بالرغم من أننا لم نعد قلقين كثيراً بشأن خطورة كوفيد؛ إلا أن هناك تساؤلات حول ما إذا كان الوباء قد جعلنا أكثر عرضة للإصابة بأمراض خطيرة أخرى.
أبلغ مسؤولو ماساشوستس عن حالة نادرة من فيروس متعلق بالجدري، يسمى "جدري القرود"، يوم الأربعاء. كما تم الإبلاغ عن عدد صغير من الحالات في المملكة المتحدة وكندا وإسبانيا والبرتغال.
تحدَّث كبير محللي الأدوية في "بلومبرغ إنتليجنس" سام فاضلي إلى تيريز رافائيل حول ما نعرفه حتى الآن.
تيريز رافائيل: ما علاقة جدري القرود بالجدري وكيف ينتقل؟
سام فاضلي: يأتي فيروس جدري القرود من عائلة الجدري نفسها، فيروسات الأورثوبوكس. وهو أكثر أنواع العدوى شيوعاً من عائلة الفيروسات هذه التي تصيب البشر بعد القضاء على مرض الجدري.
لم يكن يُعتقد أنَّه عدوى مستقلة حتى اكتُشف في مريض كان يُعتقد أنَّه مصاب بالجدري في جمهورية الكونغو الديمقراطية في عام 1972. يسبب الفيروس مرضاً يشبه الجدري، مع حمى مبكرة وصداع وإرهاق، يليه طفح جلدي بعد أسبوعين إلى أربعة أسابيع.
تبلغ فترة حضانة جدري القرود من أسبوع إلى أسبوعين، مثل الجدري. تم الإبلاغ عن متوسط معدل وفيات في حالات الإصابة بجدري القرود في الأشخاص غير المطعمين بنسبة تتراوح بين 10%- 13%.
يلين تدعو إلى إنشاء صندوق جديد بالبنك الدولي لمكافحة الأوبئة المستقبلية
أما فيما يتعلق بالعدوى؛ فأول ما يجب ملاحظته هو أنَّ عدوى جدري القرود حيوانية المصدر، أي ينتقل من الحيوانات إلى البشر، ويمكن أن يصيب مجموعات متنوعة، ولكن ليس هناك الكثير من التفاصيل حول هذا الموضوع.
يُعتقد أنَّ انتقال جدري القرود من إنسان إلى إنسان يتم عن طريق اللعاب أو قطرات الجهاز التنفسي أو التلامس مع الآفات الجلدية، لكن ليس من الواضح مدى كفاءة انتقال العدوى عن طريق الهواء.
من الممكن أن ينتقل الفيروس عن طريق الأفراد المصابين قبل أن تتطور إصابتهم بآفات جلدية، مما يشير إلى أنَّه يمكن حدوث العدوى دون أعراض نظرياً.
وبرغم الاعتقاد السائد أنَّ انتقال العدوى أقل كفاءة من الجدري؛ لكن ليس هناك الكثير من الدراسات الوبائية حول هذا الموضوع.
تيريز رافائيل: هناك نوعان من سلالات الفيروس، إحداهما أكثر خطورة من الأخرى. ما الذي رأيناه حتى الآن؟
سام فاضلي: تعد سلالة فيروس جدري القرود في حوض الكونغو أكثر قوة من سلالة غرب أفريقيا، مع ارتفاع معدلات الإصابات وفقاً لعدد الآفات والوفيات، والتي ترتبط بالسلالة الأولى بنسبة تتراوح بين 10% إلى 13% مقارنة بـ1% لسلالة غرب أفريقيا.
لذا؛ فالخبر السار هو أنَّ الحالات حتى الآن من سلالة غرب أفريقيا كما يبدو، على الأقل في المملكة المتحدة.
تيريز رافائيل: هل حقيقة أنَّ انتقال العدوى لا يتم عبر الهواء يوحي أنه من غير المحتمل أن نرى هذا النوع من النمو المتسارع في الحالات التي اعتدنا عليها مع سارس- كوفيد-2؟ وما نوع الأرقام التي قد تثير المخاوف بشأن تفشي المرض؟
سام فاضلي: قد تنتقل العدوى من خلال قطرات الجهاز التنفسي، برغم من أنَّ هذا لم يُدرس على نطاق واسع بما يكفي للتأكد من مدى فعاليته.
يجب أن نتذكّر أنَّ مشكلة سارس كوفيد 2، هي أنَّه ينتقل أيضاً عن طريق الغبار الجوي، والذي قد يبقى في الغرفة لفترة أطول بكثير من القطرات التي تميل إلى السقوط على الأرض بسرعة نسبياً.
"كورونا" لن يكون الأخير.. إيقاف الوباء القادم لابد أن يبدأ الآن
ولكن عند النظر إلى معدل الوفيات، حتى بسبب سلالة غرب أفريقيا الأقل ضراوة، وحقيقة أنَّ العديد من الشباب الذين ولدوا بعد السبعينيات ليس لديهم مناعة ضد الفيروس؛ فإنَّ معدلات انتقاله المنخفضة يمكن أن يكون لها تأثير اجتماعي كبير.
تيريز رافائيل: هل اللقاحات الموجودة تحمي من جدري القرود؟ وهل توجد علاجات مضادة للفيروسات تساعد المرضى؟
سام فاضلي: كلاهما لدينا. تمت الموافقة على لقاحين للجدري، بالرغم من الموافقة على أحدهما بالفعل لمرض جدري القرود. وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية والعديد من الهيئات التنظيمية الأخرى على لقاح "جينيوس" (Jynneos) من ولاية بافاريا الشمالية لكل من الجدري وجدري القرود، في حين اعتمد لقاح "أكام 2000" (ACAM2000) من "إيميرجينت بيوسولوشنز/سانوفي" (Emergent BioSolutions Inc./Sanofi) للجدري، برغم احتمال نجاحه ضد جدري القرود أيضاً.
يتمثل الاختلاف الأكبر بين اللقاحين في الأمان، إذ يحمل "أكام 2000" (ACAM2000) تحذيراً ضمن مربع أسود على ملصق إدارة الغذاء والدواء الأمريكية بشأن خطر الإصابة بالتهاب عضلة القلب/التهاب التامور، والذي لوحظ بمعدل مرتفع قدره 5.7 حالات لكل ألف شخص. كما أنَّ هناك آثاراً جانبية أخرى قد تحول دون استخدامه على نطاق واسع.
هناك أدوية أيضاً. وافقت إدارة الغذاء والدواء الأمريكية على تركيبة كبسولات وسائل دواء "تيمبيكسا" (Tembexa) من "تشيميريكس" (Chimerix)، والتي تبيعها الشركة إلى "إيميرجينت بيوسولوشنز" (Emergent BioSolutions)، في يونيو 2021 لعلاج عدوى الجدري. وأظهر فعالية ضد جدرى القرود في النماذج الحيوانية، لكني لست على علم إن كانت هناك بيانات تخص البشر.
حصلت كبسولات "تبوكسس" (Tpoxx) من إنتاج "سيجا" (SIGA) على الموافقة في عام 2018، وطوّرت تركيبة دواء سائل منها منذ ذلك الحين.
تيريز رافائيل: ما حقيقة أنَّنا نرى هذا يظهر الآن - هل هذه مصادفة محضة أم أن ذلك يشير إلى أن وباء كورونا قد أضعف المناعة بما يكفي للسماح بانتشار مرض كهذا؟
سام فاضلي: لا علاقة له بضعف المناعة المرتبط بالوباء. يمكن قول ذلك عن الأنفلونزا أو فيروس البرد الشائع أو حتى الفيروس الخلوي التنفسي، لكن ليس هذا.
ما يحدث على الأرجح هو أنَّ المستوى العالمي للمناعة ضد فيروسات الأورثوبوكس قد انخفض، فقد انتهت حملات التطعيم ضد الجدري الأخيرة في السبعينيات. وبالتالي؛ ولد الكثير من الناس منذ ذلك الحين ولم يحصلوا على لقاح الجدري، ولكن ربما هناك بعض الانخفاض في المناعة ضد العدوى، حتى في أولئك الذين حصلوا على لقاح منذ فترة طويلة.
تيريز رافائيل: هل يجب أن نقلق بشأن جدري القرود؟
سام فاضلي: أرى أنَّ الأمر يعتمد على وقت ومكان ولادتك، وهو ما يحدد حالة التطعيم الخاصة بك. هناك بيانات واضحة في الرئيسيات غير البشرية تظهر أنَّ الذين حصلوا على لقاح الجدري هم في حماية من الجرعة القاتلة من جدري القرود. لكن بالنسبة للأشخاص الأصغر سناً، ولم يحصلوا على لقاح الجدري؛ فمن المرجح أنَّ الخطر في النطاقات المذكورة أعلاه.
ويبقى السؤال الأكبر ما إذا كانت العدوى ستنتشر أم يمكن أن نحتويها بسرعة. تتمثل إحدى الطرق في استخدام التطعيم الدائري، أي تطعيم الأفراد في المناطق التي تم اكتشاف حالة فيها، وبالتأكيد الأشخاص الذين تعرضوا لخطر الاتصال بالأفراد المصابين.
بالتالي؛ يمكن كسر سلسلة العدوى بشكل أسهل بكثير من "سارس كوفيد 2". لكن ما يزال من غير المعروف إنْ كان الفيروس قد تحوّر بطريقة تزيد من عدواه.
ما نزال في الأيام الأولى، ولدينا أدوات للمساعدة في إدارة حالات تفشي المرض. لكن يجب أن نكون في غاية اليقظة نظراً لخطر الإصابة بالمرض والوفاة بسبب الفيروس.