
ديان داي، المؤسسة المشاركة ورئيسة قسم التسويق، "دودو" (Dodo)
في عام 2020، أطلقت "داي" (25 عاماً)، "دودو"- وهي بورصة عملات مشفرة لامركزية. ثم غادرت الصين في هذا العام، وخلال الصيف استقرت مؤقتاً في بانكوك قبل الانتقال إلى سنغافورة. مثل العديد من زملائها الذين يعملون متنقلين، تسافر "داي" من بلد إلى آخر، وغالباً ما تقوم بتوقيت تحركاتها لتتزامن مع المؤتمرات الكبرى لصناعة التشفير. من بين داعمي "دودو" كل من "كوين بيس فينتشرز" (Coinbase Ventures)، و"غالاكسي ديجيتال" (Galaxy Digital)، و"بانتيرا كابيتال" (Pantera Capital).
تشير "داي" إلى أن أسلوب الحياة هذا يتسم بالعديد من التحديات، بداية من التعامل مع اللغة إلى الثقافة والتحيزات. ومع ذلك، تقول إن الموضوع الأكثر مناقشة بين رواد أعمال العملات المشفرة الصينيين الذين يعيشون في الخارج هو كيفية تأمين تأشيرة عمل أو إقامة أجنبية أو جنسية.
وتضيف: "رواد الأعمال الصينيون في مجال العملات المشفرة هم مجموعة كبيرة، لذا فأنت لا تقاتل بمفردك. في عالم التشفير، يُعدّ بناء مجتمع أمراً مهماً للغاية. قد تأتي العادات الصغيرة مثل نشر "الميمز" (memes) بشكل طبيعي بالنسبة للمؤسسين الناطقين باللغة الإنجليزية، لكن بالنسبة لنا هذا شيء ندرسه ونتدرب عليه... فمن دون حماية (جدار الحماية العظيم) الصيني، يتعين علينا أن نخوض المنافسة العالمية باستعمال تطبيق (داي وان)".
سوجي يان، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "ماسك نتوورك" (Mask Network)
بعد تركه للكلية، أسس "يان" (26 عاماً)، شبكة "ويب3" اجتماعية للشركات الناشئة تدعى "ماسك نتوورك" في عام 2017. تتيح الخدمة للمستخدمين إرسال رسائل وعملات مشفرة عبر "تويتر" و"فيسبوك". بعد مغادرة شنغهاي، قضى "يان" بعض الوقت في سنغافورة، ويقول إن هدفه هو عدم البقاء في أي دولة واحدة لأكثر من نصف عام. يرى "يان" -الذي بدأ في وقت سابق حملة على "غيت هاب" (Github) ضد ما يعتبره ثقافة العمل المفرطة التي تُدعى في الصين " نظام ساعات العمل 996"- أن "ويب3" هو ثورة ضد السلطة المركزية.
يقول "يان": "عندما يشارك المواطنون الصينيون في العملات المشفرة، فإنهم يكتسبون هوية جديدة– إذ إنهم مواطنون صينيون، لكنهم أيضاً مواطنون في دولة رقمية. بل إنهم يدفعون مجموعتين من الضرائب: ضريبة الدخل وضريبة "ويب3" في شكل رسوم الغاز".
يضيف "يان"، الذي أسس أيضاً "بونفاير يونيون" (Bonfire Union)، الذراع الاستثمارية لشركة "ماسك نتوورك"، إن التحدي الرئيسي الذي يواجه رواد الأعمال في مجال التشفير الصيني هو جذب انتباه أصحاب رؤوس الأموال في "وادي السيليكون"، والذين لا يكلفون أنفسهم عناء الرد على العروض.
يشرح "يان": "إن ذلك انتهاك للأيديولوجية الأساسية للعملات المشفرة- أن تكون دولية بلا حدود. في أغلب الأوقات أهوّن على المؤسسين الصينيين الآخرين الذين تم رفضهم من قبل المستثمرين المغامرين الأميركيين. وأقول لهم إنهم قوميون ولا يستحقون الاستثمار في أمميين".
جيري هوانغ، المؤسس المشارك لشركة "ستيبن" (STEPN)
كان "هوانغ" (37 عاماً)، من بين المؤسسين الصينيين في قطاع التكنولوجيا الذين قادوا طفرة الهواتف الذكية في البلاد منذ نحو عقد، حيث حققوا نجاحاً سريعاً في التسويق السريع لألعاب الهاتف المحمول. عاش "هوانغ" في سيدني على مدى السنوات التسع الماضية.
في ديسمبر، أطلقت الشركة الناشئة التابعة لـ"هوانغ" تطبيقاً للياقة البدنية يسمى "ستيبن" يتيح للمستخدمين شراء أحذية رياضية افتراضية في شكل رموز غير قابلة للاستبدال، التي يمكن استخدامها بعد ذلك لكسب الرموز الرقمية. بعد شهر واحد فقط، جمعت "ستيبن" 5 ملايين دولار من مستثمرين من بينهم "سيكويا كابيتال" (Sequoia Capital)، و"ألاميدا ريسيرش" (Alameda Research) التابعة لسام بانكمان-فرايد.
لم يمض وقت طويل قبل أن تُجبر "ستيبن" على إجراء تغييرات لتجنب إغضاب المنظمين الصينيين. في مايو، قالت الشركة الناشئة إنها ستحظر المستخدمين في الصين القارية استناداً إلى موقع الـ(GPS).
يقول هوانغ إن شركته لم تعرض أبداً تنزيلات أو خاصيات التسوق للمستخدمين الصينيين؛ ومع ذلك، فقد شكلوا نحو 5% من أكثر من 2 مليون مستخدم لـ"ستيبن" في ذلك الوقت. يضيف: "لقد استهدفنا الأسواق العالمية ولم نتوقع أن يكون المستخدمون الصينيون بهذا الحماس. لكن بعد أن أصبحنا كباراً، حان الوقت عندها إلى فرض رقابة ذاتية لتجنب المخاطر النظامية".
مع ذلك، يقول "هوانغ" إنه يدعم حظر العملات المشفرة في الصين لأنه مصمم لحماية مستثمري التجزئة. ويستدرك: "عندما لا يكون إطار العمل التنظيمي الخاص بك سليماً تماماً، وعندما لا يكون المستخدمون لديك متعقلين، فمن الأفضل ألا تنفتح على السوق في وقت سابق لأوانه. لكنني أعتقد أن ذلك سيتغير بمرور الوقت".
زينغ جياجون، مؤسس "سول واليت" (Soul Wallet)
قبل الانتقال إلى الولايات المتحدة في منتصف عام 2021، عمل "زينغ" (29 عاماً)، كمدير منتج للإشراف على المحتوى في "بايت دانس"، الشركة الأم لـ"تيك توك". والآن هو طالب دراسات عليا في جامعة "نورث إيسترن"، وأسس شركة "سول واليت"، وهي محفظة عقود ذكية تتيح للمستخدمين تغيير المفاتيح الخاصة.
يقول "زينغ": "خلفيتي الصينية مهمة للغاية ويمكنها أن تضيف للتنوع في مجتمع إيثريوم. لفترة من الوقت كانت تغريدتي المثبتة "الفصل بين الدولة والإنترنت"، وهذا ما كانت تحاول إيثريوم فعله. ما حققته بتكوين هو الفصل بين الدولة والمال. والآن يتعلق الأمر بفصل الإنترنت عن الدولة... في مجتمع "إيثريوم" الأساسي، تُعتبر القيم مشكلة كبيرة: هل تهتم بمكافحة الرقابة، وحياد الشبكة الموثوق به؟ بالنسبة لكثير من الناس، ليست الأيديولوجية هي (الأولوية) الأولى، فهم يهتمون أكثر بالتكنولوجيا وثانياً بآفاق الأعمال. وهذا يصعّب عملية دمجهم مع مشاغبي العملات المشفرة الذين غالباً ما يكونون مثاليين".
وفقاً لـ"زينغ" فإنه "إذا كنت تقوم بعمل مناهض للرقابة في الصين، فسيكون ذلك صعباً. لا أعتقد أن "ويب3" سيحدث حتى تصبح الصين دولة ديمقراطية. من الأساس، يكمن جوهر "بلوكتشين" في بناء شيء لامركزي مضاد للرقابة. إذا كان يجب أن يتعايش مع الرقابة، فإنه يفقد نكهته. ففي تلك الحال يمكنك أيضاً استخدام الخوادم والآلات الخاصة بك".