بعد أن ألغى قاضٍ إلزام مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية شركات الطيران الأمريكية أن تطلب من الركاب ارتداء الكمامات على متن الطائرات، توقفت إدارة أمن النقل فوراً عن فرض ارتدائها في المطارات. كما أنَّ أحد مقاطع الفيديو المنتشرة بشكل كبير أظهر مضيفة طيران تسير في ممر طائرة، وتطلب من المسافرين خلع الكمامات. لكن مع ارتفاع إصابات كوفيد مجدداً، ما الذي يعنيه التخلي عن الكمامات الطبية بالنسبة للصحة العامة؟ حتى لو كنت غير مجبر على استخدامها على متن الطائرة، فهل يتعيّن عليك ذلك؟
بيل غيتس يؤلف كتاباً حول كيفية جعل كوفيد-19 الوباء الأخير
ما تزال إجابة هذه الأسئلة صعبة لدرجة الإحباط، فقد حقق العلم تقدّماً كبيراً في التدخلات الدوائية مثل لقاحات وعلاجات كوفيد، لكنَّه لم يقدّم سوى القليل من المعلومات الجديدة حول قيمة التدخلات غير الدوائية مثل الكمامات.
يقل ما نعلمه عن مخاطر كوفيد-19 المرتبطة بالطيران بكثير عما ينبغي، أو عن فوائد طلب الكمامات القماشية والطبية، إذ نعلم أنَّ مخاطر الإصابة بالفيروس تنخفض عندما يرتدي الناس أقنعة التنفس من درجة إحكام "إن 95" (N95) أثناء الوجود بين أشخاص آخرين. لا شكَّ أنَّ خفض مخاطر إصابتك بالفيروس تحمي الآخرين أيضاً، إذ لا يمكنك نشر كوفيد-19 إن لم تُصَب بالعدوى على الإطلاق.
اهتمام محدود
لكن لم يحظَ قياس تأثير تدابير الصحة العامة إلا بقليل من الاهتمام. قرر مسؤولو الصحة العامة الأمريكيون ببساطة أنَّ فرض ارتداء الكمامات سيكون تدخلنا الأساسي غير الدوائي وسط فرضية حاجتنا لشيء كي نقوم بحماية الناس أثناء إعادة فتح الاقتصاد، لكن هذا كان افتراضاً، ولم يُختبر بدقة.
أظهرت محاولات عدّة في تجارب خاضعة للرقابة فائدة بسيطة لارتداء الكمامات الطبية، وهذه الفائدة هي انخفاض أعداد الإصابات بنسبة 10%.
الصين تنتفض مجدداً لمواجهة تصاعد تفشي "كورونا"
قال إدوارد نارديل، أستاذ الطب بجامعة هارفارد، إنَّ البيانات تُظهر مساهمة الأقنعة الطبية في إحدى المستشفيات بالحد من انتقال مرض السل- وليس كوفيد- بنحو 50%. هذه حالة مرضية مختلفة، لكنَّه يعتقد أنَّه من المنطقي افتراض أنَّ الأقنعة الطبية تساعد إلى حد ما، لكنَّها لا تحوّل الوضع الخطر إلى آمن.
أشار مايكل أوسترهولم، عالم الأوبئة بجامعة مينيسوتا، في مقابلة حديثة إلى أنَّ الإلزام بارتداء الكمامات الطبية قد يمنح الناس إحساساً زائفاً بالأمان. ليس هناك سوى بيانات قليلة حول فائدة الكمامات القماشية، التي كان يرتديها أشخاص كثيرون على متن الطائرات، والأسوأ أنَّ ركاباً كثيرين كانوا يميطون كماماتهم لمعظم الوقت فيما يتناولون الطعام أو الشراب. إذا كانت الكمامات الفضفاضة التي يستخدمها الكثيرون لا تحد من انتقال العدوى عبر الهواء؛ فقد يواجه الناس مخاطر تزيد عما يدركون.
استبدال الهواء
دوران الهواء في الطائرات جيد. لذلك؛ فإنَّ درجة المخاطر لا تشابه الوجود في غرفة مغلقة ذات حجم مماثل ومليئة بالناس، لكن هذا لا ينفي حقيقة وجود بعض المخاطر. قال نارديل، من جامعة هارفارد، إنَّه يوصي الأشخاص المعرضين لخطر أكبر أو الحذرين بشكل خاص باستخدام كمامة مناسبة مثل "إن 95". ليس سهلاً استخدام هذه الكمامات في رحلات طويلة، كما عليك تجنّب الأطعمة والمشروبات. يتضح ذلك في القرارات التي يتعيّن على الأشخاص المعرضين لمخاطر عالية اتخاذها بشأن ما إذا كانوا سيأخذون إجازة في الخارج أو رحلة برية محلية.
هل قرار الالتزام بالكمامات لمراكز مكافحة الأمراض أم لبايدن؟
قال ليونارد ماركوس، المدير المشارك لمبادرة قيادة الاستعداد الوطنية بجامعة هارفارد، إنَّ الأشخاص المعرضين لمخاطر أكبر ليسوا سواء؛ لذا يٌفضل أن تستشير طبيبك قبل حجز رحلة. ستكون هذه فكرة طيبة حتى مع الإلزام باستخدام الكمامات، برغم اعتقادة أنَّ إنهاء الإلزام سيجعل الطيران أخطر إلى حد ما.
كما قال، إنَّ استخدام الكمامات في الطائرة لا يجب أن يكون أمراً قطعياً، فعلى سبيل المثال، حين انخفاض الإصابات، قد يتخذ من تلقوا اللقاح خياراً منطقياً بخلع أقنعتهم لتناول الطعام والشراب. لكنَّه قال، إنَّ الإصابات الحالية في الولايات المتحدة تتصاعد، وقد نشهد زيادة جديدة في ظل ظهور سلالات فرعية جديدة من أوميكرون "بي إيه.2".
مزيد من الدراسة
لم يفت أوان معرفة المزيد عن تأثير استخدام الكمامات وأنواعها المختلفة. لم تكن الدراسات الخاضعة للرقابة متاحة إبان الإلزام بالكمامات، لكن يمكن للباحثين الآن جمع بيانات عن المتطوعين الذين يشتركون في رحلات جوية تفرض الكمامات أو لا تفرضها.
هذا ليس الوقت المناسب لتقليص جهود البحث والتخفيف، خاصة أنَّ اللقاحات لم تقضِ على الوباء كما كان يُؤمَل، وما تزال السلالات الوبائية الجديدة تشكّل تهديدات جديدة. يجب أن يبذل العلماء ومسؤولو الصحة العامة مزيداً من الجهود وليس أقل لتعلّم كيفية الحفاظ على سلامة الناس. نحن بحاجة لمزيد من الاختبارات المجانية، ومساعدة إضافية في إتاحة العقاقير المضادة للفيروسات اللازمة لمن يعانون نقصاً في المناعة، فضلاً عن مزيد من التحذيرات لإعطاء كبار السن الجرعة التنشيطية، والمزيد من البحث العلمي حول الأنشطة والأحوال التي تشكّل تهديدات أكبر.
خبيران: استخدام كمامتين معاً أجدى للوقاية من "أوميكرون"
قال الخبراء الذين قابلتهم في بداية تفشي الوباء، إنَّهم لم يروا أي جانب سلبي لاستخدام الكمامات عالمياً، وهم يرون جانباً إيجابياً محتملاً، لذلك؛ بدا من المعقول فعل ذلك حتى دون توفّر الكثير من البيانات. من المؤسف أنَّه بعد مرور عامين من تفشي الوباء، ما نزال نفتقر للبيانات اللازمة لمعرفة مدى أهمية استخدام الكمامات. سيستمر كوفيد في وجوده، وقد يكون من المفيد لنا جميعاً معرفة ما ينفع، وما لا ينفع في التعايش معه.