هل أعطت بريطانيا بعض سكانها أعلى مناعة ممكنة ضد فيروس "كوفيد" (SARS-CoV-2) دون تعمّد؟
قررت بريطانيا ومعظم أوروبا استخدام لقاح "فايزر" (Pfizer) كجرعة ثانية لفئات عمرية محددة بعد إبلاغات عن آثار جانبية لدى بعض من تلقوا لقاح "أسترازينيكا" (AstraZeneca)، ما أدى لنشوء تجربة طبيعية في خلط لقاحات.
تشير البيانات الجديدة الصادرة عن بريطانيا إلى أن هذا المزج أتاح مناعة إضافية ضد متحول "أوميكرون" لدى من تلقوه مقارنة بالآخرين.
ليس الأمر مفاجئاً من نواحٍ كثيرة، فقد عرف الباحثون منذ سنوات أن الخلط بين اللقاحات قد ينتج مناعة أقوى أو أدوم، كما يوفر دفاعاً أكبر ضد السلالات المتحوّلة. ما لم يعرفه الباحثون هو كيفية تأثير مزج لقاحات شركات مختلفة على المناعة ضد فيروس "كوفيد" (SARS-CoV-2) والأمراض الخطيرة.
يجب أن نبذل مزيداً من الجهد في دراسة هذه الآثار بالنظر لأحدث البيانات العلمية.
تحدثت تيريز رافائيل، إلى سام فاضلي، وهو محلل أدوية أول في "بلومبرغ إنتليجنس" حول البيانات الجديدة المتعلقة بمزج ومطابقة اللقاحات.
تيريز رافائيل: كيف يمكن للتركيبة الخاصة السائدة في بريطانيا أن تمنح ميزة مناعية فيما يتعلق بمتحول "أوميكرون بي إيه.1"، الذي ظهر لأول مرة في جنوب أفريقيا في نوفمبر وبدأ ينتشر.
سام فاضلي: أظهرت دراسة جديدة أجراها زيجون وانغ وزملاؤه تناولت أفراداً تلقوا اللقاح في بريطانيا، أن تلقي جرعة واحدة من لقاح "بيونتيك-فايزر" المسمى "كوميرناتي" (Comirnaty) بعد جرعة أولى من لقاح "فاكسزفريا" (Vaxzevria) من "أسترازينيكا" أدى لاستجابة مناعية لم تتفوق على جرعتين من لقاح "أسترازينيكا" فحسب، بل بدا أفضل من تلقي جرعتين من "فايزر". ظهر هذا بشكل، حين نظر مؤلفو الدراسة لمستويات الأجسام المضادة المعادلة (NAb) ضد سلالة "أوميكرون بي إيه.1"، المتحول الأصلي من "أوميكرون" المثير للقلق.
تيريز رافائيل: ما هو حجم الاختلاف الذي نتحدث عنه؟ وهل يعني ذلك مناعة أقوى أم مناعة أدوم أم كلا الأمرين؟
سام فاضلي: كانت مستويات الأجسام المضادة المعادلة في مجموعة مزج اللقاح بعد شهر واحد من الجرعة الثانية أعلى 10 مرات من جرعتين من لقاح "فايزر" الذي يعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي (mRNA)، وذلك مع ثلث الأفراد في هذه المجموعة الأخيرة الذين ليس لديهم أجسام مضادة معادلة على الإطلاق. يعني ذلك أن من تلقوا لقاحاً مختلطاً لن يكونوا على الأرجح محميين بشكل أفضل ضد العدوى فقط، بل قد تستمر هذه الحماية لفترة أطول نظراً للمستوى الأعلى من الأجسام المضادة.
تيريز رافائيل: خلصت الدراسة إلى أن جرعتين من لقاح "فايزر" قد يكون غير مناسب عندما يتعلق الأمر بمتحول "أوميكرون"، هل يمكن أن تشرح ذلك؟
سام فاضلي: أظهرت الدراسة أنه بعد ستة أشهر من تلقي جرعتين من لقاح "فايزر" الذي يعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي، كان لدى الأشخاص مستويات أعلى من خلايا الذاكرة البائية، أي التي تتحول لخلايا منتجة للأجسام المضادة عند حدوث عدوى جديدة، خاصة بمجال ربط مستقبلات البروتين الشائك للفيروس، مقارنة بأولئك الذين تلقوا لقاحاً مختلطاً.
إن مجال ربط مستقبلات البروتين الشائك هو الجزء الذي يتعامل أولاً مع الخلية البشرية و"يرتبط" بمستقبلها وهو جزيء (ACE-2) البشري. لن تحدث أي عدوى بدون هذا الارتباط، فالأجسام المضادة التي تتداخل مع هذا الارتباط "تحيّد" الفيروس. لذلك فهي المنطقة التي تحدث فيها معظم المتحولات في الفيروس للالتفاف حول الأجسام المضادة الوقائية.
لذلك، إذا كانت معظم خلايا الذاكرة البائية تستهدف هذه المنطقة، فقد تستغرق العدوى وقتاً أطول لمعالجتها أو يكون لديها فرصة أكبر لتؤدي إلى مرض أشد لأن الفيروس يحول مجال ربط المستقبلات ويهرب من الأجسام المضادة. كان هناك مزيد من الأجسام المضادة التي ليس لها علاقة بمجال ربط المستقبلات في مجموعة اللقاح المختلط.
تيريز رافائيل: ماذا عن استجابة الخلايا التائية، فهي خلايا مناعية تحد من شدة المرض وتساهم بمناعة أدوم. كيف يقارن نظام اللقاح المخلوط من هذه الناحية؟
سام فاضلي: لدينا هنا دراستان تدعمان فكرة استخدام الخلط بين اللقاحات. أظهرت دراسة أجراها زولتان بانكي، وزملاؤه أن مستويات الواسمات الالتهابية (سيتوكين) وهي واسطة للتفاعل المناعي للخلايا التائية كانت أعلى لدى من تلقوا لقاحاً مختلطاً مقارنة بجرعات اللقاح الذي يعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي فقط. بيّن مؤلفو الدراسة أيضاً أن هناك مزيد من الخلايا التائية متعددة الوظائف بعد اللقاح الممزوج. تشير الوظائف المتعددة الأعلى والمستويات الأعلى من الواسمات الإلتهابية إلى أن الحماية بعد تلقي اللقاح المختلط قد تكون أفضل من تلقي جرعتين من نفس اللقاح.
تيريز رافائيل: لتقديم مزيد من الجرعات الأولى بسرعة وسط قيود العرض، اختارت بريطانيا فترة 12 أسبوعاً بين اللقاحين الأول والثاني، وهي أطول بكثير من البلدان الأخرى. هل يمكن أن يؤثر ذلك على النتائج؟
سام فاضلي: أجل، قد يرجع الاختلاف بين اللقاح المختلط وتلقي جرعتين من لقاح "فايزر" لاستخدام لقاحين مختلفين، أو لطول الفترة بين اللقاحين الأول والثاني ويجمع بين السببين لدى من تلقوا لقاح "أسترازينيكا" متبوعاً بلقاح "فايزر" مقارنة مع فاصل شهر واحد بين جرعتين من لقاح "فايزر".
تيريز رافائيل: نشهد الآن موجة خامسة من الفيروس في جنوب أفريقيا، التي مزجت لقاح "جونسون آند جونسون" (Johnson & Johnson)، على غرار لقاح "أسترازينيكا"، مع لقاح "فايزر". مع ذلك، فمعدل التلقيح في جنوب أفريقيا ما يزال منخفضاً للغاية بواقع 32% فقط مُلقحين بالكامل و5.4% ممن تلقوا لقاحاً معززاً. هل هناك ما يمكننا تعلمه من تلك التجربة؟
سام فاضلي: في الواقع، كانت هناك دراسة أجراها زانغ وزملاؤه بحثت في الاستجابة المناعية للقاحات التي تعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي واللقاحات من شركتي "جونسون آند جونسون" و"نوفافاكس" (Novavax). أظهرت الدراسة أن من تلقوا جرعة واحدة من لقاح "جونسون آند جونسون"، الذي يشبه لقاح "أسترازينيكا" لأنه يستخدم ناقلاً غدياً، أنتجوا نوعاً معيناً من خلايا الذاكرة البائية تبيَّن أنها مهمة لمناعة الغشاء المخاطي، أي المناعة في الممرات الأنفية وأسطح الرئتين على عكس المناعة "الخلطية" التي تعتمد على الدم، في عينتين حيوانيتين. لم تظهر مناعة الغشاء المخاطي بعد تلقي اللقاحات التي تعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي، ما يشير لوجود إلى حماية أعلى محتملة ضد الإصابة مرة أخرى بين من تلقوا جرعة من لقاح "جونسون آند جونسون" قبل أو بعد تلقي اللقاح الذي يعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي.
لكن يتضح أنه لتكون أياً من هذه الجرعات فعالة، فيجب على الأشخاص تلقيها هي وجرعاتها المعززة. ما نعرفه عن الموجة الأخيرة في جنوب أفريقيا هو أنها لم تدم طويلاً، وأن معدل الإصابات إلى الوفيات كان أقل من موجة متحول "أوميكرون بي إيه.1".
تيريز رافائيل: ليس هناك ما يضمن أن لن يأيتينا في وقت متحول جديد بخصائص مختلفة، فهل يمكننا استخلاص دروس حول التلقيح من البيانات الجديدة؟
سام فاضلي: تعطي الجرعات المستمرة بنفس اللقاح حماية قصيرة المدى فقط، وقد لا تكون ضرورية نظراً للحماية القوية جداً ضد المرض الشديد لدى معظم الأشخاص الذين تلقوا الجرعة الثالثة، حتى أثناء موجة "أوميكرون". لقد أظهر أحد تحليلاتنا الحديثة أن معدلات الاستبقاء في وحدات العناية المركزة لكل أصابة بمتحول "BA.2.12.1" الفرعي في الولايات المتحدة، هي الأدنى على الإطلاق.
ما ينبغي حقاً هو النظر فيما إذا كان استخدام منصة لقاح مختلفة يمنحنا مناعة أطول وأفضل من تكرار تلقي جرعات اللقاح الذي يعمل بتقنية ناقل الحمض النووي الريبي.
تيريز رافائيل: هل المزج بين لقاحات مختلفة مهم فيما يخص شدة المرض والاستشفاء، أم أن الاختلاف يتعلق باحتمال الإصابة فقط؟ هل ما تزال مسألة الآثار الجانبية الخاصة بجرعات "أسترازينيكا" و"جونسون آند جونسون" تمثل مشكلة؟
سام فاضلي: الجواب على الجزء الأول من السؤال هو أننا لا نعرف. هناك حاجة لمزيد من الدراسات لمعرفة ما إذا كان من تلقوا جرعات مختلطة يتمتعون بحماية أفضل ضد شدة الأعراض أم لا. لذا لمعرفة ذلك تحتاجين لمجموعة كبيرة جداً نظراً لأن الاختلاف، إن وجد، قد يكون ضئيلاً.
باتت إدراك مشاكل الآثار الجانبية لكل من اللقاحات الفيروسية أفضل، وهناك تعديلات مقترحة قد تقللها كثيراً. لكن لدراسة هذا الأمر، ينبغي أن تنخرط فيه المؤسسات التي تمولها الحكومات، فقد توقف المصنعون بشكل أساسي عن الاستثمار في ذلك.