تشير بعض التقديرات الجديدة إلى أن البشرية تقترب من مواجهة منعطف سكاني كبير، وتتنبأ مقالة حديثة في مجلة "ذا لانسيت" بألا نستطيع التكاثر بسرعة تكفي لتعويض أنفسنا بحلول 2030.
ومع أننا لا نوشك على الانقراض، فإن هذا المسار لم يتوقعه أحد. بل إن الأمم المتحدة توقعت في 2017 أن أعداد البشر لن تبلغ ذروتها حتى عام 2100 عندما يتجاوز عددنا 11 مليار شخص.
وتشير التقديرات الحديثة إلى أن أعداد البشر قد ترتفع من المستوى الحالي البالغ 8.1 مليار إلى 9.5 مليار نسمة على أقصى تقدير، قبل أن تنخفض بحلول أوائل ستينيات هذا القرن.
قبل ذلك، كان يبدو أن كارثة الانفجار السكاني مسألة حتمية، غير أن ارتفاع مستوى التعليم والحرية الإنجابية عند النساء، ساهما في درء بعض أسوأ التنبؤات في القرن العشرين.
هذا أمر يستحق أن نحتفي به في الحقيقة، فلسنا على مشارف المعاناة من فرط زيادة سكانية ونفاد الغذاء، كما يحدث أحياناً للحيوانات في البرية، وكما تنبأ كتاب "القنبلة السكانية" الصادر في 1968.
العدد المناسب لسكان العالم
غير أن نسبة السكان من كبار السن سترتفع ارتفاعاً كبيراً في مختلف أنحاء العالم، مما يثير قلق بعض الاقتصاديين، وسط رغبة بعض القادة السياسيين في قيام عدد أكبر من الناس بإنجاب مزيدٍ من الأطفال.
وعلى الجانب الآخر، يدافع بعض أنصار حماية البيئة عن ضرورة خفض عدد السكان بوتيرة أسرع لإبطاء كل من ظاهرة الاحتباس الحراري وتدمير الموطن الملائم لأنواع أخرى من الكائنات، بما يؤدي إلى تدمير الشروط البيئية لحياة البشر في النهاية.
وفي صميم هذه المناقشة تكمن أسئلة كبيرة بلا إجابة، مثل: هل 9.5 مليار نسمة عدد كبير جداً بالنسبة للبشر؟ وهل سيتقلص عدد السكان بعد ذلك إلى مستوى منخفض للغاية؟ هل هناك رقم صحيح مناسب لعدد البشر؟
ربما ينبغي على صُناع السياسة أن يركزوا على حقيقة أن كثيراً من الأطفال في العالم لا يحصلون على تغذية أو تعليم أو رعاية طبية كافية، بدلاً من التركيز على عدد الأطفال الذين ينجبهم الناس.
فحتى في وقتنا الحالي، حيث يزرع البشر محاصيل غذائية تكفي لإطعام جميع سكان العالم، يعاني واحد من كل عشرة أشخاص تقريباً من سوء التغذية المزمن، وهو مصطلح علمي يعني "الجوع طوال الوقت"، وأكثر من خمس أطفال العالم يعانون من التقزم (قصر القامة الشديد) بسبب الجوع المزمن والعدوى.
في النهاية، وكما يوضح عالم الديموغرافيا والرياضيات جول كوهين، فإن سؤال "ما هو الرقم الصحيح المناسب لعدد البشر" يعتمد على أسئلة كثيرة أخرى، من بينها: ما هو المعيار المقبول للثروة المادية؟ وما هو مستوى التفاوت الذي سيكون مقبولاً؟ وهل سيكون بناء مدن في مناطق عرضة للفيضانات والزلازل الكارثية أمراً مناسباً؟ وهل يفضل الناس مواقف السيارات أم الحدائق؟
تراجع مستوى الخصوبة
يقول كوهين إن تقديرات "ذا لانسيت" الجديدة تتمتع بالمصداقية. وتابع: "في الواقع، هذه التقديرات هي أكثر الأعمال التي تتسم بالجدية في المجال الذي يتناول ما قد حدث وما هو المتوقع"، و"هناك الكثير من الأمور المرتبطة بالمناخ والدين والاقتصاد والسياسة، لكن الحقيقة هي أن الخصوبة تنخفض وربما تستمر في ذلك".
تُقاس الخصوبة عادة بالنظر إلى عدد الأطفال المولودين سنوياً للنساء في كل فئة عمرية بين 15 إلى 55 عاماً. لكن نموذج "ذا لانسيت" يتابع مجموعات النساء اللاتي يولدن كل عام، مع احتساب عدد الأطفال الذين ولدتهم نساء بلغن من العمر 15 عاماً في 1950، ثم 16 عاماً في السنة نفسها، وهكذا، حتى بلوغهن سن الخمسين.
وقال كوهين إن "خصوبة المجموعة هي ملخص أفضل بكثير للتجربة الحقيقية للنساء الحقيقيات".
كما أخذت التوقعات الجديدة في الاعتبار التأثيرات المقدرة على التعليم، وفرص الحصول على وسائل منع الحمل، وكلاهما له تأثير كبير على خفض الخصوبة.
أوضح كوهين أن محاولات بعض الحكومات لتشجيع الأبوة من خلال تقديم حوافز اقتصادية أو فرض قيود على الإجهاض تبوء بالفشل. وأشار إلى بحث نُشر في مجلة الجمعية الطبية الأميركية يُظهر أن معدلات التعقيم الطوعي في الولايات المتحدة ارتفعت بعد قرار المحكمة العليا في قضية "دوبس" والذي يلغي حقوق الإجهاض الوطنية. وبالرغم من عدم إثبات السبب والنتيجة، قال إنه من الممكن أن تدفع القوانين التي تقيد ممارسة الإجهاض "الناس إلى عدم الإنجاب، وهو ما لا أعتقد أنه التأثير المقصود".
عواقب ضبط الكثافة السكانية
من المستحيل معرفة جميع النتائج غير المقصودة لمحاولة ضبط الكثافة السكانية نحو النمو أو الانخفاض، لكن ليس هناك أي نتائج سلبية لرعاية ما لدينا بالفعل من أطفال رعاية أفضل.
يجب أن تركز السياسة المستقبلية على مساعدة الناس في إنجاب عدد الأطفال الذي يريدونه، في الوقت الذي يريدونه، ومع من يريدون. وفي كتابها الجديد "الجنس والكوكب"، تبدأ عالمة الأخلاق الحيوية بجامعة يوتا، مارغريت بابست باتين، بتجربة فكرية، وأثارت سؤالاً مفاده ماذا سيحدث إذا حصل الجميع على وسائل منع الحمل الموثوقة والآمنة والمجانية والمضمونة على المدى الطويل، بحيث لا يحدث الحمل إلا إذا اختارت المرأة أو الزوجان ذلك؟
حتى الآن، تبلغ نسبة الحمل غير المخطط له 45% من إجمالي حالات الحمل في العالم (وتزيد هذه النسبة في الولايات المتحدة)، وتتسبب بعض تلك الحالات في 73 مليون عملية إجهاض تحدث كل عام.
لكن معدلات الإجهاض ستنخفض، وكذلك معدلات حمل المراهقات، في ظل وجود وسائل منع الحمل الموثوقة وطويلة الأمد. كذلك، ستتراجع معدلات المواليد في العديد من المناطق، مما سيمنع النمو السكاني السريع. ومن ثم، لن يحتاج الناس إلى اللجوء إلى التعقيم الدائم.
بطبيعة الحال، تلقى الأفكار الكئيبة والمتشائمة رواجاً، ولهذا السبب دائماً ما يجري تصوير الاتجاهات السكانية ككوارث وشيكة، سواء كانت طفرة في المواليد أو انخفاضاً في عددهم.
إذا كنا لا نستطيع الاتفاق على أننا ننتظر عدداً من السكان أكثر مما ينبغي أو أقل مما ينبغي، فربما يكون الوقت مناسباً لمساعدة الناس في إنجاب عدد الأطفال الذين يرونه مناسباً لهم.