إصابات كورونا تتزايد في الصين تزامناً مع تخفيف نهج "صفر كوفيد"

المستشفيات تعاني لإيجاد طواقم كافية وبعضها أوقف الممارسات الطبية لغير علاجات كوفيد

time reading iconدقائق القراءة - 19
عدد قليل من الزوار في شنغهاي، الصين، يوم السبت، 11 ديسمبر 2022. - المصدر: بلومبرغ
عدد قليل من الزوار في شنغهاي، الصين، يوم السبت، 11 ديسمبر 2022. - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

يتسارع انتشار وباء كوفيد-19 بين الأسر ومكاتب العمل في الصين بعد إلغاء الإجراءات الاحترازية بشكل غير متوقع الأسبوع الماضي، ما أثار حالة ارتباك في البلاد التي تفتقر مستشفياتها للاستعدادات اللازمة للتعامل مع ارتفاع حالات الإصابة.

بالرغم من مناشدات وسائل الإعلام الحكومية وخبراء الصحة بمداواة المواطنين لأنفسهم والمكوث في المنزل للتعافي، ما زال العديد من المواطنين، المتخوفين من الفيروس بعد ثلاثة أعوام من الضجة الإعلامية التي تصفه بالخطير، يتدفقون إلى المستشفيات.

بعض المنشآت تعاني لإيجاد عمالة كافية والبعض الآخر يوقف الممارسات الطبية لغير علاجات كوفيد، حيث تعلن الطواقم الطبية محاولاتها الحثيثة لتلبية الحاجة للرعاية بعد انعكاس سياسة "صفر كوفيد".

تمكن ملاحظة مشاهد الاضطرابات بسهولة في بكين، حيث تشير الأدلة المتداولة إلى أن إجمالى أعداد الإصابات يفوق العدد الذي أعلنته الحكومة، والذي يصل إلى 1,133 حالة حتى الأحد الماضي، بعدة أضعاف. ازدحمت الصفوف خارج المستشفيات وسط معاناة المواطنين لإيجاد الدواء، بينما تعطلت خدمات التوصيل لإصابة عمال التوصيل بالفيروس أيضاً.

العودة للحياة الطبيعية

تحث وسائل الإعلام الحكومية المواطنين على عدم الاتصال بالخط الساخن لخدمات طوارئ العاصمة الطبية ما لم يكونوا في حالة مرضية شديدة. وحذروا من أن تدفق مكالمات طلب المساعدة سيمنع هؤلاء الذين هم في حاجة ماسة للمساعدة من الوصول للخدمات.

ضاعفت المدينة عدد عيادات الحميات بأكثر من ثلاثة أضعافها، وتسعى لافتتاح المزيد، فيما يطالب المسؤولون المواطنين بطلب العلاج في العيادات المجتمعية بدلاً من الذهاب للمستشفيات الكبرى.

صرح شو هيجيان، المتحدث باسم حكومة بكين في إفادة صحفية يوم الاثنين، أن "الأمر يتطلب وقتاً لتحسين إجراءات السيطرة على الوضع، فالتحول المستقر لا يأتي بسهولة". وأضاف أن موجة التفشي السريع للوباء فرضت ضغطاً واضحاً قصير المدى على الخدمات الصحية والإمدادات الدوائية، مشيراً إلى أن "هدفنا المشترك أن نعود إلى الحياة والإنتاجية الطبيعية بأسرع ما يمكن".

قال أحد أفراد الطواقم الطبية إنه تمت مطالبة الأطباء وطواقم التمريض في مستشفى واحدة على الأقل في بكين بالاستمرار في العمل حتى لو أصيبوا بكوفيد، إذا كانت الأعراض طفيفة. بينما قال آخر إنه تم استدعاء طاقم الرعاية الطبية في مستشفى آخر بوسط المدينة للعمل في أيام العطلة. طالب هؤلاء الأفراد بعدم الإفصاح عن هوياتهم لأنهم غير مخولين للتحدث علانية.

كما قال عامل آخر في منشأة منفصلة في بكين إنهم فوجئوا بسرعة إلغاء إجراءات السيطرة على كوفيد، حيث لم يتح للمستشفيات سوى قليل من الوقت لاتخاذ الاستعدادات المناسبة.

تحوّل السياسات

تغيرت التعليمات الموجهة للأطباء وطواقم التمريض بشكل دوري خلال الأسبوعين الماضيين، بينما تم تخفيف حدة الفحوصات التي يخضع لها طواقم المنشأة إلى مرتين أسبوعياً بعدما كانت تتم يومياً، وفقاً لأحد الأشخاص فضل عدم الإفصاح عن هويته نظراً لسرية المعلومات. كما أكد هذا الشخص بأن العدوي أصبحت حتمية.

يحدث التحول في نهج التعامل مع كوفيد في الصين بطرق مختلفة في أرجاء الدولة الواسعة بما يبدو انعكاساً لما قد تكشف عنه الشهور المقبلة. أعلنت بعض المستشفيات في المدن الكبرى مثل قوانغتشو ووهان وشيجياتشوانغ بالقرب من بكين عن نقص في العمالة بنسبة تصل إلى 20% حيث يتساقط أفراد الطواقم مرضى أو يتم توظيفهم في مستشفيات كوفيد المؤقتة، طبقاً لوسائل الإعلام المحلية بما فيها "كايكسين". وذكرت أن المؤسسات الطبية تؤجل أو تعلق بعض الممارسات مثل غسيل الكلى أو العلاج الكيميائي.

في مكان آخر، قال أحد الأطباء في مستشفى خاص بشنغهاي، والذي طلب عدم الإفصاح عن هويته لأنه غير مخول بالحديث علناً، بأنه لم يشهد تدفقاً مماثلاً للمرضى، وإن من يشاهدهم فقط يعانون من أعراض طفيفة. ذكر الطبيب أنه فقط يُطمئنهم ويخبرهم بأن يعودوا للمنزل.

يسعى معظم الصينيين لتلقي الرعاية في المستشفيات العامة حتى للاعتلالات البسيطة في ظل تحمل التأمين الطبي الحكومي لتكلفة الرعاية، فهذا التأمين يغطي أكثر من 95% من السكان البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة. في الوقت نفسه، من المرجح أن تتجه النخبة التي تتمتع بتأمين خاص إلى المستشفيات الخاصة للحصول على خدمات محدودة نسبياً. حث مجلس الدولة الصيني المؤسسات الطبية على توفير خدمات إلكترونية تشمل خدمات الاستشارة على مدى 24 ساعة.

طمس للحقيقة

كذلك، تشير المعلومات الواردة من داخل منظومة الرعاية الطبية إلى ارتفاع كبير في عدد الإصابات، ما جعل الأرقام الرسمية، التي تُظهر أعداد المصابين عند أدنى مستوى شهري، بلا معنى. حتى الآن، لم يتضح ما إذا كانت الحكومة مستعدة لعرض حقيقة تفشي الوباء، خاصة أن الصين لم تعلن بشكل رسمي عن أي وفيات بكوفيد منذ بدء التحول في سياساتها. كما أن حالات الإصابة الحرجة الصادرة عن اللجنة الوطنية للصحة بشكل يومي كانت عند مستوى منخفض يبلغ 141 حالة ليوم الأحد.

يأتي الأضطراب الذي أثاره الانعكاس السريع لسياسات "صفر كوفيد" التي دامت لثلاثة أعوام متزامناً مع انخفاض درجات الحرارة دون الصفر والتي تتسبب في الانتشار السريع للفيروس بين المواطنين، ومع استمرار انخفاض نسبة كبار السن الحاصلين على اللقاح في الصين، تُثار الشكوك حول ما إذا كان تحول الدولة جاء سريعاً وسط قليل من الاستعدادات.

تستمر البنية التحتية التي هيأتها الدولة للسيطرة على الوباء في التفكك بصورة متسارعة مع إلغاء تطبيق الهاتف المحمول الوطني الذي كان يُستخدم لتتبع تنقل المواطنين اعتباراً من يوم الثلاثاء.

تعثرت بعض الإجراءات الهادفة لتخفيف الضغط في مواجهة العدوى المتزايدة. بينما طالبت اللجنة الوطنية للصحة المستشفيات بتوفير أماكن عزل وعنابر خاصة لمنع انتشار الفيروس في المستشفيات، أعلنت وسائل الإعلام المحلية بما فيها "كايكسين" أن تنفيذ هذه الإجراءات على أرض الواقع أصبح مستحيلاً في ظل انتشار الفيروس بين المرضى والطواقم الطبية.

قال أحد أفراد الطواقم الطبية ممن لا يُسمح لهم بالحديث لوسائل الإعلام إن أحد المستشفيات في بكين طالب المرضى المقيمين بالتوقيع على استمارات إخلاء مسؤولية تفيد بإدراكهم أن تلقيهم للرعاية لا يخلو من خطر الإصابة بكوفيد. تقدم المستشفيات في شنغهاي نصائح للمواطنين عبر وسائل التواصل الاجتماعي حول كيفية التعامل مع كوفيد في حال الإصابة به، كما تحثهم على عدم القدوم للمستشفى ما لم تظهر عليهم أعراض شديدة، حتى أن بعض كبار المشاهير في الصين تم توجيههم لتهدئة مخاوف الجماهير من الوباء ومشاركة تجاربهم الشخصية في الإصابة وكيفية التعافي.

تسبب التحول الوشيك في سياسات الصين في قلب توقعات الاقتصاديين والمستثمرين رأساً على عقب، مما أدى إلى تعقيد التقديرات حول كيفية تأثير تغييرات سياستها على النمو الاقتصادي. تراجعت الأسهم الصينية يوم الاثنين وسط بعض عمليات جني الأرباح بعد مكاسبها الأخيرة الحادة، والمستثمرون يستعدون لمواجهة السوق لاضطرابات في عام 2023 حيث تخطط الدولة لإعادة رسم مسارها من جديد.

كتب هوي شان، كبير الاقتصاديين الصينيين في مجموعة "غولدمان ساكس" في مذكرة يوم الأحد، أن "التغييرات التي جرت على أرض الواقع فاجأت الكثيرين، بمن فيهم نحن". وتابع: "حتى قبل شهر، كانت وسائل الإعلام الرسمية تواصل التأكيد على العمل على تنفيذ 20 إجراءً متعلقاً بتحسين تنفيذ السياسة الديناميكية لصفر كوفيد، بدلاً من التخلي عنها. وبعد أسابيع قليلة، تم إلغاء العديد من القيود، ويبدو أن الوباء ينتشر سريعاً بين السكان".

تصنيفات

قصص قد تهمك