بلومبرغ
أخيراً، أصبح تَوجُّه السويد إلى تشديد الإغلاق، بعد أن كانت قد اتبعت نهجاً لا يمكن وصفه إلا بأنَّه كان أرق طريقة في العالم للتعامل مع جائحة فيروس كورونا.
وأصبح بإمكان حكومة رئيس الوزراء ستيفان لوفين، ابتداءً من يوم الأحد، فرض غرامات على الشركات التي لا تلتزم بالقيود المفروضة، مثل تحديد عدد الزوار، فضلاً عن تقييد التجمعات الخاصة، بموجب قانون جديد يستمر حتى شهر سبتمبر.
ويعدُّ هذا خروجاً عن الاعتماد بشكل أساسي على الثقة في التزام الأشخاص بالتوصيات المقدَّمة واتباعها. ومع تزايد الضغوطات التي تتعرَّض لها أنظمة الرعاية الصحية، وارتفاع عدد حالات الوفيات، يعتقد بعضهم أنَّ هذه الإجراءات لم تعد كافية، وجاءت متأخرة.
دروس قاسية من الوباء
ويقول ويليام هاناغ، الأستاذ المشارك في علم الأوبئة في كلية هارفارد للصحة العامة في بوسطن، الذي تابع إستراتيجية البلاد عن كثب: "لقد تعلَّمت السويد دروساً حول الفيروس بأسلوب قاسٍ، مثل العديد من الدول. ولكن السويد كانت بطيئة للغاية.
وأشارت أدلة كثيرة منذ فترة الربيع، سواءً في السويد، أو أماكن أخرى، بخصوص
ما يمكن توقعه في الخريف والشتاء في حال لم تتغير السياسة، والآن نحن نشهد هذه العواقب".
وفي حين كانت السويد تتّبع إستراتيجيتها غير المعتادة، لكنَّها كانت تشكِّك في قرارات الدول الأخرى التي اتجهت للإغلاق.
وأدَّت توجُّهات السويد الرافضة للقيود الإلزامية إلى زيادة الوفيات جراء الفيروس، بمعدَّل أكثر بثلاث مرات بالمقارنة مع الدنمارك، وهي الدولة الأقرب إقليمياً من ناحية الوفيات.
وتضاءلت الثقة في الحكومة، التي وقعت أيضاً تحت وطأة انتهاكات كبار المسؤولين، بمن فيهم لوفين نفسه، للقواعد الخاصة بالوباء، حتى إنَّ الملك كارل السادس عشر غوستاف، وصف استجابة الدولة بالفاشلة.
وكما هو الحال في بقية أنحاء العالم، تركَّز الجدل في عصر الجائحة حول الموازنة بين صحة الناس، وتداعيات انهيار الاقتصادات. وقد صمد الاقتصاد السويدي بشكل أفضل من غيره، في حين تجاوز عدد الوفيات الآن 9,600 حالة.
قانون الجائحة
وقال كبير علماء الأوبئة أندرس تيغنيل، الذي وصف في شهر يونيو البلدان التي اختارت الإغلاقات الصارمة بـ"الجنون": "إنَّه لا ينبغي النظر إلى قانون الجائحة على أنَّه منعطف في الإجراء، بل هو امتداد للإجراءات التي تمَّ اتخاذها".
وقال في مقابلة: "لا نزال نعمل بشكل أساسي مع الإجراءات الطوعية للأفراد، ونحن نعمل مع تنظيم أنواع مختلفة من المؤسسات والمتاجر التي هي بحاجة إلى لوائح وتوصيات للوفاء بالتزاماتهم".
أما البروفيسور بيورن أولسن من جامعة أوبسالا، وهو أحد منتقدي تيغنيل الرئيسيين، فقال: "لقد استفاقت وكالة الصحة العامة الآن على الحقيقة، كانوا عنيدين للغاية بالتمسك بالإستراتيجية، ولم يستمعوا للآخرين، أو إجراء أي دراسات تحليلية خارجية".
وكان أندرس ليتزن أحد الذين عانوا من الوباء، وقد والدته أغنيثا البالغة من العمر 71 عاماً في الربيع، بعد أن جلس إلى جانبها لمدة 16 ساعة، قبل وفاتها، وهو يرتدي معدَّات الحماية الكاملة. وقال الرجل البالغ من العمر 42 عاماً، الذي فقد وظيفته بسبب الجائحة، وبدأ العمل كمساعد في المستشفى: "إنَّ رسائل الحكومة مع الناس كانت غامضة للغاية".
ويقول: "أعتقد أنَّ أمي كمعظم السويديين، لم يأخذوا الأمر على محمل الجد. و
لا أستطيع أن أقول إن كان ما فعلته السويد صحيحاً أو خاطئاً، ولكن أعتقد من وجهة نظري الخاصة أنَّك عندما تريد إيصال رسالة، يجب أن تكون هذه الرسالة قوية وواضحة".
واعترف لوفين وعدد من مسؤولي الصحة في شهر أبريل، وهم الذين واجهوا انتقادات مبكرة بما في ذلك من الرئيس دونالد ترمب، أنَّ البلاد لم تنجح في حماية كبار السن في دور رعاية المسنين، وهي النتيجة نفسها التي توصَّلت إليها لجنة عيَّنتها الحكومة مؤخراً.
في حين صرَّح مايك رايان، رئيس برنامج الطوارئ بمنظمة الصحة العالمية، للصحفيين مؤخراً أنَّ السويد اتخذت "قرارات جيدة" في التوجه نحو إجراءات أكثر صرامة.
تطبيق التدابير الاجتماعية
وقال: "هذا مثال على مدى صعوبة الحفاظ على الصحة العامةن وتطبيق التدابير الاجتماعية التي يتمُّ تحديدها بالاعتماد بشكل بحت على رغبة الفرد، أو تصميمه على تنفيذ تلك التدابير، وهو الذي يوضِّح لنا مع بداية عام ،2021 مدى صعوبة هذه البيئة والتحديات التي تطرحها".
الصحة مقابل الاقتصاد
ومع ذلك فقد نجح أكبر اقتصاد في منطقة الشمال الأوروبي أن ينجو من الأزمة بشكل أفضل من معظم الدول الغربية، فقد كانت مصانعه الأقل تضرراً من اضطرابات الإمدادات في الجزء الأخير من عام 2020.
وتمَّ تعويض الاختلافات في إستراتيجيات الإغلاق بين بلدان الشمال ودول البلطيق، من خلال اعتمادها المشترك على التصنيع، لذا فقد استفادوا من انتعاش التجارة العالمية، بناءً على ما قاله روبرت بيرغكفيست، كبير خبراء الاقتصاد في المؤسسة المصرفية الخاصة (SEBAB). الذي استطرد قائلاً: "عندما نلخِّص عام 2020، نجد أنَّ الصناعة ساعدتنا على تحمُّل بعض فترات الركود التي شهدناها في العديد من البلدان الأخرى".
وسمحت مستويات الديون المنخفضة للسويد بإطلاق العنان للحوافز المالية، بدعم من برنامج شراء الأصول التابع لبنك (Riksbank). وفي حين أنَّ قانون الجائحة قد يتطلَّب إجراءات تحفيزية إضافية، فإنَّ "السويد سوف تستمر من منظور دولي، في الحصول على تمويل قوي للغاية من الحكومة المركزية"، بناءً على ما أفاده بنك (Danske) في تقريره "توقُّعات الشمال" مؤخراً.
القيادة الصعبة
وقد شهدت شعبية رئيس الوزراء لوفين انخفاضاً في ثقة الناخبين، مع تصاعد الانتقادات لردِّ فعل الحكومة، كما لم تكن نتائج الرصد الذي أجري مؤخراً في صالحه أبداً، بناءً على مسح لآراء المتسوقين في عيد الميلاد بمركز تجاري.
كذلك رُصِد وزير ماليته، وهو يستأجر الزلاجات في أحد المنتجعات، في حين كان المسؤول الكبير الذي يدير فريق الاستجابة لفيروس كورونا يقوم برحلة في عيد الميلاد إلى جزر الكناري، وهي أفعال كانت جميعها تتعارض مع الإرشادات الرسمية. وبالطبع، لم تسكت المعارضة عن هذا، وبدأت بمواجهة الحكومة.
وقال زعيم المعارضة الرئيسي أولف كريسترسون، في مؤتمر للأمن القومي عُقِد مؤخراً: "لن يتوقَّف انتقال العدوى بسبب استخدام نبرة جادَّة في مؤتمر صحفي ما"، وانتقد الحكومة بسبب "الافتقار إلى القيادة، والاستعدادات السيئة، والتقسيم غير الواضح للمسؤوليات".
وانخفض التأييد لرئيس الوزراء بـ 7 نقاط إلى نسبة 31% من الناخبين السويديين، وفقاً لاستطلاع أجرته شركة "ديموسكوب" على شبكة الإنترنت، ونُشر مؤخراً، وهذا الرقم يُشكِّل أكبر انخفاض في شعبية لوفين في شهر واحد منذ بداية الجائحة. ولكن
لا يواجه لوفين أي تهديد وشيك لوظيفته في ضوء النظام السياسي القائم.
حلول واهية
وقال أولسن من جامعة أوبسالا: "إنَّ الاستجابة الأخيرة كانت "تحولاً جزئياً" ولا تكفي لمواجهة الوضع، الذي بات بحاجة لإجراءات، مثل فرض ارتداء أقنعة الوجه، وإغلاق المزيد من المدارس، إذ لاتزال المدارس الابتدائية مفتوحة".
ويضيف أولسن: " يجب علينا الآن أن نكون مشغولين جداً بإعطاء اللقاحات، ولكن الكثير من الجهود التي تبذل، هي للحدِّ من انتقال العدوى فحسب. وهذه أنصاف حلول واهية، والعديد من الدول كانت ستتجه نحو الإغلاق التام في هذا الوضع".
وقالت السلطات الصحية السويدية مؤخراً، إن السويد أعطت لقاحات لما لا يقلُّ عن 80 ألف شخص، بحلول تاريخ 10 يناير، وذلك بنسبة 0.8% من سكانها، وهذا يعدُّ أقل من حصيلة الدنمارك البالغة 2%، بناءً على ما ورد في مؤشر بلومبرغ المتتبع للقاحات( كوفيد -19).
وقال بيرغكفيست من المؤسسة المصرفية الخاصة (SEBAB): "أعتقد أنَّ الأمر في هذه المرحلة من الأزمة لا يتعلق بإستراتيجية الإغلاق بقدر ما يتعلَّق بإستراتيجية اللقاح".
ويقول ليتزن، الذي قرَّر المساعدة في مكافحة الجائحة، بعد أن فقد والدته: إنَّه كان يجب على القيود الأكثر صرامة أن تحل محل التوصيات الطوعية في وقت سابق من الآن. ويضيف: "عندما يتعلَّق الأمر باللوائح الموصى بها، فإنَّه من السذاجة جداً التفكير في أنَّ دولة بأكملها يمكن أن تتبعها، ما لم تفرضها على شكل قانون ما".