ما دور صالونات العناية بالأظافر في مواجهة كورونا في مطارات أميركا؟

time reading iconدقائق القراءة - 11
صورة تعبيرية عن انتقال الفيروسات من خلال السفر الجوي - المصدر: بلومبرغ
صورة تعبيرية عن انتقال الفيروسات من خلال السفر الجوي - المصدر: بلومبرغ
المصدر:

بلومبرغ

عندما اجتاح الوباء العالم في شهر مارس من عام 2020، لم يكن أحد يفكر في الحصول على جلسة عناية بالأظافر. ما اضطر مجموعة "إكسبرس سبا" (XpresSpa) وهي سلسلة لصالونات التجميل في المطارات، تتخصص بتقديم خدمات العناية بأظافر اليدين والقدمين وخدمات التدليك للمسافرين، إلى إغلاق كافة فروعها الخمسين. وحتى تتمكن الشركة من الاستمرار خلال العامين القادمين، اضطرت لإجراء تحوّل جذري، وكانت السوق الرائجة البديهية بالنسبة لها هي اختبارات فيروس كورونا.

فأطلقت "إكسبرس سبا" بالشراكة مع مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها وشركة البيولوجيا التركيبية "جينكغو بيووركس" (Ginkgo Bioworks) عملية مراقبة تهدف لرصد السلالات المتحولة الجديدة والناشئة بين المسافرين الدوليين.

وخلال الأشهر الثمانية الماضية، أجرت الشركات الثلاث فحوصات لآلاف الركاب القادمين من أكثر من 15 دولة حول العالم. وبعيداً عن القواعد التي تُلزم المسافرين بتقديم نتيجة فحص سلبية لفيروس كورونا للدخول إلى الولايات المتحدة، أسفر هذا المجهود التعاوني عن كشف الحالات الإيجابية والسلالات المتحولة الجديدة بانتظام.

اقرأ أيضاً: بيل غيتس يؤلف كتاباً حول كيفية جعل كوفيد-19 الوباء الأخير

وفي عالم يجتاز فيه الفيروس كلّ الحدود الدولية، يصف إزرا إيرنست، الرئيس التنفيذي لشؤون الاختبارات في سلسلة الصالونات "إكسبرس تشيك" ما تقوم به شركته على أنه "نوع من توفير الحماية على الحدود الجوية".

مراقبة التهديدات

يعدّ هذا البرنامج أحد الأمثلة النادرة عن التعاون الفعّال بين الحكومة والقطاع الخاص خلال الوباء، لدرجة أنه تم توسيع المشروع، حيث تجري محادثات لاستخدامه بغرض مراقبة أي تهديدات بيولوجية مختلفة قد تطرأ في المستقبل.

وفي ظلّ السفر الدولي، كان من المستحيل احتواء وباء كورونا. إذ يمكن إرجاع أولى حالات الإصابة في الولايات المتحدة وأوروبا إلى مسافرين حملوا الفيروس معهم على طائرات قادمة من الصين. ونشأت العديد من السلالات المتحولة منذ ذلك الحين، وجابت هذه المتحولات العالم أجمع خلال بضعة أسابيع، بل حتى بضعة أيام. وسرعان ما أيقنت الدول أن إغلاق الحدود لن يردع تفشي فيروس كورونا، فركزت العديد منها على المراقبة الآنية من هذا النوع استعداداً لما هو قادم بشكل حتمي.

وعلى امتداد فترة طويلة خلال انتشار الوباء، كانت الولايات المتحدة متأخرة في تتبع السلالات المتحولة، في حين كانت دول مثل إسرائيل والمملكة المتحدة واليابان تدرس التسلسل الجيني للفيروس في مراكز السفر. وكشفت إدارة الرئيس جو بايدن مؤخراً عن خطط للاستثمار في هذه الجهود، حيث منحت مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها 1.75 مليار دولار من ميزانية خطة الإنقاذ الأميركية من أجل تعزيز إمكانيات دراسة السلالات الوراثية حالياً وفي السنوات المقبلة.

الاختبارات الطوعية

يختلف مشروع المراقبة في المطارات المدعوم من مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها عن ذلك المعمول به في دول أخرى، من حيث أنه يعتمد على المشاركة الطوعية للمسافرين. فيقدم طاقم "إكسبرس تشيك" في المطارات اختبارات كورونا مجانية للمسافرين الدوليين عند نقطة استلام الحقائب وعند طوابير سيارات الأجرة في نيويورك، ونيوجرسي، وسان فرانسيسكو، وأتلانتا. حيث يخضع المتطوعون إلى فحص "بي سي أر" في المكان مباشرة، ويحصلون على عدّة لإجراء فحص منزلي بعد بضعة أيام.

بعدها تُرسل المسحات إلى شبكة شركة "جينكغو" في بوسطن التي تضمّ أكثر من ستين مختبراً، والتي تجمع ما يصل إلى 25 عينة للاختبار سوياً. وفي الأسبوع الأول من يناير الماضي، وفي ظلّ ازدياد السفر خلال عطلة أعياد رأس السنة وارتفاع عدد الإصابات، كانت نتيجة 46% من الاختبارات إيجابية. وخلال أحد أسابيع شهر أبريل، كانت نتيجة 15% من الاختبارات إيجابية. ومن خلال التسلسل الجيني للفيروس في الاختبارات الإيجابية، تمكّن البرنامج حتى الآن من كشف دخول العديد من السلالات الفرعية من متحول أوميكرون إلى الولايات المتحدة.

تعليقاً على ذلك، تقول رينيه ويغرزين، رئيسة شؤون الابتكار في شركة "كونسينتريك" (Concentric) المتخصصة بالأمن البيولوجي والتابعة لشركة "جينكغو": "إذا سألتموني عن جاهزيتنّا للوباء التالي، فالجواب هو كلاً، نحن لسنا جاهزين، لكننا أحرزنا تحسنّا في التعامل مع الوباء الحالي".

بداية المشروع

انطلق المشروع قبل أكثر من عام، حين توجّه إيرنست، رئيس "إكسبرس تشيك"، إلى المسؤولين الحكوميين لعرض إمكانية استخدام إجراء الاختبارات في المطارات ضمن خطط استجابة الحكومة للوباء، وكان توقيته موفقاً، بما أن مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها كان يبحث عن طرق لتحسين الأنظمة التي يعتمدها لرصد الفيروسات. فمعظم أعمال رصد المتحولات خلال العام الأول من الوباء جرت بفضل جهود متفرقة قامت بها الجامعات والمستشفيات بدلاً من الاعتماد على شبكة من المختبرات التي تُنسق فيما بينها على مستوى حكومي، (أو الممولة) فيدرالياً.

وفي أغسطس الماضي، وافق مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها على برنامج نموذجي لإثبات المفهوم يستمر لمدة ثمانية أسابيع وتبلغ قيمته مليونيّ دولار. أقامت بموجبه " إكسبرس تشيك" شراكة مع "جينكغو" في ثلاثة مطارات أميركية، وركزت على سبع رحلات منتظمة تأتي من الهند، حيث كان متحول دلتا أدّى إلى موجة كبيرة من الإصابات. بعد ذلك، أتى أوميكرون وأعطى مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها الضوء الأخضر لتوسيع البرنامج في نوفمبر، بهدف تحديد السلالة المتحولة الجديدة بشكل أسرع. وبالفعل، خلال بضعة أيام من توسيع المشروع كشفت عينتان أُخذتا في مطار نيوارك عن أول إصابة في الولايات المتحدة بالسلالة المتحولة الفرعية "بي أي.2"، وأول إصابة في أميركا الشمالية بالسلالة المتحولة "بي أي.3"، وذلك قبل 43 يوماً من رصدها في أي مكان آخر في القارة.

تعليقاً على ذلك، تقول سيندي فريدمان، مسؤولة فرع صحة المسافرين في مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها: "كان الجميع يبحث عن أوميكرون، ولقد كُلفنا بالقيام بذلك. باختصار، لقد نجح النظام الذي نعتمده".

الكشف عن المتحولات

يرى مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها أن هذا البرنامج أساسي لمستقبل المراقبة البيولوجية في الولايات المتحدة. فمن شأن تحديد سلالة متحولة جديدة أو فرعية أن يسهم في تحسين إجراءات الوقاية وتطوير علاجات أفضل، بحسب فريدمان. بالتالي، وقامت الوكالة الصحية بزيادة استثمارها بأكثر من الضعف إلى 5.6 مليون دولار في يناير. في غضون ذلك، توسّع الشركات أنشطتها لشمل المزيد من المطارات الأميركية وتقوم بتجربة مشاريع جديدة، مثل أخذ "المياه الزرقاء" - وهو مسمى ألطف لمياه المراحيض من على متن الطائرات، للبحث عن وجود سلالات متحولة من فيروس كورونا، وربما في نهاية المطاف الكشف عن أمراض فيروسية أخرى مثل جدري القرود.

اقرأ أيضاً: وداعاً لطوابير استلام الحقائب.. أهلاً بمطارات المستقبل

من جهة أخرى، بدأت الكثير من الدول توقف العمل في مثل هذه المشاريع. فإسرائيل التي أرسلت في السابق عينات إيجابية من اختبارات كورونا أجريت في المطارات من أجل دراسة تسلسلها الجيني، ألغت إلزامية الخضوع للاختبارات للدخول في مايو المنصرم. في هذا الإطار، ترى فريدمان أهمية متزايدة للجهود التعاونية الجارية في الولايات المتحدة، في وقت تخفّض الدول الأخرى جهودها في مجال دراسة السلالات الجينية. وقالت: "لا أرى أن مشروع المراقبة في المطار سوف ينتهي قريباً".

تنمية الأعمال

كذلك، تجري " إكسبرس تشيك" و"جينكغو" محادثات نشطة أيضاً مع الدول الأخرى من أجل توسيع أنشطتها في الخارج. فبعد انقضاء مرحلة الأزمة الوبائية، تواجه الشركات التي ازدهرت خلال فترة الوباء تحديات في الحفاظ على ارتفاع أسهمها. ومنذ 13 ديسمبر حين أعلن الشركاء عن رصد السلالة المتحولة الفرعية "بي أي.3"، انخفضت أسهم "جينكغو" بحوالي 65%، فيما انخفضت أسهم " إكسبرس سبا" بنسبة 57%. وتأمل هذه الشركات الآن أن تسهم تنمية خدماتها للمراقبة في منحها بعض الانتعاش.

وبالإضافة للإمكانيات التجارية، يرى تاج أزاريان، عالم الأوبئة المتخصص بالسلالات الجينية في "جامعة وسط فلوريدا" أن المراقبة في المطارات تعتبر أداة أساسية في مجال الصحة العامة على المدى الطويل. وقال: "كان هذا النهج ليحدث فارقاً في الماضي مع أمراض أخرى"، مثل فيروس زيكا ومرض السلّ. وبحسب أزاريان، يتمثل الهدف النهائي في توسيع قدرات المراقبة في المطارات لتتمكن الدول من كشف مسببات الأمراض الأخرى والتهديدات التي لم يسبق رصدها من قبل.

يشترك مركز مكافحة الأمراض والوقاية منها مع "إكسبرس تشيك" و"جينكو" في هذه الرؤية. وبالفعل بدأت "جينكغو" تطوّر نظم جديدة يمكنها في وقت واحد تقييم عينة ما بالمقارنة مع عدّة أمراض، مثل الإنفلونزا والحصبة.

يضيف إيرنست: "أعرف أن الناس متعبون ويريدون المضي قدماً، إلا أنه ينبغي علينا الاستمرار بإقناعهم بضرورة استمرار الانتباه لتجنب تكرار ما حدث".

تصنيفات

قصص قد تهمك