هل يصبح العلاج عن بُعد مستقبل الرعاية الصحية بعد "كورونا"؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
التطبيب من بعد يتلقى دفعة بعد كورونا - المصدر: بلومبرغ
التطبيب من بعد يتلقى دفعة بعد كورونا - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

في عام 1962، عندما أصيبت شخصية "إلروي" الكارتونية بـفيروس "فينوس" في مسلسل الرسوم المتحركة الأمريكي "ذا جيستونز" (The Jetsons)، اتصلت والدته بالطبيب، الذي سرعان ما ظهر عبر شاشة الفيديو الموجودة في غرفة المعيشة. في ذاك الوقت، كان التطبيب، وتقديم الرعاية الصحية مِن بُعد لا يزالان في طور النقاش. وعلى الرغم من ذلك، ارتبط واقع التطبيب مِن بُعد تقريباً مع هذه الرؤية المستقبلية.

وحتى وقت قريب جداً، كان استخدام التطبيب مِن بُعد محدوداً جداً بسبب مخاوف تتعلَّق بالسلامة، والدقة، والخصوصية. أمَّا اليوم، بسبب وباء فيروس كورونا، فقد تزايد استخدامه بشكل كبير، إذ أصبح الناس يتجنَّبون زيارة الأطباء في جميع أنحاء العام خوفاً من التعرض للإصابة بالفيروس المستجد.

كورونا يعطي التطبيب مِن بُعد دفعة نحو المستقبل

مع بداية تفشي فيروس كورونا، بدأ ممارسو الطبِّ في تكثيف عروضهم الافتراضية،

لا سيِّما المواعيد، عبر تطبيقات المحادثة المختلفة عن طريق الفيديو، مثل "فيس تايم"، و"زووم"، كطريقة لمواصلة رعاية المرضى، والحفاظ على استمرارية أعمالهم. في الوقت نفسه، خفَّفت الجهات التنظيمية من القواعد التي كانت تقيِّد التطبيب مِن بُعد.

في الولايات المتحدة على سبيل المثال، خفَّف المسؤولون من نفاد قوانين قابلية التحمُّل، والمساءلة للتأمين الصحي، الذي كان يضع معايير صارمة للخصوصية. كذلك وسَّعت برامج التأمين الصحي الحكومية "ميديسايد"، و"ميديكير" من أنواع الخدمات المغطاة، وبدأت في دفع مقابل الزيارات الافتراضية بمعدلٍ أعلى للفرد.

ووفقاً لتقرير صادر عن شركة "ماكنزي" فإنَّ 46 % من المستهلكين في الولايات المتحدة استخدموا التطبيب مِن بُعد في يونيو 2020 ، وذلك بزيادة 11 % عن العام السابق.

ويتوقَّع محلِّلو القطاع الطبي استمرار الاتجاه نحو قبول التطبيب مِن بُعد، إذ مِن المرجَّح أن يظل فيروس كورونا يشكل تهديداً صحياً خلال سنوات عديدة، وذلك حتى تنتشر المناعة التي توفِّرها اللقاحات على نطاق واسع عالمياً. وبحلول ذلك الوقت، مِن المرجَّح أن يصبح الطبُّ مِن بُعد جزءاً لا يتجزأ من نظام الرعاية الصحية.

ووفقاً لتقديرات "ماكنزي" فإنَّه مع استبدال 20% من زيارات غرفة الطوارئ، و

25 %من زيارات عيادات الرعاية الصحية بالتطبيب مِن بُعد، فإنَّه يمكن أن يمثِّل نحو خُمس إجمالي إنفاق برامج التأمين مثل "ميديكير"، و"ميديسايد"، وأيضاً إنفاق شركات التأمين الخاص على العيادات الخارجية، والرعاية الصحية المنزلية، في حين من المتوقَّع أن يبلغ هذا الإنفاق 250 مليار دولار في عام 2020، مقارنة بـ3 مليارات دولار كانت تحقِّقها صناعة التطبيب مِن بُعد سنوياً في الولايات المتحدة قبل تفشي فيروس كورونا.

عقبات كثيرة في تاريخ تطوُّر القطاع

تاريخياً، كان الأفراد يستخدمون التطبيب مِن بُعد بشكل أساسيِّ في المناطق المعزولة، وفي حالات الطوارئ القصوى، كما استخدمه روَّاد الفضاء في محطة الفضاء الدولية. وكان يُنظر إليه على أنَّه خدمة صغيرة، وإضافية لمقدِّمي الرعاية الصحية الذين يعتنون في المقام الأول بالمرضى شخصياً.

وفي الولايات المتحدة، كان برنامج "ميديكير"، الذي يغطي كبار السنِّ، وغالباً ما يضع معايير مهنية عالية، أحد العقبات الرئيسية لتطور الرعاية مِن بُعد، إذ يدفع البرنامج فقط مقابل التطبيب مِن بُعد إذا كان المرضى في المناطق الريفية، وذهبوا إلى مرفق طبيٍّ محليِّ يربطهم مِن بُعد بالخبراء.

أمَّا القيود المفروضة على المهنيين الصحِّيين العاملين خارج حدود الولايات -منذ تعليقها للتطبيب مِن بُعد- فقد زادت تقييد استخدامه. وعلى مدار سنوات، كان ارتفاع الطلب على التكنولوجيا التي تسمح بتطور التطبيب مِن بُعد بطيئاً نسبياً، ففي حين اعتاد الشباب الأكثر حماساً على التواصل مع الأفراد، والحصول على البضائع، والخدمات عبر الإنترنت، ركَّز مقدِّمو الخدمات الصحية فقط على توفير الرعاية الافتراضية العاجلة، ومساعدة المرضى في الحصول على زيارات فورية مع أطباء لا يعرفونهم غالباً . وقد تراجع النمو بسبب المخاوف بين المرضى، ومنظمات الرعاية الصحية، والأطباء من أنَّ التطبيب مِن بُعد سيؤدي إلى رعاية منخفضة الجودة، ونتائج سيئة، وتضارب في التشخيص، وخطط العلاج.

الفئة الأكثر استفادة

في الوقت الحاليِّ أصبح المريض والطبيب على متن المركب ذاته، ليجد كلاهما فوائد غير متوقَّعة للتطبيب مِن بُعد. فبالنسبة إلى المرضى، يمكن للتطبيب مِن بُعد أن يُسرِّع ويقلِّل من تكلفة الحصول على الرعاية الطبية، كما أنَّه أصبح أكثر أماناً لهم. ويوفِّر عليهم عناء الرحلات إلى عيادة الطبيب، أو ربما دفع رسوم وقوف السيارات، أو الانتظار لبدء الموعد في غرفة مزدحمة بالمرضى.

أمَّا بالنسبة إلى الأطباء، فإنَّ هذه الممارسة وفَّرت عليهم كثيراً من الوقت، مما يسمح لهم برعاية مزيد من المرضى، وربما زيادة الأرباح. كذلك تظهر مجموعة متزايدة من الأدلة على أنَّ التطبيب مِن بُعد يماثل بجودته الزيارات الشخصية لعديد من أنواع الرعاية الطبية، بل وأحياناً يكون أفضل.

كما أنَّ دراسة من جامعة "تكساس ساوثويسترن" وجدت أنَّ التطبيب مِن بُعد سمح بزيادة عدد المرضى الذين يتلقون رعاية متخصصة، وقلَّل نسبة المواعيد الفائتة، أو الملغاة. وذلك في مقارنة بين أبريل 2020، والشهر نفسه من العام الماضي.

ووجدت دراسة أُجريت عام 2018 في المناطق الريفية والنائية في أستراليا أنَّ برنامج التطبيب مِن بُعد، الذي يربط العيادات المحلية بإخصائيين أمراض القلب في مواقع حضرية، قد عزز اختبار أمراض القلب بنسبة 42 % في عام واحد، وقلَّل من وقت القيادة لكل مريض بأكثر من 300 ميل (500 كم)، وقلَّص نحو أسبوعين من الوقت المطلوب للحصول على الاختبار، وأكثر من شهر من الانتظار للحصول على النتائج.

وعلى الرغم من ذلك لا تزال هناك قيود، فلا شيء يحل محل التفاصيل الدقيقة التي يمكن للأطباء إدراكها باستخدام كل حواسِّهم في الزيارات الفعلية. فحتى الأساسيات، مثل الاستماع إلى دقات القلب، أو قراءة ضغط الدم، لا يمكن إجراؤها مِن بُعد في معظم الحالات، في حين يواجه كثير من المرضى صعوبة في الوصول، وتشغيل ما يلزم للحصول على التطبيب مِن بُعد، بما في ذلك الفئة التي من الممكن أن تستفيد أكثر من سواها من الرعاية الصحية مِن بُعد، إذ يعاني واحد من بين كل ثلاثة أمريكيين فوق سن الـ65 عاماً من صعوبة في الاتصال بالطبيب مِن بُعد، وغالباً بسبب نقص المِعدَّات اللازمة، أو المهارات التقنية، وذلك وفقاً لدراسة من جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو. كذلك الحال بالنسبة إلى المرضى من ذوي الإعاقة، خصوصاً أولئك الذين يعانون مشكلات سمعية، أو بصرية، أو إدراكية.


تصنيفات